ميزان الحق

 

الجزء الثالث

كيف نعرف الدين الحق?

للدكتور فاندر

الباب الثالث

بحث بإخلاص في دعوى أن دين الإسلام

دين الله الأبدي

الفصل الأول

في إيضاح سبب البحث

اسمح لي أيها القارئ الكريم أن أقص عليك حادثة: منذ سنين كثيرة سافر إلى شيراز (من أمهات مدن الفرس) تاجر مسيحي يحمل بين يديه تجارة لا يقدر ثمنها ألا وهي نسخ من كلام الله أي كتاب أهل الكتاب الذي يشهد له القرآن كما شرحنا في ما تقدم ومن العجيب أنه حالما اطلع الأهالي على تجارته أثار عليه المشائخ زمرة من الرعاع فأوسعوه ضرباً ومزقوا كتبه وداسوها بالأقدام وأخرجوا الرجل خارج المدينة وتهددوه بالقتل إن عاد بمثل هذه الكتب والحاصل أنهم عملوا به ما عمله الكرامون في العبيد الذين أوفدهم سيدهم ليأتوا بثمر الكرم (مت 21: 33-44) فكيف والحالة هذه يقولون بملء أفواههم قُولُوا آمَنَّا بِا للَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَا لْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (سورة البقرة 2: 136) ومن جملة الذين شاهدوا هذه الحادثة صبي من أهل تلك البلاد فأخذه العجب والحيرة من أولئك المشايخ الذين حرضوا على إتلاف كتب يقول القرآن أنها منزلة من عند الله وأنه مصدق لها ومهيمن عليها وأعمل فكره لحظة وقال في نفسه لعلها تشتمل على أمور يخشى منها ساداتنا العلماء على ثبات القرآن وأقلق هذا الفكر باله إذ كان متمسكاً بأذيال دينه واجتهد أن يتخلص من هذا الفكر ويريح قلبه من العناء, وحدث أنه لما شب صمم أن يقف على البينات التي تؤيد الإسلام ليستريح من الشكوك التي أزعجته حيناً من الدهر, وكان على مقربة من شيراز يسكن عالم حاز شهرة كبيرة في حرصه على مناسك دينه مثل إقامة الصلاة وتلاوة القرآن وصيام رمضان الخ فأتى إليه صاحبنا ابتغاء الاستفادة منه والوقوف على جلية الأمر وأخفى ما في نفسه من الشكوك خوفاً منه, وبعد عبارات التجلة والإكرام قال له إنني يا مولاي قابلت بالأمس يهودياً واجتهدت أن أبرهن له صحة دين الإسلام لأجتذبه إليه فسمع لي كل ما قلته لإثبات رسالة نبينا ولم يقتنع فهل يتكرم مولاي بسرد البراهين التي يجب أن أقولها له: فالتفت إليه العالم عابساً وقال الأرجح عندي أنك كافر فخاف الغلام وسافر إلى بومباي وحالما تيسر له الأمر استعار نسخة من الإنجيل وقرأها بتأمل رجاء أن يعثر على الشيء الذي أزعج المشائخ حتى حرضوا على إتلافه, ويُقال أن أشد التعذيب وقعاً على النفس بعد تبكيت الضمير هو ارتياب المرء في الدين الذي نشأ فيه, فضلاً عن كون الشك يضعف عزيمة الإنسان عن تأدية الواجب ويخيب رجاءه في الحياة الأخرى ويعرضه لتجارب إبليس إلا أن الله سبحانه وتعالى سمح أن تختلف الأديان وتتضاد حتى يتزكى المفكرون طلاب الحقيقة ويظهر الحريص من المتهاون فالواحد لا يبالي والآخر يحصر فكره في الموضوع باحثاً عن الأدلة التي تؤيد دينه ولولا الاهتمام بالسؤال والبحث ما غير أحد دينه سواء أكان حقاً أو باطلاً ومن هنا تظهر ضرورة فحص أركان الدين والوقوف على صحيحه من فاسده, والضمانة الوحيدة للسلامة من الضلالة في البحث هو أن يبحث طالب الحقيقة بروح التواضع والإخلاص جاداً في طلب مرضاة الله مبتهلاً إليه أن يمده بهدايته بنور من السماء ليعرف الحق من الباطل ويسلك في الحق كبني النور, فإذا كان من بعد البحث بهذه الكيفية يظهر لك أن دينك حق تنتفي من قلبك الشكوك إلى الأبد وتفيض نفسك حمداً لله لأجل توفيقه لك بالهدى ثم تقبل إلى بني جنسك ترشدهم بما فتح الله عليك شارحاً لهم طريق الخلاص, ولكن إذا اتضح لك بعد التأمل أن دينك باطل والشكوك التي خالجت قلبك مبنية على تثبت وحسن نظر فما أجرى بك أن تطرح من وراء ظهرك هذا الدين الباطل وتجدّ في طلب الحق لتفوز برضوان الله والحياة الأبدية, وعلى كل حال فلا ضرر من البحث بإخلاص وتدقيق في أصول الإيمان وإنما الضرر هو أنه إذا فطن الباحث إلى موضع الخلل في دينه لا يقوى على عواطفه فيخدع نفسه ويتعامى عنه, نعم إن في هذا الطامة الكبرى إذ تتوالى عليه الشكوك ويقع أخيراً في شرك الكفر ويموت بلا إله وبلا رجاء فما أحسن البحث بإخلاص وجد كما في المثل المشهور من طلب شيئاً وجدّ وجد ومن قرع باباً ولجّ ولج,

فهلموا بنا معاشر الإسلام نبحث معاً نابذين التعصب جانباً في الأصول المبني عليها دينكم ونعرضه على القاعدة التي قدمناها في الجزئين الأولين من كتابنا وعرضنا عليها الديانة المسيحية,

فنقول أن الركن الأول الذي بُني عليه الإسلام هو الشهادتان أما الشهادة الأولى فمقبولة عند اليهود والمسيحيين كما هي مقبولة عند المسلمين أنفسهم وهي لا إله إلا الله وقد شرحنا هذه الكلمة في كتابنا وأن الأدلة على وجود الله ووحدانيته كثيرة ووردت في كتب متعددة عدا عن إمكانية الاستدلال عليها من الخليقة, وعليه فلا حاجة بنا إلى مزاولة البحث في ما نحن متفقون عليه, الله سبحانه عز وجل قد أقام الدليل على وجوده ووحدته في كل ورقة نبات وزهرة بل في ضمائرنا ووجداننا وفي وحدة نظام الكون والحاصل أنه توجد ألوف من الأدلة على صحة الشهادة الأولى,

أما الشهادة الثانية ألا وهي أن محمداً رسول الله فعليها مدار بحثنا فما هي الأدلة يا ترى على صحة رسالة محمد? أشار إخواننا المسلمون إلى جملة أدلة أهمها ما يأتي:

1 - قالوا أن أسفار العهد القديم والعهد الجديد تنبأت عنه,

2 - قالوا أن لغة القرآن وتعاليمه مما ليس له نظير في كل الكتب وعليه فالقرآن بمفرده هو الدليل الأعظم على صدق دعوى محمد,

3 - آيات محمد ومعجزاته كختم الله على رسالته,

4 - حياته وأخلاقه برهان على أنه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين,

5 - سرعة انتشار دينه برهان على أن الله أرسله بالكتاب النهائي,

نقول أن هذه البراهين لا شك أنها تستحق الاعتبار وتثبت رسالته فقط إذا كانت حقيقة ولهذا ينبغي للعاقل قبل أن يعتنق هذا الدين أن يفحص البراهين المذكورة فحصاً دقيقاً كما ينقد التاجر الدراهم التي يبيع بها بضائعه لئلا يقع في شرك محتال ذي دهاء وصدق من قال سعادة المرء في دنياه وأخراه متوقفة على نفاذ عزيمته في ما يختاره لنفسه, فالآن دونك شيئاً من شيئين أما أن تؤمن أن المسيح هو مخلص العالم أو المخلص هو محمد, قد أتينا بهذا التخيير لا من باب التحامل على الإسلام ولا التشيع للنصرانية من باب مقارنة الشيء بنظيره والبحث بعناية وحذر وصلاة في ما هو أقوم سبيلاً كل من المسلمين والنصارى لهم مصلحة في هذا البحث الهام فإن أخلصوا جميعاً لوجه الله كانت النتيجة خيراً لأن الحق لا يظل محتجباً وقتاً طويلاً ولا بد أن يظهر يوماً ما كالشمس عند الظهيرة,

وهذا ما عزمنا على بيانه في الفصول الآتية صادقين في المحبة كما يجب على المسيحيين (أف 4: 15) باذلين الجهد أن نمحص كتاباتنا من كل ما يجرح إحساسات إخواننا الذين يبحثون على الحقيقة بإخلاص وجد بأن نجتنب كل عبارة بل كل كلمة لا تنطبق على ناموس اللطف والمحبة فإذا زل قلمنا وكبتنا شيئاً يشتم منه رائحة التعصب فنرجو المعذرة سلفاً لأن نيتنا حسنة إذ لسنا نريد سوى الفائدة لإخواننا كما نريد لأنفسنا والإنسان مهما احترس لا يسلم من الزلل ومن شيم الكرام الصفح,

الفصل الثاني

هل تنبأ الكتاب المقدس عن محمد?

