مسألة تحريف الكتاب المقدس

اتهامات خطيرة

 

للإنجيل والكتاب كله ، في القران ، منزلة القران نفسه .

ففي آخر سورة من سوره ، وفي آخر آية تقريبا من آياته ، يجعل القران التوراة والإنجيل والقران في منزلة واحدة : ( ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم  وأموالهم بان لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل الله ، فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقران ) التوبة 111.

ودرس ( الإنجيل في القران) يطلب كتابا كبيرا لنوفيه بعض حقه.

ونقتصر في هذه الأبحاث على المواضيع التي تهم الحوار بين المسيحية والإسلام .

قد يسلم أهل القران بان  للإنجيل والكتاب كله ، في عرف القران، منزلة القران نفسه . لكنهم لأسباب معروفة ينكرون ان القران يشهد للكتاب والإنجيل في وضعهما ، في عهد محمد؛ وانما هو يشهد للتوراة والإنجيل  كما نزلا على موسى وعيسى .

والقران ، على حد قولهم ، يشهد بتحريف الكتاب والإنجيل . لذلك مع تطور الوحي نسخ القران التوراة والإنجيل . والقران يذكر الإنجيل بالمفرد المعلم ، والمسيحيون لديهم أربعة أناجيل ، فلا يصح ان تكون كلها الإنجيل الذي نزل على عيسى ابن مريم.

إنها اتهامات خطيرة . ويزيد في خطورتها أنها تستند في نظر أصحابها إلى القران نفسه.

وهذا ما يحول بينهم  وبين الاستشهاد بالإنجيل الرباعي كلما قام حوار  بين المسلمين والمسيحيين .

فهل في القران أساس لتلك الاتهامات  ؟؟.

 

 

 

قيمة الكتاب والإنجيل في نظر القران

 

قلنا ونقول : للإنجيل والكتاب كله ، في نظر القران ، منزلة القران نفسه ؛ وهذه عقيدة راسخة متواترة في السور كلها

1) للتوراة والإنجيل والقران ، أسماء واحدة

فالثلاثة هي الكتاب المنزل : ( بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وانزل معهم الكتاب بالحق) البقرة 213.

والقران نفسه وحي من هذا الكتاب الإمام ، بدون تبديل : (واتل ما أوحى إليك من  كتاب ربك : لا مبدل لكلماته ) الكهف 27.

لذلك  فالقران: ( تفصيل الكتاب ) يونس 37  ، وتصديق له يهيمن على حراسته : (وأنزلنا إليك الكتاب ، مصدقا لما بين يديه (قبله) من الكتاب ، ومهيمنا عليه) المائدة 51 .

فعلى المسلمين ان يؤمنوا بالكتاب  والقران ايمانا واحدا : ( يا ايها الذين آمنوا  ، آمنوا بالله ورسوله ، والكتاب الذي انزل على رسوله ، والكتاب الذي انزل من قبل ) النساء 136 . فالكتاب المنزل في الثلاثة واحد ، وله فيها جميعا قيمة واحدة .

 

والثلاثة جميعا هي الذكر الحكيم :

( هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ) الأنبياء 23.

والذكر هو أصلا عند أهله : ( فاسألوا أهل الذكر ، لن كنتم لا تعلمون البينات  والزبر) النحل 43-44.

فما القران سوى بيان للتنزيل في الكتاب : ( وأنزلنا إليك الذكر  لتبين للناس ما انزل اليهم ) النحل 44 . فالذكر واحد في الثلاثة.

 

والثلاثة هي الفرقان :

( نزل عليك الكتاب بالحق ، وانزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وانزل الفرقان ) ال عمران 4  : فالتوراة والإنجيل والقران هي كلها الفرقان .

وما القران نفسه سوى ( بينات من الهدى والفرقان) البقرة 185.

لذلك : ( تبارك الذي انزل الفرقان على عبده ) الفرقان 1 .

كما ( آتينا موسى وهارون الفرقان ) الأنبياء 48 . فالكتب الثلاثة هي الفرقان .

والثلاثة هي القران ، قبل أن يصير اسما خاصا بالكتاب العربي.

فمنذ مطلع الدعوة ، ولما ينزل من القران العربي سوى آيات معدودات ، يؤمر محمد : ( قم الليل إلا قليلا ….. ورتل القران ترتيلا ( المزمل فمن الواضح انه قران الكتاب .

هذا ا يتضح من قوله : (وأمرت ان أكون من المسلمين ، وان أتلو القران) النمل 90-91.

أي قران الكتاب الذي يتلوه مع المسلمين من قبله الذي أمر بان ينضم إليهم ويكون ( من المسلمين )  . وفي مطلع السور يرادف بين ( تلك آيات الكتاب ) الشعراء 1 والقصص 1 يونس 1 لقمان 2 ، وبين تلك آيات القران) النمل 1 . فالقران اسم الكتاب كله مثل القران العربي : ( تلك آيات القران كتاب مبين) نمل 1   هذا الترادف يجعل للثلاثة قيمة واحدة .

 

2) فالكتاب المنزل واحد في التوراة والإنجيل والقران

( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ ) . البقرة 213.

فكل الأنبياء يبثون بالكتاب الواحد ، ولو تنوعت لغته . لذلك فالقران وحي من الكتاب نفسه ، دون تبديل : ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا . الكهف 27.

فالتوراة والإنجيل والقران هي كلها الكتاب الواحد المنزل : فلها جميعا منزلة واحدة .

 

3) تنزيل الكتاب في التوراة والإنجيل والقران ، عقيدة واحدة.

(الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ  من قبل وهدى للناس وانزل الفرقان . ال عمران 1-3 .

فالتنزيل واحد في التوراة والإنجيل والقران ، من الحي القيوم نفسه .

والقران ( تنزيل رب العالمين …. وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ) . الشعراء 193 - 197 .

فلا يميزه عنها سوى اللسان العربي وحده : ( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ . الأحقاف 12 .

4) اصل الكتاب المنزل في التوراة والإنجيل والقران واحد.

اصل الكتب المنزلة كلها هو : ( اللَوْحٍ المَحْفُوظٍ ) . البروج 22.

ويسميه ( أُمِّ الْكِتَابِ ) . الزخرف ؛ ( الرعد 39) أي اصله الذي لا يتغير منه شيء ؛ وهو ما كتبه بالأزل)  ( الجلالان) ؛ ( اصل الكتب ، وهو اللوح المحفوظ) البيضاوي .

فبما ان اصل التوراة والإنجيل والقران واحد ؛ فهي كلها واحدة، ولها قيمة واحدة، في نظر القران نفسه .

 

5) التوراة والإنجيل والقران تعلم جميعا دينا واحدا .