لا شك أن مجيء المسيح سبق الإنباء به في أسفار العهد القديم في مواضع كثيرة تفوت الحصر وذلك من المسلم به فإن فرضنا أن الله قصد أن يبعث إلى العالم رسولاً آخر أعظم بكثير من المسيح لا بد أن يسبق الإنباء عنه لا في أسفار العهد القديم فقط بل وفي الجديد أيضاً, وعليه يلزم بطبيعة الحال أن يبحث إخواننا المسلمون في أسفار العهدين عن النبوات التي تؤيد دعوة مؤسس دينهم ثم إن كان محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ومن أجله خلق الله العالمين فيكون من العجب العجاب أن لا تتقدمه النبوات لتوجيه الأنظار إليه والانقياد لأوامره ولما لم يقدر المسلمون أن ينكروا ضرورة ذلك اضطروا أن ينتحلوا من الكتاب نبوات عن رسولهم وادعوا أنه كان يوجد نبوات أخرى أكثر من هذه حذفها اليهود والنصارى,

وأما دعواهم بوقوع الحذف والتحريف في الكتاب المقدس فقد دحضناها بالدليل الساطع والبرهان القاطع في الباب الأول وأثبتنا أن الكتاب المقدس المتداول اليوم بين أيدينا هو عين الكتاب الذي كان موجوداً في عصر محمد وقبل عصره بقرون كثيرة ولم تمسسه بد المفسدين لا قبل محمد ولا بعده إذاً لا حاجة بنا إلى بينان تزييف ما ادعوه بهذا الخصوص, وأما إذا كان يوجد في الكتاب حقيقة نبوات تشير إلى محمد فيجب على كل مسيحي أن يلتزم بها ويؤمن بخاتم الأنبياء وهو مطمئن وليس لأحد منا حجة إذا اعتذر عن تلك النبوات بأن المسلمين زادوها على الكتاب يوم كان لهم السلطة على النصارى في كثير من البلدان ولكن إن ثبت أنه لا يوجد في كتابنا أية نبوة عن محمد فلا يكون من الشجاعة وحيرة الفكر أن يعتصموا بالدعوى الأولى وقد تبين فسادها كقولهم أنه كان في كتابهم نبوات عن م حمد ونحن أهل الكتاب حذفناها الخ,

على أن مجرد احتجاجهم بكتابنا على رسالة نبيهم دليل على أنهم معترفون أولاً بأنه موحى به من الله وثانياً أنه غير محرف بل باق على أصله وإلا فما الداعي الذي يحملهم على الاحتجاج بكتاب يعلمون أنه تأليف الناس فإذا اعترف المسلمون حقيقية بالمقدمتين المذكورتين يكون البحث حينئذ في الآيات التي زعموا أنها تشير إلى نبيهم بحثاً مثمراً ولذيذاً وإلا كان البحث عقيماً, ولسنا ننكر أن كثيراً منهم ذوو علم واطلاع لا يسعهم إنكار القضيتين السابقتين أي أن الكتاب المقدس موحى به وأنه باق على أصله غير إننا نرجو من حضرات القراء الكرام أن يعترفوا بصحة البراهين التي بسطناها في الباب الأول والثاني من هذا المؤلف وأنها تثبت سلامة الكتاب المقدس,

ومن المسلم أن لنا الحق أن نفسر آية في الكتاب بآية أخرى وكل مطلع خبير يعلم أن التفسير بهذه الكيفية قرين الصواب لإزالة ما عساه يرد في الكتاب من المعضلات وما يعترضبه عليه من وجوه المناظرة كما هي الحالة في أي كتاب آخر لأن الآيات الغامضة يجب أن تشرح بالآيات الظاهرة حسب موقعها في سياق الكلام, مثال ذلك إن كانت آية متأخرة تشرح آية متقدمة عليها فلا يجوز لعالم فاضل خال من التعصب أن يرفض الشرح الكتابي ويلجأ إلى تفسير غريب لا يتفق مع سياق الكلام ولا من الآيات الصريحة الواردة في المواضع الأخرى, وبهذه الكيفية التي يزكيها كل عالم فاضل نتقدم إلى فحص الآيات التي أوردها إخواننا المسلمون من الكتاب المقدس لإثبات نبوة محمد ونبدأ بآيات العهد القديم,

1 - (تك 49: 10)8 يهوذا اياك يحمد اخوتك. يدك على قفا اعدائك يسجد لك بنو ابيك. 9 يهوذا جرو اسد. من فريسة صعدت يا ابني. جثا وربض كاسد وكلبوة. من ينهضه. 10 لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى ياتي شيلون وله يكون خضوع شعوب. زعموا أن هذه الآية تشير إلى نبوة محمد وخصوصاً لأن كلمة يهوذا عدد 8 مشتقة في الأصل العبراني من الفعل حمد كما اشتق اسم محمد وهذا الزعم باطل لأنه ظاهر من القرينة أن شيلون المقولة في شأنه النبوة يولد من ذرية يهوذا وظاهر أن محمداً لا هو من ذرية يهوذا ولا هو من ذرية إسرائيل بل من قبيلة قريش وشتان بين قريش وبين بني إسرائيل, وعدا ذلك فإن قضيب الملك زال من الأمة اليهودية قبل ولادة محمد بأكثر من خمسائة وخمسين سنة والآية تقول أنه لا يزول حتى يأتي شيلون الخ وعليه فالآية المذكورة لا تشير إلى محمد وقد اتفق مفسرو اليهود أن كلمة شيلون من ألقاب المسيح وكذلك السامريون فهي تشير إلى المسيح لأنه هو الذي وُلد من سبط يهوذا وإياه أطاعت الشعوب,

2 - تث 18: 15 و18 قالوا أن النبي الموعود به هنا لا يكون من بني إسرائيل بل من إخوتك أي الإسماعليين (قابل تك 25: 9 مع 18) وقالوا لم يقم نبي كموسى في إسرائيل بدليل هذه الآية (تث 34: 10) وأن محمداً كموسى في جملة وجوه كلاهما نشآ في بيوت أعدائهما وكلاهما ظهرا بين عبدة الأصنام وكل منهما رفضه قومه أولاً ثم عادوا فقبلوه والاثنان هربا من وجه أعدائهما أما موسى فهرب إلى مديان وأما محمد فهاجر إلى المدينة واسما الموضعين بمعنة واحد وكل منهما نزل إلى ساحة القتال وحارب الأعداء وعمل المعجزات وساعد أتباعه من بعد موته على امتلاك فلسطين هذا ما قاله المسلمون, ورداً عليهم نقول أن الآية الواردة في تث 34: 10 تفيد أنه لم يقم نبي كموسى في إسرائيل إلى الوقت الذي كتب فيه هذا السفر وكلمة بعد تفيد أن بني إسرائيل توقعوا أن يكون النبي منهم لا من الخارج وأما عبارة من وسطك في العدد 15 فهي واردة في النسخ العبرية,

ومع ذلك فالمعنى بها وبدونها ظاهر, لا ننكر أن إسماعيل أخ لإسحق من أبيه إلا أننا نقول إذا صح بناء على هذه القرابة اعتبار بني إسماعيل وبني إسرائيل إخوة فكم بالأولى كثيراً يكون أسباط إسرائيل الاثنا عشر إخوة بعضهم لبعض وقد ورد مثل ذلك في القرآن انظر سورة الأعراف آية 84 حيث يعتبر شعيباً أخاً لمدين وعدا ذلك فقد كثر في سفر التثنية عينه اعتبار البعض من الإسرائيليين إخوة للبعض الآخر (

انظر 3: 18 وأمرتكم في ذلك الوقت قائلا الرب إلهكم قد أعطاكم هذه الأرض لتمتلكوها. متجردين تعبرون أمام اخوتكم بني إسرائيل كل ذوي بأس.

و15: 7 إن كان فيك فقير أحد من اخوتك في أحد أبوابك في أرضك التي يعطيك الرب إلهك فلا تقسّ قلبك ولا تقبض يدك عن أخيك الفقير

و17: 15 فانك تجعل عليك ملكا الذي يختاره الرب إلهك. من وسط اخوتك تجعل عليك ملكا. لا يحل لك أن تجعل عليك رجلا أجنبيا ليس هو أخاك.

و24: 14 لا تظلم أجيرا مسكينا وفقيرا من اخوتك أو من الغرباء الذين في أرضك في أبوابك.

) وفي أصحاح 17: 15 وردت عبارة نظير الآية المطروحة على بساط البحث بخصوص الرجل الذي يجب أن يتوجوه عليهم ملكاً حيث يقول خطاباً لإسرائيل فإنك تجعل عليك ملكاً الذي يختاره الرب إلهك من وسط إخوتك تجعل عليك ملكاً لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجبنياً ليس هو أخاك إن أكثر ممالك أوروبا إن لم نقل كلها محكومة بعائلات أجنبية أو كانت أجنبية يوماً ما أما بنو إسرائيل فمن أول تاريخهم إلى نهايته لم يتوجوا رجلاً أجنبياً ملكاً عليهم, ولو كان استدلال المسلمين بآية البحث استدلالاً صحيحاً لوجب على بني إسرائيل كلما احتاجوا إلى ملك أن يذهبوا إلى الإسماعليين ويختاروه منهم إلا أنهم لم يفعلوا مثل هذا الفعل بل كانوا يعينون ملوكهم من بينهم وهم أعلم من غيرهم بلغتهم ويعرفوا التفسير الحقيقي لعبارة من إخوتك ,

ومَن مِن المسلمين اليوم إذا قيل له أن يستدعي أحد إخوته ليتقلد منصباً عالياً يفهم من ذلك أن يستثني أعضاء عائلته ويبحث عن رجل غريب تجمعه معي رابطة الجدود الأقدمين? وبخلاف ذلك فقد ورد في التوراة نصوص صريحة تحذر بني إسرائيل أن لا يقبلوا أي نبي من ذرية إسماعيل لأن عهد الله كان مع إسحاق لا إسماعيل (تك 17: 18-21 و21: 10-12) ولا يأخذك العجب إذا قلت لك أن القرآن نفسه يؤيد رأي التوراة من هذه الحيثية لأنه يصرح في مواضع كثيرة أن النبوة موكولة إلى بني إسرائيل ومن ذلك قوله في (سورة العنكبوت 29: 27) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُُّبُّوَةَ وَالْكِتَابَ الخ وقوله وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُّوَةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (سورة الجاثية 45: 16),

ويُقال خلاف ما تقدم أن النبي المنتظر في آية البحث موعود به أن يرسل لبني إسرائيل وأما محمد فأعلن رسالته بين العرب الذين منهم ولد وبينهم نشأ, وأما من جهة وجوه المشابهة المشار إليها في آية البحث بين موسى والنبي المنتظر أن يقوم من بني إسرائيل فمشروحة في تث 34: 10-12 وتنحصر في نقطتين الأولى معرفة الله وجهاً لوجه عند كل من النبيين والثانية المعجزات العظيمة لكل منهما, أما عن النقطة الأولى فنقول أنها ليست متوفرة في محمد لأنه قال في حديث مشهور ما عرفناك حق معرفتك وأما عن النقطة الثانية فليست متوفرة فيه أيضاً بدليل القرآن نفسه فإنه يشهد في مواضع كثيرة أنه لم يأت بمعجزة واحدة وعلى ذلك قوله وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَّوَلُونَ الخ (سورة الإسراء 17: 59) انظر تفسير البيضاوي وابن عباس وقوله وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ (سورة البقرة 2: 118) وقوله وَقَالُوا لَوْلَا نُّزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ (سورة الأنعام 6: 37 و57 و109 وسورة الأعراف 7: 202 ويونس 10: 20 والرعد 13: 8 و29 والعنكبوت 29: 50) هاتان هما نقطتا الشبه المقصودتان في التوراة وأما وجوه الشبه الكثيرة التي عددها إخواننا المسلمون بين موسى وبين محمد فكثير منها متوفرة عند مسيلمة الكذاب وعند ماني الفارسي فهل يكونان نبيين?

ونقول أخيراً أن الله نفسه فسر في الإنجيل ما أنبأ به في التوراة وأظهر أن النبي الموعود به هو المسيح لا محمد (قابل تث 18: 15 و19 له تسمعون مع مت 17: 5 ومر 9: 7)

يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من اخوتك مثلي. له تسمعون.

وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا.

ثم أن المسيح ذاته طبق هذه النبوة وغيرها من نبوات التوراة على نفسه (يو 5: 46 انظر تك 12: 3 و22: 18 و26: 4 و28: 14)

يوحنا 5: 46 لانكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لانه هو كتب عني.

أولاً لأنه من نسل يهوذا وبالتالي من بني إسرائيل (مت 1: 1-16 ولو 3: 23-38 وعب 7: 14) وصرف معظم حياته بين اليهود وإليهم أرسل رسله أولاً ولم يرسلهم إلى الأمم إلا أخيراً (مت 10: 6 ولو 24: 47 ومت 28: 18-20 وفي أع 3: 25 و26) تصريح بأن آية البحث تشير إلى المسيح,

3 - تث 32: 21 هُمْ أَغَارُونِي بِمَا لَيْسَ إِلهاً? أَغَاظُونِي بِأَبَاطِيلِهِمْ. فَأَنَا أُغِيرُهُمْ بِمَا لَيْسَ شَعْباً? بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُهُمْ قالوا أن الأمة الغبية المشار إليها هنا أمة العرب التي أرسل منها محمد حيث لا يمكن أن تكون أمة اليونان التي أرسل إليها بولس وبقية رسل المسيح لأن أمة اليونان لم تكن غبية بل كانت أهل حكمة وعلم,

ورداً على ذلك نقول هذه النبوة لا تشير إلى نبي ولا إلى رسول بل إلى أن الله سيغير الأمة اليهودية بأن يدعو لعبادته الأمم الجنبية يونان وعرب ومصريين وغيرهم وينتظمون في سلك الأخوية المسيحية وكانت تلك الأمم في اعتبار الله أمماً غبية وثنية, وعدا ذلك فإن الإنجيل نفسه يفسر هذه الآية حسبما فسرناه ومن ذلك قوله وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ? وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ إلى أن قال الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْباً? وَأَمَّا الْآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللّهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ? وَأَمَّا الْآنَ فَمَرْحُومُونَ (1 بط 2,9 و10 وأف 2: 11-13) وأما القول بأن اليونان كانت أمة حكيمة وليست أمة غبية فنجيب عليه لم تكن حكمة اليونان الحكمة الحقيقية لأنهم لم يكونوا يعرفوا الإله الحقيقي وورد في الكتاب رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ? وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ (مز 111: 10 وأم 1: 7 و9: 10) وورد أيضاً أن حكمة العالم غير مرعية عند الله ومن ذلك قوله لِأَنَّ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللّهِ? وقوله الرَّبُّ يَعْلَمُ أَفْكَارَ الْحُكَمَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ (1 كو 3: 19 و20),

4 - تث 33: 2 جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ وَتَلَأْلَأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ? وَأَتَى مِنْ رَبَوَاتِ الْقُدْسِ? وَعَنْ يَمِينِهِ نَارُ شَرِيعَةٍ لَهُمْ قالوا قوله جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ يشير إلى تنزيل الشريعة على موسى وقوله وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ يشير إلى تنزيل الإنجيل على عيسى وأما قوله وَتَلَأْلَأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ فيشير إلى تنزيل القرآن على محمد بدليل أنهم زعموا أنه يوجد بقرب مكة جبل يسمى فاران ورداً على ذلك نقول أن القرينة هنا تدل على أن موسى في كلامه على هذه المواضع لم يشر إلى إنجيل ولا إلى قرآن بل أراد أن يذكر بني إسرائيل كيف أشاء مجد الله إلى مسافات بعيدة عندما كانوا ضاربين خيامهم عند جبل سيناء ونعلم من خريطة الجغرافية أن سيناء وسعير وفاران ثلاثة جبال متجاورة واقعة في شبه جزرة طور سيناء وجنوب الأردن على بعد مئات من الأميال من مكة ويظهر صحة ذلك بأكثر وضوح عندما نراجع المواضع التي ذكر فيها فاران في التوراة (تك 14: 6 وعد 10: 12 و12: 16 و13: 3 وتث 1: 1 و1 مل 11: 18), فضلاَ على أن الكلمة هي الرب وهو اسم الله ولا يطلق على بشر