هذا ما وصى به الله زعماء الأنبياء والرسل ، نوح وابراهيم وعيسى  وموسى ومحمد:

( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) الشورى 13 . لذلك : ( لا نفرق بين أحد منهم ، ونحن له مسلمون ).

 

6) وهذا الدين الواحد في الثلاثة هو التوحيد الكتابي

 

فالتوحيد المنزل هو الايمان بالله واليوم الآخر  ، وهذا ما تنادي به الكتب الثلاثة . لذلك: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . البقرة 62 .؛ قابل الحج 17 و 67 ؛ المائدة 69.

وبوحدة التوحيد والدين في الكتب الثلاثة ، يتحدى المشركين : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ . القصص 49 .

وهذا التوحيد الكتابي المنزل هو واحد في الكتب الثلاثة : ( هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي . الأنبياء 24 -25 . فسره (الجلالان) ( ذكر من معي أي أمتي ، وهو القران ؛ وذكر من قبلي أي من الأمم ، وهو التوراة والإنجيل وغيرهما  من كتب الله ؛ فليس في واحد منها أن مع الله آلها آخر .

فالتوحيد الكتابي واحد في الثلاثة ؛ فلهما جميعا منزلة واحدة .

 

7) وهذا التوحيد الكتابي المنزل هو الإسلام

 

ان (الإسلامموجود اسما ودينا قبل محمد والقران ، وذلك بنص القران القاطع:

( هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ) الحج 78 : ( من قبل) في الكتاب كله؛

( وفي هذا) القران ، كما اجمع على تفسيره الطبري والزمخشري  والبيضاوي  والجلالان .

لذلك يؤمر محمد في بعثته ان ينضم الى ( المسلمين الموجودين من قبله : ( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وان أتلو القران) معهم . النمل 90-91 .

وجميع الأنبياء علموا إسلام الكتاب ، فلا دين غيره ، لانه دين الفطرة ، ودين الكتاب :

(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ . ال عمران 83 -85 .

ان إسلام القران هو إسلام الكتاب نفسه . والإسلام الذي لا دين غيره هو إسلام الكتاب ، من إبراهيم إلى موسى إلى عيسى ، قبل إسلام القران ؛ وما إسلام القران الا إسلام الكاب الذي شرعه الله للعرب ( الشورى 12 ) .

لكن هذا الإسلام هو على التخصيص إسلام النصارى  ( أُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ الذين يشهدون مع الله وملائكته ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) . ال عمران 18 - 19.

فالإسلام حصرا هو الإسلام (النصراني ) قبل ان يكون الإسلام القرآني .

هذا ما أعلنه الحواريون ، صحابة المسيح ، مرارا : ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . ال عمران 52   الصف 14 ؛ وهذا ما أعلنه النصارى لمحمد حين تلا عليهم إسلام القران : ( إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ). القصص 53 .

وكما شهد الحواريون للمسيح بالإسلام : ( رَبَّنَا آمَنَّا …. فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ. ال عمران 53 ؛ يشهد القران بالحرف الواحد للنصارى  بالإسلام : (رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) المائدة 86.

وميزة هذا الإسلام (النصراني ) القرآني هو التوحيد بين الرسل والكتب المنزلة (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . البقرة 136  وال عمران 84.

وبما ان الإسلام واحد في الكتب المنزلة كلها ، فالايمان( بكتب الله ورسله ) واحد، وهو ركن من أركان دين الله : (  ليْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ….. البقرة 177 .

فآمنوا بالله ( وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ال عمران 179. النساء 152 و171 والحديد 19 و21.

فقد ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . البقرة 285 .

هذا هو أساس الحوار الذي يفرضه القران على أمته : فلا ينس أهل القران هذا التلقين في حوارهم مع أهل الإنجيل .

 

8) الإنجيل هو كلام الله على لسان كلمة الله

 

ان الله يستجمع الحي كله في السيد المسيح : ( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ . ال عمران 48

في الترادف تظهر ( الحكمة) مرادفا للإنجيل  ؛ والمسيح نفسه يعلن ، ( قال : قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ ) . الزخرف 63.

وهذا الجمع المعجز للوحي في المسيح عقيدة راسخة في القران ، فهو يردد : ( إِذْ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ). المائدة 110 .

وميزة محمد والقران إيمانهما بالمسيح انه (كلمة اللهإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ). ال عمران 45 .  وهذه هي البشرى نفسها للمعمدان (ال عمران 39 ). 

فتعريف القران بالمسيح ، عيسى ، ابن مريم ، رسول الله ، انه (كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) . النساء 171 .

وهذا التعريف ، مهما اختلف التأويل ، فانه يرفع المسيح من عالم البشر ، الى عالم الروح ، عالم الملاك والله .

فكلام الله على لسان (كلمة اللههو ختام الوحي والنبوة ؛ لأنه ليس من رسول عند الله مثل الذي هو (كلمته وروح منه ) . قال الرازي : سمي كلمة الله كأنه صار عين كلمة الله أو لأنه أبان كلمة الله افضل بيان ) آل عمران 45.

وميزة محمد في دعوته انه : ( النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يؤمن بالله وكلمته . الأعراف 158 .

قرأنا ( كلمته) بدلا (كلماته) على قراءة  اصح تفرضها القرائن.

لذلك جاء القران ( تصديقا للكتاب ) البقرة  41 و 77 و 89 91 و 101 ؛ آل عمران 3 ؛ النساء 47 مائدة 46 ؛ الأنعام 92 ؛ يونس 37 ؛ يوسف 111 ؛ فاطر 31 ؛ الأحقاف 30 . الصف 6 .

(وتفصيل الكتاب) : يونس 37 ؛ يوسف 111 ؛ الأنعام 114.

 ( بل تعريب الكتاب ) : فهو ( تنزيل من الرحمن الرحيم : كتاب فصلت آياته فرانا عربيا ) فصلت 1 ؛  (كتاب أحكمت آياته ، ثم فصلت من لدن خبير حكيم ) هود 1 .

لذلك ( والكتاب المبين : إنا أنزلناه قرانا عربيا ) يوسف 1 .  

فتفصيل الكتاب هو في لغته القران تعريبه مفصلا: ( ولولا جعلناه قرانا أعجميا لقالوا: لولا فصلت آياته ) فصلت 44.

فالقران ينتسب جملة وتفصيلا إلى الكتاب الإمام : ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ) هود 17 ؛ الأحقاف 12 ؛ خصوصا إلى الكتاب المنير : ( فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ) آل عمران 184.

فلا ينتسب إلى كتاب سماوي عند الله ، بل إلى كتاب الله على الأرض: (  قل : فآتوا بالتوراة فأتلوها  ان كنتم صادقين ) آل عمران 933 ؛ والقران ( تنزيل رب العالمين ) لأنه ( في زبر الأولين الشعراء 193 -195.