5 - مز 45 قالوا بما أن النبي المشار إليه في هذا المزمور متقلد سيفاً على فخذه عدد 3-5 فهو محمد غير أنه عندنا جوابان كل منهما يدحض هذه الدعوة الأول نجد في عدد 6 قوله كُرْسِيُّكَ يَا اَللّهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ والخطاب هنا للذي قيل له تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا الْجَبَّارُ ولم يدع المسلمون قط أن محمداً إله يصح أن يخاطب بهذا الخطاب فاستدلوا بصدر الآية وأهملوا عجزها والجواب الثاني ورد في الإنجيل (عب 1: 8 و9) أن المزمور المشار إليه خطاب للمسيح وأما ما ورد في ذلك المزمور من حكاية العذارى والحظيات وابنة الملك التي في خدرها وعلاقتهن بالمخاطب فهو إشارة إلى عروس المسيح الروحية التي هي الكنيسة (انظر رؤ 21: 2) والأعداء في قوله نَبْلُكَ الْمَسْنُونَةُ فِي قَلْبِ أَعْدَاءِ الْمَلِكِ إشارة إلى إبليس وجنوده والقوم الذين أثار غضبهم لمقاومة المسيح وإنجيله (انظر رؤ 19: 11-21),

وجاءت في المزامير نبوات أخرى عن المسيح تشبه ما تقدم ذكره وهي مز 2 و72 و110 ومن المحتمل أن المزمور الذي تكلمنا عنه أولاً يشير إلى زواج سليمان الملك من ابنة فرعون (1 مل 3: 1) ثم جعل هذا الزواج رمزاً إلى الاتحاد الروحي بين المسيح وكنيسته,

6 - مز 149 زعموا أن هذا المزمور نبوة عن محمد وقالوا أن الترنيمة الجديدة (عدد 1) هي القرآن والسيف ذو الحدين (عدد 6) سيف محمد وسيف علي ابن أبي طالب الذي جرده لخدمة الإسلام وقالوا أن الملك (عدد 3) هو محمد

ورداً عليهم لا يمكن أن يكون القرآن الترنيمة الجديدة لأن الترنيم غير مستعمل في العبادة الإسلامية وكذلك السيف ذو الحدين ليس سيف محمد ولا علي بدليل أن الآية تصرح بأنه ليس في يدي الملك الذي يزعمون أنه محمد بل في يد الإسرائيلين ينتقمون به من أعدائهم و الملك في عدد 2 قيل عنه في صدر الآية بأنه الخالق ودعي في عدد 4 الرب وعدا ذلك لا يمكن أن يقال عن محمد أنه ملك إسرائيل ولا فرح إسرائيل بمحمد لأن سوء معاملته لهم أشهر من نار على علم كما سترى معاملته لبني النضير وبني قريظة وغيرهما,

7 - ادعى بعض المسلمين أن أصحاح 5: 16 من سفر نشيد الأنشاد يشير إلى محمد لأن كلمة محامديم في العبري المترجمة مشتهيات في العربي مشتقة من حمد وهي المادة المشتق منها محمد,

ورداً على ذلك نقول أن الكلمة العبرانية محامديم اسم نكرة لا معرفة بدليل أنه جاء في صيغة الجمع ووردت هذه الكلمة في غير موضع من التوراة بصيغة النكرة (انظر هو 9: 6 و16 و1 مل 20: 6 ومراثي 1: 10 و11 و2: 4 ويوئيل 3: 5 وإش 64: 11 و2 أي 36: 19 وخر24: 16 و21 و25) وجاءت في النصف الأخير (حز 24: 16) شهوة عينيك وكانت الإشارة إلى زوجة حزقيال قابل (حز 24: 18) واستعملت أيضاً للإشارة إلى بني وبنات عبدة الأصنام من جماعة إسرائيل (حز 24: 25) فإن صح إسناد كلمة مشتهيات في سفر نشيد الأنشاد إلى محمد لأنها مشتقة من حمد فيصح أيضاً أن يسند إليه أيضاً كلمة شهوة هنا المشار بها إلى زوجة حزقيال وبني وبنات عبدة الأصنام لأنها مشتقة من حمد كذلك, ثم نقول أن في اللغة العربية كلمات كثيرة مشتقة من حمد ولكن هذا الانشقاق لا يجعلها خصيصة بمحمد فإن قال أحد أن محمداً مشار إليه في سورة الفاتحة بكلمة الحمد في قوله الحمد لله رب العالمين لأن الحمد ومحمداً مشتقان من مادة حمد فهل يكون استدلاله صحيحاً وكذلك إن استدل الهندي بأن أحد آلهته المدعو رام قد ذكر في القرآن في سورة الروم في قوله غلبت الروم بدليل أن الإسمين مشتقان من مادة رام كما في القواميس العربية ألا يكون استدلاله مجلبة للسخرية عند أهل العلم والتمييز,

8 - إش 21: 7 فَرَأَى رُكَّاباً أَزْوَاجَ فُرْسَانٍ. رُكَّابَ حَمِيرٍ. رُكَّابَ جِمَالٍ قالوا أن عبارة ركاب حمير نبوة إلى المسيح الذي دخل أورشليم راكباً حماراً وعبارة ركاب جمال نبوة إلى محمد بدليل أنه كان دائماً يركب الجمال غير أن سياق الكلام يدل على أن لا إشارة هنا إلى المسيح ولا إلى محمد إنما هذا الأصحاح نبوة إلى سقوط بابل كما يظهر من عدد 9 والعباراتان المشار إليهما أي ركاب الحمير وركاب الجمال تدلان على الكيفية التي يتم بها تبليغ هذا الخبر وثم سقوط بابل على عهد داريوس سنة 519 ق,م,

9 - إش 42: 1-4

1 هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرّت به نفسي.وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم.

2 لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته.

ظنوا أنهم يجدون إشارة إلى محمد في النصوص المذكورة في هذا الموضع غير أننا إذا اعتبرنا صحة ما رواه عن محمد من الأخبار ابن هشام والطبري وابن الأثير والخطيب والواقدي وغيرهم من كتبة المسلمين لا يسعنا أن نصدق أن الموصوف بالسلام والوداعة في الآيات المذكورة هو النبي المتقلد بالسيف ومع ذلك فقد جاء في مت 12: 15-21 أن الموصوف بالسلام هو المسيح وقد تمت فيه كل النبوة المشار إليها ثم أن شريعته التي تنتظرها الجزائر هي المسيحية بدليل أن الجزائر المشار إليها في عصر النبوة جزائر البحر الأبيض المتوسط وسواحله وهي مسيحية وما كان غير مسيحي منها فواقع تحت نفوذ المسيحيين,

10 - في الأصحاح المتقدم عدد 10 و11 و12 وردت كلمة قيدار سام قبيلة من قبائل العرب ولما اطلع على ذلك المسلمون ظنوا أن هذه أيضاً نبوة عن محمد وأن الترانيم الجديدة المنوه عنها كناية عن اعتناق قبائل العرب دين الإسلام, ونحن نقول لا يمكن أن الترانيم تشير إلى شيء في الإسلام ولا هي معروفة عند المسلمين كما أن قيدار ليست من المحتم أن تشير إلى الإسلام وإن كانت من قبائل العرب لأن من المؤكد أن كثيراً من قبائل العرب كانت تدين بالدين المسيحي مثل قبيلة حمير وغسان وربيع ونجران والحيرة ولما قويت شوكة المسلمين أكرهوهم على اعتناق دينهم أو نفوذهم من بلادهم ولا شك أنهم يعودون يوماً إلى دينهم الأول, وهذه الآيات تتمة عدد 1-4 وتشير إلى انتشار الديانة المسيحية حتى في بلاد العرب نفسها كما تنتشر في جزائر البحر (عدد 10) أما قوله عبدي (عدد 1) فمشروح في أصحاح (49: 3) من هذا السفر عينه حيث يظهر أن المراد به هو إسرائيل وهو لا شك إسرائيل الله أي الذين يؤمنون بالمسيح (انظر غل 6: 16) والمسيح رأسهم لأنه قيل عنه أنه رأس الجسد الكنيسة (كو 1: 18) لهذا فسر قدماء اليهود (إش 52: 3) قوله عبدي بالمسيا المنتظر وعلى كل حال فالمسيح من إسرائيل جاء وإياه يمثل أما محمد فلا هذا ولا ذاك,

11 - إش 53 يقولون أن هذا الأصحاح نبوة إلى محمد بدليل ما يأتي أولاً لأنه وُلد في بلاد العرب وكان كعرق من أرض يابسة ثانياً لأنه دُفن في المدينة فجعل مع الأشرار قبره ثالثاً لأنه رأى ثمرة أتعابه وعليه تمت النبوة القائلة من تعب نفسه يرى ويشبع رابعاً قيل في هذا الأصحاح مع العظماء يقسم غنيمة وقسم محمد الغنيمة مع أنصاره خامساً تمت في هذه الكلمات سكب للموت نفسه في حين أنهم ينكرون موت المسيح ويقولون أنه ارتفع إلى السماء حياً ورداً على ذلك نقول أولاً أن الأعداد 5 و6 و7 و8 من هذا الأصحاح بكل تأكيد لا تشير إلى محمد ولا إلى شخص آخر سوى المسيح وهاك نصها وَهُوَ مَجْرُوحٌ لِأَجْلِ مَعَاصِينَا? مَسْحُوقٌ لِأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ? وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ? وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ? كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ? وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَاّزِيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الْأَحْيَاءِ? أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي? (إشعياء 53: 5-8), ثانياً أن نصفي عدد 9 و12 لا يناسبان محمداً كيفما كانت الحالة ثالثاً أما من حيث كونه يقسم غنيمة فالآية تصرح بأن ذلك يتم بعد موته وتم ذلك فعلاً للمسيح بمعنى روحي أكمل وأعظم لأن بعد موته وصعوده حالاً ابتدأ الناس من كافة الأمم والشعوب أن يؤمنوا به ويحبوه كفاديهم وإلههم وليست غنيمة كهذه رابعاً أما كون محمد دُفن في المدينة وليس في مكة ومن أجل ذلك جعل مع الأشرار قبره فلا ندري لأي سبب اعتبروا المدينة شريرة مع أن أهلها الأنصار الذين دافعوا عنه جهد استطاعتهم في حين أن أهل مكة رفضوه وناصبوه العدوان خامساً كل جزئيات هذه النبوة تمت في المسيح ما هو حرفي فحرفي وما هو روحي فروحي عدا ما فيها من الإمارات الظاهرة التي لا يمكن إسنادها إلى مقاتل كمحمد وخلاف ذلك فقد أجمع اليهود الأولون أن هذا الأصحاح نبوة عن مسيا المنتظر وكذلك كتبة أسفار العهد الجديد الملهمين اقتبسوا كثيراً من أقوال هذا الأصحاح كنبوات عن المسيح التي عاينوا إتمامها فيه ومثل هذا الأصحاح, مزمور 22 الذي قد تم أيضاً في المسيح لا سواه,

12 - إش 54: 1 ظن المسلمون هذه الآية نبوة تشير إلى محمد باعتبار كونه من ذرية إسماعيل وأن يزداد أتباعه عن أتباع أنبياء إسرائيل وإليك نص الآية تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ? لِأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ? قَالَ الرَّبُّ لهذه الآية معنيان معنى حرفي ومعنى روحي فالحرفي هو أن بني إسرائيل سيعتقون من أسر بابل ويردون إلى أورشليم وتمت هذه النبوة بالمعنى الحرفي المذكور في أيام كورش ملك فارس سنة 536 ق م (انظر عز ص 1) والمعنى الروحي شرحه بولس الرسول (انظر غل 4: 21-31) حيث تم عندما رجعت الأمم عن عبادة الاصنام التي دانوا لها من قديم الزمان إلى عبادة الله وقبلوا إنجيل المسيح ومن غريب الاتفاق أن بولس قرر في هذا الأصحاح عدم أفضلية بني هاجر على بني سارة الروحيين عدا حرمانهم من الميراث,

13 - إش 63: 1-6يقول المسلمون أن المحارب المشار إليه في هذه الآيات هو محمد بدليل أنه من حملة السيف ويظنون أن بصرة المذكورة هنا هي مدينة بصرة الشهيرة غير أننا نجد في العدد الأول أنها من بلاد أدوم وتُدعى اليوم البصيرة واقعة على مسافة قصيرة من جنوب البحر الميت ثم إذا قابلنا عدد 5 من هذا الأصحاح مع إش 59: 15 و16 نجد المحارب المشار إليه هو رب الجنود الذي انتقم من أدوم على خطاياها وورد مثل هذا الوصف في رؤ 19: 11-16 حيث يظهر أن ذلك المحارب إنما هو كلمة الله الذي سيعاقب الفجار ويهزمهم نهائياً ويضع كل أعدائه تحت قدميه ( 1كو 5: 25),

14 - إش 65: 1-6 قالوا أن هذه الآيات نبوة عن اهتداء العرب إلى الإسلام والآيات التي بعدها تنبئ عن خطايا اليهود والنصارى التي بسببها رفضهم الله والحقيقة هي أن عدد 1 نبوة عن اهتداء كثير منه الأمم إلى المسيح ولو أن من عدد 2-6 تذكر خطايا اليهود ولكن من عدد 8: 10 يصرح أن الله لا يرفض شعبه المحبوب رفضاً نهائياً بل يعود ويقبلهم (انظر رومية 2 ص) ولم يرد هنا شيء بخصوص المسيحيين ولا عن محمد,

15 - دا 2: 45 زعم بعضهم أن هذه الآية تنبئ عن ظهور الإسلام وامتداده وقالوا أن المماليك الأربع المذكورة في هذا الفصل هي الكلدانيون والمديانيون والفرس واليونان وأن اسكندر الكبير هزم الفرص وفرق شملها إلا أنها عادت على سابق مجدها فيما بعد وأخذت تضعف تارة وتقوى أخرى إلى زمن كسرى أوشروان,

وبعد موت محمد قصد إليها جيوش المسلمين وفتحوها وفتحوا ما بين النهرين وفلسطين وعليه فمملكة الإسلام هي المقصودة بالمملكة التي خلفت الممالك الأربع وسادت على كل الأرض (عدد 44: 45),

والحقيقة أن هذا الشرح لا ينطبق على حقائق التاريخ لسبب ظاهر وهو أن لم يكن للمديانيين مملكة بعد البابليين بل هما مملكة واحدة بدليل أن داريوس المادي (دا 5: 31 و6 و9: 1) قد ملك على الكلدان وهي الإقليم الواقع حول بابل بضعة شهور ثم صار نائباً للملك كورش العظيم وبهذا ابتدأت المملكة الثانية أي مملكة الفرس (دا 8: 3 و4 و20) ثانياً اليونان خلفت الفرس فكانت المملكة الثالثة (دا 8: 5 و7 و21) وخلفت اليونان الرومان وهي المملكة الرابعة (دا 2: 40) التي عظمت فوق الكل إلا أن مؤرخي المسلمين أهملوها بالكلية رابعاً أما مملكة الفرس المتجددة لا يمكن أن تكون هي المملكة الرابعة بل يجب إما أن تكون المملكة الخامسة أو الثالثة والنبوة تشير إلى ما يحدث في عهد المملكة الرابعة (دا 2: 40 و44 و7: 7 و19 و23) أما كون اليونان المملكة الثالثة لا الرابعة كما زعم المسلمون فظاهر مما قيل عنها لأنها غلبت الفرس وخلفتهم (دا 8: 5 و7 و21), وانقسمت اليونان إلى أربعة أقسام من بعد موت اسكندر الكبير (دا 8: 8 و22), وأخذ يتقلص ظلها حتى اندمجت في المملكة الرومانية التي شمل نفوذها العالم المتمدن في ذلك العصر وفي أثناء حكم الرومانيين وُلد يسوع في اليهودية وكانت خاضعة لهم والمملكة التي أسسها يسوع حينئذ لم تكن من هذا العالم (يو 18: 36 ول 1: 31-33 ودا 7: 13 و14 و27) بدليل أنها لم تقم بالسيف كممالك العالم وعدا ذلك دعا المسيح نفسه ابن الإنسان ومن هنا يظهر أنه هو الشخص الذي رآه دانيال في رؤياه جالساً على سحاب السماء سائداً على كل الأرض (دانيال 7: 13) ومملكته هي التي وصفها دانيال بالحجر الذي قطع بغير يدين وملأ كل الأرض (دا 2: 45) ولما يأتي ثانياً إلى أرضنا تسجد له كل ركبة (في 2: 9-11),