وهو يفخر انه (يؤمن بالله وكلمته ) الأعراف 158 لان الإنجيل كلام الله على لسان كلمة الله : ففي المسيح توحد كلام الله وكلمة الله ؛ فصار كلمة الله كلام الله عينه الذاتي المنزل .

 

9) الإنجيل هدى وموعظة للمسلمين ، كما هو للمسيحيين

 

هذا هو موجز النبوة والكتاب : ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. المائدة 46 .

( المتقون ) في اصطلاح الكتاب والقران ، هم المؤمنون من الأميين بالكتاب المنزل ، كما في قوله : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين …  وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) . البقرة 1 - 4 ؛ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ. ال عمران 138 .

فالقران (هدي وموعظة للمتقين) من العرب ، كما أن الإنجيل (هدى وموعظة للمتقينمنهم . المائدة 46 .

والقران هو تعليم ( الكتاب والحكمة) اللذين استجمعهما المسيح، للعرب : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. البقرة 151 . كما طلب إبراهيم وإسماعيل لهم من ربهم ( البقرة 129).

وبتعليم القران العرب  الكتاب والحكمة ، التوراة والإنجيل ، أنقذهم من ضلال مبين  : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . ال عمران 164 . قابل الجمة 2

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) الجمعة 2 .

فالقران هو تعليم (الكتاب والحكمة ، التوراة والإنجيل) كما نزلت على المسيح ( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ). ال عمران 48 .

 

10) فالمسيح في عرف القران نفسه ، خاتمة النبوة والكتاب

 

أولالان المسيح وحدة ( كلمة الله) كأنه كلام الله تجسد فيه ، فصار (كلمة الله) عين كلام الله . فالمسيح هو ( كلمة الله) الذاتية والمنزلة جميعا.

ثانيا : لان القران في تعاقب الأنبياء يجعل المسيح خاتمة الرسل : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) . البقرة 87 .

وميزة الختام معه تأييد الروح القدس له على الدوام في سيرته ودعوته ، لا في حال الوحي فقط كما عند سائر الأنبياء والرسل .

فهو (لم يفارقه ساعة)  (يسير معه حيث سار ) . وفي المفاضلة  بين الرسل يجعل تأييد المسيح بالمعجزات وبروح القدس : (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ). البقرة 253  سبب فضله على غيره ( وجعل معجزاته سبب تفضيله لأنها آيات واضحات ، ومعجزات عظيمة لم يستجمعها غيره ) البيضاوي فهذان التفضيل بالمعجزات ، والتخصيص بتأييد روح القدس برهان  الختام في المسيح .

ولا نص في القران يقول ( بتقفية) رسول على المسيح .

يقولون: ان القران يصف محمد بانه (خاتم النبيين) ( رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب 40.

لكن نلاحظ دقة التعبير : فهو يقول ( خاَتم ) لا (ختامة) . وخاَتم هو ختم الصدق والتصديق.

وهذا هو المعنى المتواتر في القران بأنه ( تصديق الكتاب) ، وفي محمد بانه يصدق الكتاب في تفصيله للعرب () البقرة  41 و 77 و 89 91 و 101 ؛ آل عمران 3 ؛ النساء 47 مائدة 46 ؛ الأنعام 92 ؛ يونس 37 ؛ يوسف 111 ؛ فاطر 31 ؛ الأحقاف 30 . الصف 6 .

وعلى كل حال ، فالمسيح هو خاتم الأنبياء والأولياء في اليوم الآخر : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) . الزخرف 61 . فهو (علم) يشير إلى دنوها ؛ وهو (علم) لها تعرف به . ومن يكون كذلك حين الساعة الأخيرة من تاريخ البشرية فهو بالحقيقة خاتمة النبوة والكتاب .

تلك هي قيمة الكتاب عامة ، والإنجيل خاصة ،في نظر القران.

وفي آخر سورة ، وفي آخر آية تقريبا  ، يضع الكتب الثلاثة في منزلة واحدة ، ( وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ ) . التوبة 111 .

 

 

هل من تحريف في الكتاب والإنجيل

 

نفتتح هذا البحث ، كما سنختتمه ، بعد استقراء القران ، بهذا التحدي الصارخ : إننا نتحدى أيا كان أن يرينا في القران آية واحدة تتهم النصارى بالتحريف أو تلقي على الإنجيل شبهة التحريف ، وذلك تصريحا أو تلميحا ! .

قد يذكر الفران لليهود ، ولليهود وحدهم (تحريفافي الكتاب . وسندرس هنا معناه ومداه .

لكته لا ينسب للنصارى والإنجيل أية شبهة من التحريف  .

وشبهة التحريف عند اليهود تأتى في المدينة ، ولا ذكر لها في القران المكي : فهي من زمن الصراع بين محمد واليهود في

العهد المدني الأول ، لان تصفية اليهود من المدينة  كانت قد تمت في مطلع العهد الثاني بالمدينة .

وسنرى ان(التحريف) المذكور  إنما هو تأويل فاسد لآية (النبي الأمي) او نعت النبي في التوراة، ولآية جلد الزاني بدل رجمه .

تأخذ شبهة التحريف في القران ثلاثة أشكال:

كتمان بعض الكتاب عن الناس ،

واللي بالسان طعنا في الدين ،

وتحريف الكلام عن موضعه .

تهمة كتمان بعض الكتاب عن الناس

السورة الأولى من المدينة وهي البقرة . فيها صور الصراع الذي نشب بين محمد واليهود على زعامة المدينة . وبالتالي على صحة نبوة محمد، التي ظل اليهود يكفرون بها طيلة عهد  الدعوة القرآنية . وفيها يتهم اليهود بكمان الحق الذي في التوراة : ( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِي وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِي وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . البقرة 40 -44.

فالقران يردع اليهود عن الكفر به قبل الجميع ؛ مع انه ؛ (مصدق لما معهم) ! : فالقران اذن يصدق ما هو مع بني إسرائيل من الكتاب، وهذا التصديق شاهد انه لا تحريف عندهم.

ويقول : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلافآيات الكتاب الذي مع اليهود لم تزل آيات الله، (آياتي)، في زمن محمد .

ويقول ( وانتم تتلون الكتاب) فالكتاب الذي معهم لم يزل كتاب الله ؛ ولو دخله تحريف لما نوه بتلاوته شاهدا عليهم .

ثم يتهمهم ( تلبيس الحق الباطل) أي كما قال الجلالان : ( لا تخلطوا الحق الذي أنزلت عليكم بالباطل الذي تفترونه ) . فتلبيس الحق بالباطل هو أدق تحديد للتأويل الباطل .