16 - حب 3: 3 اَللّ هُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ? وَا لْقُدُّوسُ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ . طن المسلمون قوله والقدوس من جبل فاران إشارة إلى محمد غير أن آخر الآية يقول: جَلَالُهُ غَطَّى السَّمَاوَاتِ? وَا لْأَرْضُ امْتَلَأَتْ مِنْ تَسْبِيحِهِ وهذا دليل صريح على أنه ليس المراد بالقدوس محمد بل الله الذي يرجع إليه الكلام من أول الآية حيث يقول اَللّ هُ جَاءَ مِنْ تِيمَانَ الخ وعدا ذلك فقد اثبتنا أن جبل فاران واقع في شبه جزيرة سينا لا في مكة كما زعموا وتيمان اسم لإقليم أدوم وفيه مدينة قريبة من بترا وعلى مسيرة أيام قليلة من أريحا نحو الجنوب فجبل فاران وإقليم تيمان متقاربان وهما إلى مدينة أورشليم أقرب بكثير منهما إلى مكة جاء في سفر التكوين (36: 11 و19) ما يثبت تناسل تيمان من عيسو أصل الأنبياء الذين كتبوا عن هذه المدينة وهم إرميا (49: 7 و20) وحزقيال (25: 13) وعاموس (1: 11 و12) وعوبديا (8 و9 و10) فإن كان إخواننا المسلمون لم يقتنعوا بهذه الأدلة على أن تيمان لا علاقة لها بالمرة بمحمد ولا إسلامه وتمسكوا برأيهم فنقول حسناً إذاكانت تيمان لها علاقة بالإسلام فقد تنبأ عنها عوبديا بالويلات والدمار وبالتالي عن الإسلام إلا أننا نحن المسيحيين لا شك عندنا بأن تيمان ليست من الإسلام في شيء,

17 - حج 2: 7 وَأُزَلْزِلُ كُلَّ الْأُمَمِ. وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الْأُمَمِ? فَأَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ , قالوا أن المراد بمشتهى الأمم محمد وذلك لأن مشتهى في اللغة العبرانية متصرفة من حمداه المتصرف منها محمد فنقول قد أثبتنا حتى في اللغة العربية نفسها أن ليس كل ما يتصرف من مادة حمد يشير إلى محمد فمن باب أولى اللغة العبرانية ثم أن هذا الكلمة عينها حمداه وردت في نبوة دانيال (11: 27) بمعنى شهوة النساء وعليه فلا دليل منطقي يترتب على كلمة يشتق منها ألفاظ ذات معاني مختلفة كما أننا لا نقدر أن نصدق أن محمداً كان مشتهى كل الأمم وذلك لأنه فتح البلاد بالسيف وكل فاتح بالسيف مكروه لا مشتهى خصوصاً عند الأمة المغلوبة والمحتمل أن مشتهى الأمم إما أن يكون (1) الذهب والفضة المذكورة في عدد 8 أو (2) اختيار كل الأمم الذي يدعوه الرسول يولس (اختيار النعمة (رو 11: 5) الذي منهم تألفت الكنيسة المسيحية أو (3) الرب يسوع المسيح نفسه الذي جاء إلى هيكله ومن مدينة المقدس أفاض عل كل الأمم سلاماً بواسطة ذبيحة نفسه التي قدمها كفارة عن خطايا العالم (حج 2: 9 ومل 3: 3 ومت 12: 6 و41 و42 ولو 24: 36 ويو 14: 27 و16: 33 و20: 19 و21 و26),

ثم أن الشيعة يحتجون أيضاً ببعض آيات من التوراة ظناً منهم أنها نبوات عن محمد وإن كان أهل السنة لا يوفقونهم عليها إلا أنه من المحتمل أن تكون لهم وجهة معقولة في احتجاجهم ولهذا رأينا أن نسرد ما قالوه في هذا الصدد,

18 - وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ? وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً (تكوين 17: 20) قالوا أن قوله اثني عشر رئيساً يلد نبوة عن الاثني عشر إماماً الذين يعتبرونهم خلفاء محمد الشرعيين في الإمامة ورداً على ذلك لا نقول شيئاً سوى أن نستلفت نظرهم إلى هذا السفر عينه الذي اقتبسوا منه هذه الآية (25: 13-16) حيث نجد الوعد المشار إليه قد تم وولد إسماعيل اثني عشر رئيساً وذكرت أسماؤهم وبعدها قيل ه ؤُلَاءِ هُمْ بَنُو إِسْمَاعِيلَ? وَه ذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ بِدِيَارِهِمْ وَحُصُونِهِمْ. اثْنَا عَشَرَ رَئِيساً حَسَبَ قَبَائِلِهِمْ وعليه فقد تمت هذه النبوة بدون احتياج إلى محمد وخلفائه,

19 - إر 46: 10 فَه ذَا الْيَوْمُ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ يَوْمُ نَقْمَةٍ لِلا ِنْتِقَامِ مِنْ مُبْغِضِيهِ? فَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِهِمْ. لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً فِي أَرْضِ الشِّمَالِ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ قالوا أن قوله لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ ذَبِيحَةً الخ نبوة عن قتل الحسين في واقعة كربلا زاعمين أن الحسين مات كفارة عن الخطية ودحضاً لهذه الدعوى نقول إذا تأملنا في العدد الثاني من هذا الأصحاح عينه نجد الإشارة إلى جيش فرعون نخو ملك مصر الذي كان على نهر الفرات في كركميش الذي ضربه نبوخذ نصر ملك بابل في السنة الرابعة ليهوياقيم ملك يهوذا سنة 606 ق م ولا أحد من المسلمين يقدر أن يدعي بأن مذبحة المصريين وقد كانوا عبدة الأصنام حينئذ تكون كفارة عن الخطية فضلاً عن أن الكلمة المستعملة للدلالة على ذبيحة استعملت أيضاً للدلالة على مذبحة كما في هذه المواضع (إش 34: 6-8 وحز 39: 17-21 وصف 1: 7 و8) ونقول أخيراً لا يمكن أن يكون إرميا النبي عنى كربلا بقوله أرض الشمال ,

ولنأت الآن إلى أسفار العهد الجديد ونفحص باعتناء ودقة الفصول التي يوردها المسلمون للاستدلال على نبوة محمد,

1 - مت 3: 2 تُوبُوا? لِأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ هذه كلمات يوحنا المعمدان وكررها الرب يسوع (مت 4: 17) زعم المسلمون أن ملكوت السماوات إشارة إلى مملكة الإسلام (انظر مت 13: 31 و32) وأما القرآن فهو شريعة هذه المملكة الخ ونحن نقول يجب لفهم معنى ملكوت السماوات أو ملكوت الله أن نراجع المواضع التي وردت فيها هذه العبارة ففي (مت 12: 18) قال المسيح وَل كِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللّ هِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ? فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللّ هِ وفي مر 9: 1 قال يسوع لتلاميذه الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ه هُنَا قَوْماً لَا يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللّ هِ قَدْ أَتَى بِقُّوَةٍ وفي مواضع أخرى يصرح بأن هذا الملكوت يبدأ به إلى حد ما في حياته ثميمتد بعد موته ويكمل بعد مجيئه ثانياً ليدين المسكونة بالعدل ويحكم بالحق والإنصاف (دا 7: 13 و14 ورؤ 11: 15) وأما في الوقت الحاضر فملكوت الله آخذ في الامتداد يومياً بواسطة الكرازة بالإنجيل ودعوة الناس للدخول فيه (مت 28: 8-20) واعلم أنه ليس ملكوت السموات نظير ممالك العالم (يو 18: 36) وأنه لا يأتي بأبهة وزخرفة عالمية (لو 17: 20) ويخص المساكين بالروح (مت 5: 3) لا المتكبرين ولا عظماء هذا الدهر الذي يبطلون ولا يقدر أحد كائناً من كان أن يتتبع لهذا الملكوت ما لم يولد من جديد ولادة روحية (يو 3: 3 و5) ومن المستحيل أن يدخل إليه الأشرار (1 كو 6: 9 و10 وغل 5: 20 و21 وأف 5: 5) ولهذه البراهين والأدلة لا مناسبة بين المملكة التي أسسها محمد وخلفاؤه وبين ملكوت السماوات,

2 - مت 17: 11 فَأَجَابَ يَسُوعُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَّوَلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْ وظن بعضهم أن قوله إِيلِيَّا يَأْتِي أَّوَلاً نبوة عن مجيئ محمد إلا أننا إذا قرأنا العدد التالي نجد أن إيليا قد أتى وعلى ذلك قوله إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ? بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذ لِكَ ابْنُ الْإِنْسَانِ أَيْضاً سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ . حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلَامِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ (مت17: 12 و13) نعم أن يوحنا غير إيليا في شخصه لأن التناسخ ليس من تعاليم الكتاب المقدس لهذا لما سئل يوحنا إن كان هو إيليا أم لا أجاب لست أنا وإنما كان سابقالمسيح الذي يعد الطريق أمامه بروح إيليا وقوته (لو 1: 17) كما أنبأ جبريل أباه زكريا (لو 1: 19) وبهذا المعنى كما تنبأ ملاخي أيضاً (مل 4: 5) كان يوحنا المعمدان إيليا النبي لأن كليهما عاشا بكيفية واحدة (قابل مت 3: 4 مع 1 مل 17: 1-6),

3 - مت 20: 1-16 فسر المسلمون هذا المثل بكيفية غريبة لإثبات نبوة محمد فقالوا الفعلة الذين اشتغلوا من الصباح هم اليهود والذين اشتغلوا من الظهر هم النصارى والذين اشتغلوا في المساء هم المسلمون (1) (أن الذي فسر هذا المثل بهذه الكيفية هو محمد نفسه كما في البخاري وغيره اه مصحح) ورداً على ذلك نقول أن المساء المشار إليه في عدد 8 هو عبارة عن الوقت الذي ذكره في مت 19: 28 أي وقت التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده كأنه عنى بالمساء آخر الدهور الذي فيه يأتي الرب يسوع على سحاب السماء بقوة ومجد كثير لكي يدين الأرض (مت 24: 30 و31 ومر 13: 26 و27 ولو 21: 27 ورؤ 1: 7 و20: 11-15) يظهر صحة تفسير المساء بما ذكرناه من مقدمة المثل وخاتمته لأنه يبتدئ بتعليل السبب الذي من أجله يكون الأولون آخرين والآخرون أولين وينتهي بهذه النتيجة والآن قد أقبل المساء وكادت تغرب شمس الدهر الحاضر وكل من النصارى والمسلمين ينتظرون رجوع المسيح ثانياً ويتوقعون حدوث ذلك قريباً جداً ومتى جاء يملك على كل الأرض إلى ما شاء الله ويدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته (2 تي 4: 1) ومما تقدم يظهر أن لا فرصة في وقت المساء للعصر الإسلامي وبالتالي لا نبوة في المثل المذكور عن محمد,

4 - مت 21: 33-44 (انظر مر 12: 1-11 ولو 20: 9-18) قالوا أن المسيح انبأ في هذا المثل عن مجيء محمد وقوة بطشه, سلموا أن رب البيت هو الله وأن ابنه هو المسيح وأنه تكلم عن نفسه كأن اليهود قتلوه وكان يجب عليهم ما دام المسيح قائل هذه الأقوال أن يسلموا بها ويقروا أن المسيح ابن الله وأنه مات عن خطايا العالم لو أقروا بذلك ما كان أغناهم عن البحث في شؤون محمد ولكن إذا كانوا لا يسلمون أن المسيح هو الضارب لهذا المثل فمن العبث أن يحتجوا بكلام يعتقدون بطلانه ومما يجب ملاحظته في هذا المثل أنه من بعد إرسال الابن لم يرسل رسول آخر وحيث أنهم سلموا أن المرسلين الأولين كانوا خداماً وعبيداً لرب البيت كان الرسول الأخير الابن فليس من المعقول أنه من بعد ما أرسل الابن يمشي القهقرى ويرسل العبيد ومن هنا يظهر بطلان دعواهم مرة أخرى عدا ذلك فإن المسيح اقتبس هنا خبر الحجر الذي رفضه البناؤون (مر 18: 22) وأن بطرس الرسول صرح بأن صاحب سفر المزامير عنى بالحجر الذي رفضه البناؤون المسيح نفسه حيث يقول فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ? أَنَّهُ بِا سْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ? الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ? الَّذِي أَقَامَهُ اللّ هُ مِنَ الْأَمْوَاتِ? بِذَاكَ وَقَفَ ه ذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحاً. ه ذَا هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ? الَّذِي صَارَ رَأْسَ الّزَاوِيَةِ (أع 4: 10 و11 و1 بط 2: 4-8) وعليه فالبناؤون كانوا يهود عصره لا إبراهيم ولا إسماعيل اللذين بنيا الكعبة على زعمهم وقال المثل خطاباً لليهود إِنَّ مَلَكُوتَ اللّ هِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ (مت 21: 43) قالوا معنى هذا الكلام هو أن يؤخذ ملكوت الله من اليهود ويعطى للإسماعيليين إلا أن العهد الجديد يبين أنه يعطى للذين يؤمنون بالمسيح إيماناً حقيقياً الذين هم وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ? وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ? أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ? شَعْبُ اقْتِنَاءٍ وقال لهم لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْباً? وَأَمَّا الْآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللّ هِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ? وَأَمَّا الْآنَ فَمَرْحُومُونَ (1 بط 2: 9 و10) وهنا تلميح لطيف إلى الأثمار التي يطلبها رب البيت من الأمة التي تتولى الكرم وورد ذلك بأكثر تصريح في كلام الرسول عن المسيح حيث يقول ا لَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لِأَجْلِنَا? لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ? وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ (تي 2: 14 وغل 5: 22-24) وإلى هنا انتهينا من إظهار الأمة التي اعطى لها الكرم ألا وهي الكنيسة المسيحية والكرم ملكوت الله (مت 21: 43 يسرح عدد 41) وعليه فلا إشارة في هذا المثل إلى محمد ولا أمته كما أنه قد ثبت أن الحجر الذي رفضه البناؤون هو المسيح نفسه لا الحجر الأسود الذي بحائط الكعبة ولامحمد ولا هاجر,

وأما مقاومة المسيح وعدم الرضوخ له فأبان المثل أنه هو الأمر المثير لسخط الله وحلول نقمته على أعدائه وقد تم شيء من ذلك عند خراب أورشليم وتمثيل الرومان باليهود تمثيلاً فظيعاً في سنة 70 للميلاد أو بعد صلب المسيح بنحو أربعين سنة وظن بعض المسلمين أن المراد برب البيت المشار إليه في المثل هو محمد ولكن ذلك ما لا يمكن إثباته لأن المسيح في عدد 37 بحسب ما جاء في المثل كان ابن رب البيت ولا يتصور أحد أن المسيح ابن محمد وعليه فلا يمكن تطبيق هذا المثل على ما زعمه المسلمون وإثبات دعواهم إلا بثلاثة أشياء الأول تحريف المثل الثاني إغفال القرينة وسياق الكلام والثالث إغفال النصوص الكثيرة الواردة في أسفار العهد القديم والعهد الجديد,

5 - وَكَانَ يَكْرِزُ قَائِلاً: يَأْتِي بَعْدِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي? الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ (مر 1: 7) قالوا أن الإنجيل كلام المسيح وهذه الآية من الإنجيل فهي من كلام المسيح وعليه يكون المسيح أنبأ بمجيء نبي أفضل منه بكثير هو محمد, من تأمل هذه الأقوال على إثبات نبوة نبيهم وذلك لأن عدد 6 أي ما قبل آية الاستدلال يصرح باسم القائل لها ألا وهو يوحنا المعمدان لا يسوع وصرح يوحنا في (يو 1: 16-34) أن الآتي بعده هو المسيح لا محمد ومن ذلك قوله وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ? فَقَالَ: هُوَذَا حَمَلُ اللّ هِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ. ه ذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ يَأْتِي بَعْدِي? رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي? لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي (يو 1: 29 و30 انظر مت 13: 11-14 ولو 3: 16 و17) فإذا قيل أن يسوع كان معاصراً ليوحنا فلا يصح أن يقول عنه أنه يأتي بعده فنجيب وإن كان معاصراً له إلا أنه لم يبدأ بخدمته كرسول إلا من بعد طرح يوحنا في السجن (مر 1: 14 ومت 4: 12 و17) وانتهاء خدمته لأن هيرودس ملك اليهود أمر بقطع رأسه,