فالقران اذن يشهد هنا ان بني إسرائيل يتلون في الكتاب الحق المنزل ، وان فسروه على هواهم : فالكتاب الذي مع بني إسرائيل هو الحق في زمن محمد .

ثم يقرن القران تلبيس الحق بالباطل ، بكتمان الحق : والاثنان يفسر بعضهما بعضا .

يقول : ( ولا تكتموا الحق وانتم تعلمون) أي لا تكتموا الحق الذي في الكتاب . فما هو هذا الحق الذي يكتمون ؟  قال الجلالان : ( لا تكتموا نعت محمد وانتم تعلمون انه الحق ) .

فقد كان محمد يستشهد بالتوراة على صحة نبوته ، فينكر اليهود عليه ذلك.

فالخلاف في التأويل ، لا في كتمان النص او تحريفه .

 

2) ( أم تقولون : مُخْلِصُونَ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة 140

الجدل قائم بين محمد واليهود على الهدى (135 -141 ) .

كان اليهود يشتقون الهدى من اسمهم فيقولون : ( كُونُوا هُودًا تَهْتَدُوا (البقرة 135).

فرد عليهم القران ان الهدى في الاسلام الذي يؤمن : ( بما) أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) 136.

فيردون عليه : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودً (140)

فيرد عليهم ان اليهودية من موسى ؛ لذلك فالآباء والأسباط لم يكونوا يهودا (بالمعنى الديني )

هذه هي شهادة التوراة: ( ومن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ) 140.

فالقران يستشهد بالتوراة التي معهم في زمن محمد ، ويتهم اليهود بكتمان شهادة التوراة ، كتمانا لفظيا ، أو بالحري معنويا، بالتأويل المغلوط . واستشهاد القران بالتوراة دليل على صحتها ، كما هي في أيديهم .

 

3) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة 146.

الجدل مع اليهود على نبوة محمد . قال الجلالان : ( أهل الكتاب يعرفون محمد كما يعرفون أبناءهم بنعته في كتبهم وان فريقا منهم ليكتمون الحق اي  نعت محمد ، وهم يعلمون.

 فظاهر ان الكتمان المقصود هو التأويل  الفاسد للتوراة التي تشهد لمحمد . وما يكتمه فريقا،  يفضحه الفريق الآخر : فلا خوف على النص لا من الكتمان المادي ولا من الكتمان المعنوي أي التأويل .

فمناورة الكتمان ، بالتأويل المغلوط ، هي من فريق فقط . فهي فاشلة ، ولا تمس التوراة في شيء.

 

4) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ . البقرة 159 .

ان القران يلعن الفريق من اليهود الذي يكتم معنى الكتاب عن الناس . وهب انهم يكتمون النص نفسه ، فلا خوف على تحريفه. فالفريق الآخر بالمرصاد .

5) ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . البقرة 174 - 176 .

هنا يظهر شقاق الفريقين على اختلافهم في فهم الكتاب . ففريق منهم بتأويلهم الفاسد اشتروا الضلالة بالهدى . والفريق الآخر بقي على الهدى في حفظ الكتاب وتأويله .

وفي الآية شهادة مزدوجة على صحة الكتاب المتداول في الحجاز على زمن محمد : ان فريقا منهم ( يكتمون ما انزل الله من الكتاب )  : فالقران يشهد بان الكتاب في زمنه منزل من الله ؛ ويشهد أيضا ( بان الله انزل الكتاب بالحق ) كما وصل زمان محمد والقران .

وفي سورة ال عمران يظل الجدل قائما بين محمد واليهود على صحة رسالته : يستشهد محمد بالكتاب فينكرون عليه صحة شهادته :

1) ( وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ  يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . ال عمران 69 -71 .

قال الجلالان : ( لم تخلطون الحق بالباطل وتكتمون الحق أي نعت محمد ، وانتم تعلمون انه الحق ). فالخطاب كله بحق اليهود ، وهم ينكرون تأويل محمد لشهادة الكتاب له . فتهمة الكتمان تدور كلها حول صفة الكتاب .

2) ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ . ال عمران 187 .

الآية في خطاب بحق اليهود أيضا : ان كتمان حقيقة الكتاب ، خصوصا في صفة محمد النبوية ، هو ضد الميثاق الذي أخذه الله في التوراة على اليهود،  ان يظهروا الحقيقة ولا يكتمونها بتأويلهم. وهذه شهادة على صحة الكتاب .

وفي سورة النساء هذه الآية في خطاب اليهود أيضا : ( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا . النساء 37 .

قال الجلالان : يكتمون ما آتاهم الله من فضله ، من العلم والمال، وهم اليهود ). فاليهود يمنعون علمهم ومالهم عن محمد : تلك هي التهمة .

وفي سورة المائدة هذه الآية في نفاق اليهود : وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ ) المائدة 6.

فقد اتخذوا دعوة محمد (هزوءا ولعبا) هم (الذين جعل منهم القردة والخنازير). المائدة 60 -64.

تلك هي تهمة الكتمان في دعوة القران : انها تقتصر على خلاف محمد واليهود في دلالة الكتاب على صحة نبوة محمد .

انها قضية تفسير وتأويل . فليس فيها ما يمس نصص الكتاب الذي يعلن القران مرارا صحته في عهد القران .

 

تهمة اللي بالسان في تلاوة الكتاب

 

ترد التهمة في آيتين يفسر بعضهما بعضا : ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . ال عمران 78 .

مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ) . النساء 46 .

النص صريح بان فريقا ( من الذين هادوا ) يلوون ألسنتهم في تلاوة الكتاب ، أي يقرؤون بغير القراءة الصحيحة ، ويعتبرون قراءتهم هي المنزلة ، وما هي بالمنزلة . ويعطي مثالا على تلاعبهم في الكلام قولهم : ( راعنا) ؛ فإذا لفظوها (راعنا) عنت بلغة اليهود ارعن .

فالتهمة هي قراءة مشبوهة لآيات في الكتاب يقصدون بها غير ما قصد الله بها في كتابه العزيز .

واختلاف القراءات ، سواء كانت صحيحة او مشبوهة ، شيء مألوف في التوراة والإنجيل والقران ؛ واختلاف القراءات لا يمس حرف النص ، فهو سالم .

وهذا اللي بالسان في تلاوة الكتاب ، أي القراءة المختلفة ، يجمعها في الآية إلى تحريف الكلام عن مواضعه ( النساء 46) فيكون التحريف المقصود بالتهمة القرآنية  هو القراءة المختلفة.

وهذه شهادة سلبية على سلامة نص الكتاب من التحريف .

ونلاحظ ان من يقوم بذلك التلاعب في قراءة الكتاب إنما هم فريق من الذين هادوا ، لا كلهم ، ولا دخل للنصارى في التهمة على الإطلاق .

تهمة التحريف نفسها

ترد تهمة التحريف في خمسة مواضع :

1) ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . البقرة 75.

قال الجلالان : أَفَتَطْمَعُونَ ايها المؤمنون ان يؤمن لكم اليهود وقد كانت طائفة من أسلافهم يسمعون كلام الله في التوراة ثم يحرفونه أي يغيرونه من بعد ما عقلوه ، وهم يعلمون .

قال البيضاوي : أَفَتَطْمَعُونَ ان يصدقونكم - يعني اليهود - وقد كانت طائفة من أسلافهم يسمعون كلام الله في التوراة ثم يحرفونه كنعت محمد . وآية الرجم ، أو تأويله ويفسرونه بما يشتهون .

وقيل : هؤلاء من السبعين المختارين ( على زمن موسى) …. من بعد ما علقوه أي فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه ريبة . ومعنى الآية ان أحبار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة ، فما ظنك بسفلتهم وجهالهم ، وانهم ان كفروا وحرفوا فيهم سابقة في ذلك ).

ما معنى (يلوون ألسنتهم بالكتاب ) ؟  قال البيضاوي : يفتلون ألسنتهم بقراءة الكتاب او يعطفونها بشبه الكتاب  ).  قال الجلالان : يعطفونها بقراءته عن المنزل الى ما حرفوه من نعت محمد ) .  قال الزمخشري : يفتلون ألسنتهم بقراءة الكتابويجوز ان يراد يعطفون ألسنتهم  بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب ) .

فالكلمة لها معنيان : الأول فقل اللسان في التلاوة نفسها ؛ والثاني : تعقيب التلاوة بشبه عليها . فالمعنى الثاني تفسير لا يمس النص . والمعنى الأول قراءة مغلوطة للنص نفسه ، فهي اذن لا تمس النص .

فالحديث هنا عن تحريف فريق من اليهود للتوراة على زمن موسى . وهب انه يقصد تحريفهم على زمن محمد فالتحريف واقع من فريق ، لا يقرهم الفريق الآخر عليه .

والفريق المنافق ، لا يغير النص نفسه بل يغير معناه أي ، كما يقول البيضاوي : يؤولونه ويفسرونه كما يشتهون ) .

وأّنى لهم يغيروا النص والفريق الآخر لهم بالمرصاد ! .

تهمة التحريف أي التأويل تنحصر كلها ، بإجماع المفسرين ، في أمرين : نعت محمد وآية الرجمفمحمد يرى صفة نبوته في الكتاب ، واليهود لا يرونها .

فالخلاف في التأويل لا في تغير النص . وقد فسر بعض اليهود رجم الزاني والزانية بالتحريم والضرب ، بدل الرجم ، كما سنرى ، فالخلاف أيضا بين محمد وفريق من اليهود في تأويل التوراة ، لا في تحريف نصها ، كما تدل القرينة في قوله : (يحرفونه بعد ما عقلوه ، وهم يعلمون) أي من بعد ما فهموه حق فهمة .

فليس في ( التحريف) المذكور في آية البقرة من تحريف للحرف والنص ، وذلك بنص القران القاطع في الآية : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أولئك يُؤْمِنُونَ بِهِ ) . البقرة 121 .

قال الجلالان : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أي يقرؤونه كما انزل ) وهذا الآية (البقرة 121) تقطع قطعا مبرما كل تهمة بتحريف . وعلى كل حال فالكلام في اليهود وتوراتهم ، لا في النصارى وإنجيلهم.

 

2) في سورة النساء : ( مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ) . النساء 46 .

أوجز البيضاوي موقف المفسرين جميعا بقوله : مِنْ الَّذِينَ هَادُوا قوم ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بإزالته عنها واثبات غيره فيها.

او يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه عما انزل الله فيه .

فالتحريف اذن إما تغير النص ، وإما تأويله  : فما هو المقصود ؟

كل القرائن القرآنية تدل على ان التحريف المقصود هو تأويل المعنى لا تغير النص  : فالفاعلون بعضهم : ( مِنْ الَّذِينَ هَادُوا قوم  يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) ؛ فالبعض الآخر لا يقرونهم في ذلك ، لأنهم ، بنص القران القاطع : ( يتلون الكتاب حق تلاوة أي كما انزل .

ثم ان المفسرين يترددون بين تغير النص ، أو تأويل المعنى ، فلا أحد يجزم بتغير حرف النص .

والقران يقول عن ( مواضعه) ؛ ويسمي ذلك (ليا بالسان) ؛ ويعطي على ذلك ثلاثة أمثلة : ( سمعنا وعصينا ؛ واسمع غير مسمع ؛ وراعنا ) . من هذه الأمثلة نفهم ان التحريف لا يقع حرف التوراة نفسه ، بل يقع في كلام اليهود أنفسهم في مخاطبة النبي : فهم يتلاعبون في كلامهم ما بين لغتهم والعربية ، كقولهم في ( راعنا)  (رعنا) أي ( يا ارعن) في لغتهم . فالتحريف يقصد كلام اليهود مع النبي لا كلام التوراة ، بدليل قوله : (طعنا في الدين) .

وهب ان التحريف المقصود يقصد التوراة نفسها ، فالآية تفسر التحريف ، بقولها ( ليا بألسنتهم

أي يقرؤون التوراة ، في المواضع المقصودة ، بقراءة غير صحيحة .

فالتحريف اذن يعني القراءة غير الصحيحة ، والنص يبقى سالما بلا تغيير .

لذلك كله فتفسير التحريف المقصود بأنه تغيير في النص ذاته تنفيه كل القرائن القرآنية القريبة والبعيدة .

 لذلك أيضا يرفض الرازي ، المفسر الكبير ،تفسير التحريف بمعنى تغير النص ذاته : ( لان الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغير اللفظ) الرازي في تفسير المائدة 44.

وهذا هو موقف صحيح البخاري : ( يحرفون الكلام عن مواضعه أي يزيلونه وليس أحد يزيل لفظ كتاب من الله تعالى ؛ ولكنهم يتأولونه على غير تأويله) - راجع ضحى الإسلام احمد امين ص 346 -358 - فليس من تحريف في التوراة ولا من يفرحون، أو  يحزنون . والنصارى وإنجيلهم براء من ذلك .

 

3) في سورة المائدة : ( ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . المائدة 13 .

في آية (المائدة 14) نجد تعبير آية النساء 46 نفسه . فتعليقنا عليه واحد .

ونلاحظ ان التهمة منسوبة إلى اليهود ، لا إلى النصارى وإنجيلهم .

الرازي يفهمها مثل صحيح البخاري ، فيقول : ( إن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة ، والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معناه الباطل ، بوجوه الحيل اللفظية ، كما يفعل أهل البدع  في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم . وهذا هو الأصح .

 ولنا هنا قرينة على صحة تفسير البخاري  والرازي ، من الآية (15)  التي ليها في الخطاب نفسه لليهود: ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ، يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ، ويعفو عن كثير ) . فالقران يقرن التحريف بالإخفاء ، إخفاء المعنى المقصود ، لان النص كان شائعا متواترا في العالمين ، قبل بعثة محمد . وهب حاول ذلك بعضهم في الحجاز ، فهل ينطلي ذلك على اليهود كلهم في دولة الفرس وفي دولة الروم؟؟.  

موضوع التحريف في آية المائدة (14) هو دائما صفة محمد في التوراة.

قال الجلالان : ( يحرفون الكلم الذي في التوراة من نعت محمد.

فالنبي العربي يتهم اليهود ، أو بالحري  فريق منهم بتأويل شهادة التوراة بحقه تأويلا غير صحيحا فالخلاف بين محمد واليهود على تفسير النبي الموعود .

تقول التوراة (بالنبي الآتي) مثل موسى ؛ فقرأها محمد : (النبي الأميفأنكروا ذلك عليه ، كما أنكروه من قبل على عيسى ابن مريم .

وفي الحالين ، ان تفسير اليهود للآتي في التوراة لا يمس حرفها.

والنصارى في ذلك كله براء من التهمة ؛ فلا يعنيهم القران على الإطلاق.

4) في سورة المائدة النص الأخير في التحريف  المزعوم : ( وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ) . المائدة 41

فالتحريف هنا مقرون بقصة يشير اليها النص . فسره الزمخشري ، روى ان شريفا من خيبر زنى بشريفة ، وهما محصنان ، وحدهما الرجم في التوراة .

فكرهوا رجمهما لشرفهما . فبعثوا رهطا منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله . عن ذلك .

وقالوا : ان أمركم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوا . وان أمركم بالرجم ، فلا تقبلوا . وأرسلوا الزانيين معهم . فأمرهم بالرجم . فأبوا ان يأخذوا به . فجعل بينه وبينهم حكما ابن صوريا ، من فدك . فشهد بالرجم . وقالوا في ختام القصة ، ان النبي ، بعد شهادة الحبر اليهودي من فدك ، أمر برجمهما  ، فرجموهما عند باب المسجد، لإقامة حد التوراة  عليهما .

وأسباب النزول كلها ، والمحدثون ، والمفسرون كلهم يقرنون التحريف المذكور في سورة المائدة بقصة الزانيين من خيبر . فالتهمة مقصورة على آية في التوراة ؛ والتحريف المقصود هو هو تفسير الرجم بالجلد ، وليس تغير النص .

وهو من فريق ( من الذين هادوا ) لا من جميعهم .

ولنا على معنى التحريف المقصود قوله : ( الم تر الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم ، قم يتولى فريق منهم وهم معرضون ) العمران 23.

فلو كان في التوراة نفسها تحريف لما سماها ( كتاب الله ) .

واستشهاد محمد بتلاوة التوراة شاهد على انه يعتبرها ( كتاب الله) في زمانه .

والتحريف المقصود هو في تأويل معرض لآية واحدة .

وهذه هي قصة التحريف التي تملا القران من ( آل عمران ) إلى ( المائدة)  .

فمن تأويل فريق من اليهود لآية الرجم بالجلد - آية واحدةأطلق القوم تهمة التحريف اللفظي على التوراة كلها : فما اظلمهم بحق كتاب من كتب الله !

والخلاف الآخر في موضوع  التحريف ، هو قراءة نبؤة موسى في (النبي الآتي ) الواردة  بمعنى (النبي الأمي) ، كما قرأها محمد ومن معه فأنكر اليهود ذلك .

وهكذا تنحصر تهمة التحريف الوارد لفظها في القران ، بحق فريق من اليهود ، في لفظين من آيتين التوراة : تأويل اليهود الرجم بالجلد ؛ وقراءة محمد ( النبي الأمي ) بدل ( النبي الآتي).

تلك هي التهمة الضخمة تملا الكتب وصحف التفسير ، والتي بها يتشدقون .

انهم يعملون بحسب المثل الدارج ، من زبيبة خمارة ! ومن الجبة قبة ! . 

وفاتهم أسلوب القران في البيان : التخصيص في مظهر التعميميذكر القران بعض آية من التوراة بلفظ التعميم : (يحرفون الكلم عن مواضعه) او (يحرفون الكلم من بعد مواضعه) .

وهو يقصد التخصيص كما تدل القرائن كلها ؛ فأخذها القوم بمعنى التعميم وهذا تفسير خاطئ مغرض لبيان القران .

فهو يقول مثلا : ( ام يحصدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) النساء 53  قال الجلالان : ( يحسدون الناس أي النبي. (على ما آتاهم الله من فضله) من النبوة . فالتخصيص في معرض التعميم أسلوب قراني  فات القوم في تفسير القران .

وهذه الشهادة القرآنية في ( الذين يتلون الكتاب حق تلاوة ) أي ( يقرؤونه كما انزل ) (الجلالان

شهادة قاطعة على نفي التحريف ، وعلى استحالته في (كتاب الله) كما يسميه في أيامه.

ان التوراة قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها ( قبل ظهور محمد والقران) ، ولا يعلم عدد نسخها فلا الله ، ومن الممتنع ان يقع التواطؤ على التبديل والتغيير في جميع تلك النسخ ، بحيث لا تبقى في الأرض نسخة إلا مبدلة ، مغيرة ؛ والتغيير على منهاج واحد. وهذا ما يحيله العقل ، ويشهد ببطلانه .

فالقول بتحريف الكتاب أي التوراة والإنجيل ، استنادا الى متشابه القران في استخدام لفظ ( التحريفعلى التعميم في موضع التخصيص ، هو تحدٍ مفضوح للمنطق وللتاريخ وللقران نفسه .

وهذه هي النتيجة الحاسمة التي نصل اليها بعد استقراء القران في التحريف المزعوم وتفسيره

أولا : لا يقول القران بتحريف لفظي في التوراة .

ثانيا على كل حال تهمة التحريف السخيفة لا تقصد النصارى وإنجيلهم على الإطلاق.

وكما استفتحنا البحث نختمه : إنا نتحدى أيا كان أن يرينا آية واحدة من القران تتهم  المسيحيين تصريحا او تلميحا بتحريف الإنجيل او بعضه .

 

 

 

شهادة القرآن لصحة الكتاب المقدس

 

ورد في الشورى 42:15 “وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ ا للَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا" ..

 

وورد في غافر 40 :53 - 55 “ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا لْكِتَابَ هُدىً وَذِكْرَى لأُولِي الْأَلْبَابِ فَا صْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ"

 

وورد في الفرقان 25: 35 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً"

 

وورد في الزخرف 43 :45 وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ

 

وورد في يوسف 12: 111 “وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ"

 

وورد في هود 11 :17“وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ"

 

وفي يونس 10 :37   “وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ" وفي آية 94:“فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ا لَّذِينَ يَقْرَأُونَ ا لْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ"

 

وفي الأنعام 6: 89 ، 90  “أُولَئِكَ ا لَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَا لنُّبُّوَةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ" (أي قريش) فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه"

 

وفي عدد 91· “قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً"

 

وفي عدد 92 قال إن القرآن مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِوفي عدد 114 “وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَّزَلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ"

 

وفي عدد 124. “قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ"

 

 وفي عدد 154 “ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُون"

 

وفي عدد 156   “أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا"  (أي اليهود والنصارى)

 

وفي القصص 28 :43“ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا ا لْقُرُونَ ا لْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَوفي عدد 48 

قَالُوا لَوْلاَ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى

 

وفي عدد 52 “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ"

 

وفي المؤمنين 23: 49،50 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يهَتْدَوُنَ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً;

 

وفي الأنبياء 21: “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَا سْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ;

 

وفي عدد 48 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراللْمُتَّقِينَ

 

وفي عدد 105 “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَاعِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ; (المراد بالذكر التوراة، وقيل المراد بالزبور جنس الكتب المنزَّلة)

 

وفي الإسراء 17:2 “وَآتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً؛ 

 

وفي عدد 101 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَا سْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ 

وفي العنكبوت 29: “وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِا لَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِا لَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  

 

وفي الأعراف 7:159   “وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ

 

هذا جزء من الأقوال الواردة في السور المكية بحسب الترتيب التاريخي، وشهاداتها صريحة للكتاب المقدس

أما العبارات الواردة في السور المدنية فهاك بعضها

ورد في البقرة 2:4 ، 5 “الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلكَِ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَّبِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ

 

وفي أعداد 40 - 42 “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ التِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَا رْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَّوَلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَا تَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

 

وفي عدد 53 وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَالفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ .

 

وفي عدد 87 “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ا بْنَ مَرْيَمَ

البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ وفي عدد 91 “وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقا لمَا مَعَهُمْ

 

وفي عدد 92 “وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالبَيِّنَاتِ 

وفي عدد 136 “قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  

 

وفي عدد 253 “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ا بْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ  بِرُوحِ القُدُسِ  

 

وفي عدد 285 “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ

 

وورد في الحديد 57:19 “وَالذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ 

 

وورد في عددي 26 ، 27 “وَلَقَدْ أَرْسَلَنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ا بْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ

وورد في النساء 4:47 “يَا أَيُّهَا الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَّزَلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ   وورد في عدد 54 “فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً

وفي عدد 136 “يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالكِتَابِ الذِي نَّزَلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالكِتَابِ الذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً

 

وفي أعداد 150 - 153 إِنَّ الذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً وَالذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيِهمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ أَنْ تُنَّزِلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ ;

 

وفي النساء 4: 163-164 “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعَقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً” . وقد أكثرنا من إيراد هذه الشهادات القرآنية لنوضّح

(1) كانت التوراة والإنجيل والزبور متداولة ومتواترة بين أيدي الناس في عصر محمد. وهل يُعقل أن محمداً كان يحضّ الناس على وجوب التمسّك بها وهي مفقودة، أو هل كان يستشهد بها ويمدحها وهي مبدَّلة؟ ألم يقل في المائدة 5:68 إن أهل الكتاب ليسوا على شيء ما لم يقيموا التوراة والإنجيل؟

وفي عدد. 43 كيف يحكِّمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله . وإن الله أنزل التوراة والإنجيل فيهما هدىً ونور، ومن لا يحكم بهما، فهم الكافرون والظالمون والفاسقون

(2) أورد محمد منها بعض الأحكام واستشهد بها كثيراً في أقواله

 (3) أوضح محمد البركات التي تحصل لمن يقيم حدودهما من غفران السيئات وحلول البركات (المائدة 5:66). 

(4) اعترف محمد بأن من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، ثم مدحهم .آل عمران 3:113 ، 114). 

 (5) جاء القرآن من أوله إلى آخره مصدِّقاً للكتب المقدسة.

فهل يصدِّق على شيء لا وجود له أو مُلفَّق؟ 

 (6) يقولون إن الله أمر محمداً أن يستفهم من أهل الكتاب عن القضايا التي ارتاب فيها (يونس 10:94). 

7) ذكر محمد التوراة والإنجيل بكل تعظيم، فقال إن التوراة ·إمام ورحمة  (هود 11:17) والإنجيل  الكِتَابَ المُسْتَبِينَ وَالكِتَابِ المُنِيرِ (الصافات 37:117 وآل عمران 3: 184 وقال إن الكتاب المقدس هُدىً وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ (غافر 40: 54 و نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ (الأنعام 6:91) وإنه نزل تماماً عَلَى الذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ  (الأنعام 6:154) و بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً (القصص 28:43) وقال عنه إنه الفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ; (الأنبياء 21:48) و ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (المائدة 5:46) وغير ذلكفهل يصف التوراة والإنجيل بمثل هذا الكلام إذا كان يعتقد ضياعهما أو تحريفهما أو تغييرهما وتبديلهما؟  فإذا اعترض أحد بأن القرآن قال إن أهل الكتاب حرَّفوا كتبهم، قلنا إن اليهود قاوموا محمداً أشد المقاومة، وكثيراً ما كانوا يمتحنونه بأسئلة كثيرة عجز عن الإجابة عنها. وإذا استفهم منهم عن شيء من كتابهم ضنّوا عليه به، أو كتموا المعاني، أو فسّروا الأقوال حسب أهوائهم، فتضايق منهم محمد. ولما قوي وزاد حزبه توهَّم ورود شيء عنه في الكتب الإلهية. ولا يتوهَّم المُطالع أن اليهود أتوا شيئاً خلاف العادة، فالعهد أن كل حزب يؤيد رأيه ومذهبه من الكتاب الواحد بدون أن يمسّ النص الأصلي بشيء. وهذا مثل قول محمد في البقرة 2:75   “وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ; وورد في النساء 4:46 “مِنَ الذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ   l; وكذلك ورد في عدد 41 فقال المفسرون إن اليهود كانوا يحرّفون كلام الله، يؤوِّلونه ويفسرونه حسب أغراضهم.

وقال البخاري في تفسير قوله: ·يحرّفون الكلم عن مواضعه  يزيلون  وليس أحدٌ يزيل لفظ كتابٍ من كتب الله، ولكنهم يحرّفونه أي يفسرونه على غير معانيه. وقيل في فتح الباري: ·سُئِل ابن تيمية عن هذه المسألة فأجاب في فتواه أن للعلماء في هذا قولين، أحدهما وقوع التبديل في الألفاظ، وثانيهما لا تبديل إلا في المعاني، واحتجّ للثاني.

وقال الفخر الرازي (في تفسيره للنساء 4:46) ·فإن قيل كيف يمكن التحريف في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب؟ قلنا يُقال إنّ القوم كانوا قليلين، والعلماء بالكتاب غاية في القِلّة، فقدروا على هذا التحريف. والثاني المراد بالتحريف إلقاء الشبهة الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحِيَل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذهبهم، وهذا هو الأصح. ومن الآراء في ذلك أنهم كانوا يدخلون على محمد ويسألونه عن أمرٍ فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرَّفوا كلامه

 

وورد في البقرة 2:174“الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ" قال المفسرون إن أئمة اليهود كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا، فلما جاء محمد خافوا انقطاعها فكتموا صفة محمد والبشارة به. قال الرازي: ·قال ابن عباس: إنهم كانوا يحرّفون التوراة والإنجيل. وعند المتكلمين هذا ممتنع لأنهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذَّر ذلك فيهما. بل كانوا يكتمون التأويل لأنه قد كان فيهم من يعرف الآيات الدالة على نبوة محمد، وكانوا يذكرون لها تأويلات باطلة ويصرفونها عن محاملها الصحيحة  (الرازي في تفسيره للنساء 4:174). 

وورد في آل عمران3:78 وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الكِتَابِ قال الواحدي: يحرّفون الكتاب عما هو عليه بألسنتهم معناه أن يعمدوا إلى اللفظة فيحرّفونها في حركات الإعراب تحريفاً يتغير به المعنى، وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في العبرانية . قال الرازي: ·كيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس؟ الجواب: لعله صدر هذا العمل عن نفرٍ قليل. إلى أن قال: ولكن الأصوب هو أن الآيات الدالة على نبوة محمد كان يُحتاج فيها إلى تدقيق النظر وتأمل القلب، والقوم كانوا يوردون عليها الأسئلة المشوّشة والاعتراضات المظلمة، فكانت تصير تلك الدلائل مشتبهة على السامعين. واليهود كانوا يقولون مراد الله من هذه الآيات ما ذكرناه لا ما ذكرتم، فكان هذا المراد بالتحريف وبِلَيّ الألسنة، وهذا مثل ما أن المُحِق في زماننا إذا استدلّ بآية من كتاب الله، فالمبطِل يورد عليه الأسئلة والشبهات، ويقول: ليس مراد الله ما ذكرت. فكذا في هذه الصورة  (الرازي في تفسيره لآل عمران 3:78).

وقال في محل آخر: التحريف يحتمل التأويل الباطل، ويحتمل تغيير اللفظ. وقد بيّنا في ما تقدَّم أن الأول أوْلَى، لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتَّى تغيير اللفظ، فكل عاقل يرى أن تغيير الكتاب المقدس كان متعذراً لأنه كان متداولاً بين أناس كثيرين مختلفي المِلل والنحل، فكان في أيدي اليهود الذين كانوا مشتَّتين في أنحاء الدنيا، بل كان منتشراً بين المسيحيين في أقاصي الأرض. فلو فُرض أن اليهود الذين كانوا في بلاد العرب غيّروا شيئاً من أقوال الله، لقاومهم باقي اليهود، بل كان المسيحيون يتصدّون لهم بالتشنيع والتقريع. ولكن لم يحصل شيء من هذا. ومع ذلك فلا ينكر أن اليهود كانوا يمتحنون محمداً ويخفون أحكام شريعتهم عليه ليروا إذا كان عارفاً أو جاهلاً بها، والدليل على ذلك ما رواه المفسرون، وهو أن شريفاً من يهود خيبر زنى بشريفة، وكانا محصَّنين، فكرهوا رجمهما، فأرسلوهما إلى محمد، ووضعوا له وسادة فجلس عليها، ثم قال: ·ائتوني بالتوراة  فأُتي بها، فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال: ·آمنت بك وبمن أنزلك . ثم قال: ·ائتوني بأعلمكم  فأُتي بشاب قال محمد له: ·أنشدك الله الذي لا إله إلا هو، الذي فلق البحر لموسى، ورفع فوقكم الطور، وأنجاكم وأغرق آل فرعون، والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه، هل تجدون فيه الرجم على من أحصن؟  قال: ·نعم . فأمر محمد بالزانيين فرُجما عند باب المسجد.

وفي رواية أنهم لما حكّموا محمداً دعاهم بالتوراة، وجلس حَبْرٌ منهم يتلوها، وقد وضع يده على آية الرجم، فضرب عبد الله بن سلام يد الحَبْر، ثم قال: هذه يا نبي الله آية الرجم، يأبى أن يتلوها عليك. فقال لهم محمد: وَيْحكم يا معشر اليهود! ما دعاكم إلى تَرْك حكم الله وهو في أيديكم؟ وقال محمد: فأنا أول من أحيي أمر الله وكتابه وأعمل به، ثم أمر بهما فرُجما عند باب المسجد (ابن كثير في تفسيره للمائدة 5:43 ، وسنن أبي داود حديث رقم 4449).  فمن هنا يُرى أن القارئ أخفى بيده شريعة الرَّجْم المدوَّنة في التوراة (لاويين 20:2  10 وتثنية 22:23 ، 24) ولكنه لم يقل إن تلك العبارة كانت مشطوبة أو محذوفة من التوراة، ونحن نعرف أنها باقية إلى يومنا هذافينتج مما تقدَّم أنه:

 (1) لم يجسر أحد على تحريف الكتاب المقدس أو تغييره، بل حافظ عليه أهل الكتاب وكانوا يتباهون به، وإنما كانوا يُلبسون بعض الحقائق على محمد، أو يكتمونها، أو يفسرونها حسب أغراضهم في أثناء مجادلاتهم أو امتحانهم له، كما يُعلَم ذلك من أسباب النزول الذي ألَّفه الواحدي أو السيوطي.

(2) لم يقُل محمد ولا غيره إن الكتاب المقدس ضاع أو فُقِد أو تغيَّر، والدليل على ذلك أن محمداً وضع التوراة على الوسادة، وقال لهاآمنت بك وبمن أنزلك . وهذا يعني وجود توراة شهد محمد بسلطانها وبصحّة ما جاء بها.

عودة الى الصفحة الرئيسية