6 - يو 1: 21 فَسَأَلُوهُ: إِذاً مَاذَا? إِيلِيَّا أَنْتَ? فَقَالَ: لَسْتُ أَنَا . أَلنَّبِيُّ أَنْتَ? فَأَجَابَ: لَا قال المسلمون أن نبيهم قد ذكر في هذه الآية وذلك لأن اليهود سألوا يوحنا المعمدان متحرين عن ثلاثة أنبياء بالتوالي المسيح وإيليا والنبي ولم يخالفهم في ما سألوا عنه فاستنتجوا من ذلك أن النبي المشار إليه هنا لا هو إيليا ولا هو المسيح بل محمد كذلك النبي الذي تنبأ عنه موسى (تث 18: 18) هو محمد لا المسيح ولا إيليا ورداً عليهم نقول أما من حيث النبي الذي كتب عنه موسى (تث 18: 18) فقد أثبتنا في ما تقدم أنه لا يمكن أن يكون محمداً وإنما هو المسيح راجع ذلك في موضعه وعليه فالنبي المشار إليه في سؤال اليهود ليوحنا المعمدان هو المسيح بذاته وسأل اليهود عن الثلاثة مبتدئين بالأخير إلى الأول باعتبار ترتيب زمان ظهورهم فقالوا ليوحنا أنت المسيح ظناً منهم ربما يكون إياه فلما أنكر يوحنا كونه المسيح عادوا فسألوه إن كان هو سابقه إيليا (مل 4: 5 ومت 17: 10 ومر9: 11) فأنكر أيضاً كونه إيليا بالذات لأنهم كانوا ينتظرون أن يرجع إيليا بنفسه إلى الأرض في آخر الزمان مع أن يوحنا وإن لم يكن إيليا بالذات لكنه جاء بروحه وقوته لإعداد طريق المسيح كما تقدم الكلام (راجع مل 4: 5 بالمقابلة مع مت 11: 14) ولما لم يفهم اليهود من هو يوحنا المعمدان إذا لم يكن المسيح ولا إيليا حاروا في أنفسهم والتجأوا إلى رأي آخر للمسيح وليس من المعقول ولا المحتمل أن يكون سؤالهم ليوحنا عن نبي يأتي بعد المسيح بمئات من السنين حالة كون المسيح نفسه لم يكن قد ظهر بعد ولهذا يلزم أن يكون سؤالهم أما عن المسيح أو أحد سابقيه لا عن نبي يأتي بعده,

7 - يو 4: 21 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: يَا امْرَأَةُ? صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ? لَا فِي ه ذَا الْجَبَلِ? وَلَا فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلْآبِ بنى بعض المسلمين علىهذه الآية أن أورشليم من ذلك الوقت فصاعداً لا تكون قبلة للمصلين ويحل محلها الكعبة إلا أن عدد 23 و24 التاليين لهذه الآية يظهران ما قصده المسيح بقوله لَا فِي ه ذَا الْجَبَلِ? وَلَافِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلْآبِ فإنه علمنا أن العبادة التي تحوز القبول عند الله لا تتوقف على المكان التي نقدم فيه بل تتوقف علىحالة قلب العابد وقضى قضاء مبرماً على كل ما يقال له قبلة للصلاة بعد ذلك التاريخ,

8 - يو 14: 30 لَا أَتَكَلَّمُ أَيْضاً مَعَكُمْ كَثِيراً? لِأَنَّ رَئِيسَ ه ذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ قال المسلمون أن رئيس العالم الذي بشر بمجيئه المسيح إنما هو محمد ورداً عليهم نقول يظهر من سياق الكلام والقرينة أن المسيح لم يعن برئيس العالم هنا نبياً ولا رسولاً بل عنى إبليس بدليل قوله ليس له فيّ شيء فإن هذه العبارة لا تشير إلى حبيب موال كشأن النبي إلى زميله النبي بل تشير إلى عدو مقاوم وورد في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس ذكر إبليس موسوماً بألقاب فخمة من ذلك قوله اَلْآنَ دَيْنُونَةُ ه ذَا الْعَالَمِ. اَلْآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ ه ذَا الْعَالَمِ خَارِجاً (يو 12: 31) وقوله ا لَّذِينَ فِيهِمْ إِل هُ ه ذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ? لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ الخ (2 كو 4: 4) ودعي إبليس رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ? الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الْآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ (أف 2: 2 و6: 12 و12),

9 - (يو 14: 16 و17 و26 و15: 26 و16: 13 الخ) يجزم المسلمون أن كلمة البارقليط المترجمة المعزي يجب أن تترجم محمد وعليه يكون المسيح تنبأ عن محمد في هذه الآيات ويقولون أن القرآن الذي جاء به هو من عند جبريل وهو عندهم الروح الأمين أي الروح القدس وأنه شهد للمسيح (يو 15: 26 ومجده يو 16: 14) كما مجده القرآن وذلك لأن القرآن رفع مقام المسيح كمولود من عذراء وكنبي ورسول مؤيد بالمعجزات والآيات وقال أنه صعد إلى السماء حياً وأن الله آتاه الإنجيل ونفى عنه البنوة لله التي زعمتها النصارى الخ وقالوا أيضاً أن النصارى الأولين فهموا من أقوال المسيح بخصوص إرسال البارقليط أن نبياً آخر عظيماً سيأتي بعده بدليل أن رجلاً يسمى ماني الفارسي ادعى أنه الروح القدس بعد المسيح ببضعة قرون وراجت دعوته عند بعضهم استناداً على هذه النبوة إلى آخر ما قالوا, أما نحن فنقول ليس أحد خبيراً بالإنجيل يقدر أن يستنتج من كلام المسيح عن إرسال الروح ما استنتجه إخواننا مما ورد في (يو 14 و15 و16) وذلك لما يأتي, أولاً أن كلمة بارقليط لا تعني محمداً بل تعني المعزي أو المؤيد كما في قوله وأيدناه (المسيح) بروح القدس (قرآن) أو الوكيل وهذه لا تناسب محمداً مطلقاً لأن المعنى الأول أي المعزي لا يلائم حامل السيف بل هما ضدان والمعنيين الأخيرين المؤيد والوكيل لا يصح إسنادهما إلى مخلوق كائن ما كان لأنهما من ألقاب الله سبحانه وتعالى كما ورد في القرآن وما أرسلناك عليهم وكيلاً (سورة الأسرى عدد 55 وسورة النساء عدد 80), ثانياً أن كلمة البارقليط لم تستعمل في أسفار العهد الجديد إلا للدلالة على الروح القدس (يو 14: 16 و17 و26 و15: 26 و16: 13) وجاءت أيضاً للتلميح إلى المسيح (يو 14: 16 وانظر 1 يو 2: 1), ثالثاً أن البارقليط حسبما ورد في هذه الآيات لا يمكن أن يكون إنساناً ذا روح وجسد بل هو روح محض غير منظور وروح الحق الذي عندما تكلم المسيح عنه بأنه يأتي كان أي الروح حينئذ ماكثاً مع التلاميذ (يو 14: 17 و16: 14), رابعاً أن الذي يرسله هو المسيح كما في (يو 15: 26 و16: 17) وإخواننا المسلمون لا يقبلون على محمد أن يكون رسول المسيح, خامساً كان محمد رجل حرب وغزو يفتح البلاد بسيفه ويدوخ العباد بجيشه وأما الروح القدس فعمله أن يبكت العالم على الخطية وجوهر الخطية عدم الإيمان بالمسيح (يو 16: 9) فما أعظم الفرق, سادساً قيل عن الروح القدس أنه متى جاء يمجد المسيح لا يمجد نفسه لأنه يأخذ مما للمسيح ويخبرنا (يو 16: 14 و15) سابعاً أن محمداً والقرآن ينكران بنوة المسيح لله وقد صرح أنه ابن الله بقسم (في مر 14: 61) وكذا ينكران لاهوته مع كونه مثبوتاً في كل أسفار العهد القديم (إش 9: 6 ومز 45: 6) والعهد الجديد (يو 10: 30 وعب 1) وبناء عليه لا يكون محمد وقرآنه ممجدين للمسيح بل مضادين له على خط مستقيم وبالتالي لا يكون محمد الروح القدس كما زعموا, ثامناً أن محمداً وقرآنه ينكران صلب المسيح الذي به صار التكفير عن خطايا العالم وبهذا قد أنكرا حقيقة جوهرية من اعظم حقائف الكتاب المقدس (انظر مز 22: وإش 52: 13-53 كله ومت 20: 19 الخ) التي يترتب عليها خلاص الجنس البشري, تاسعاً أن إنكار المسيح يترتب عليه إنكار قيامته التي هي رجاء جميع المسيحيين (1 كو 15: 17-19) وحيث أن محمداً يخالف الإنجيل في هذه النقط الرئيسية وغيرها ويعارض التعاليم التي أمر رسله أن يكرزوا بها للعالم (مت 28: 20) فلا يصح أن يقال عنه أنه متمم لنبوة إرسال الروح القدس الذي إنما جاء ليذكر التلاميذ بكل ما قاله لهم المسيح (يو 14: 26), عاشراً أن احتجاجهم بما ادعاه ماني من أنه الروح القدس وتطبيقهم دعوة محمد على قول ماني دعوة باطلة وشاهد زور وإذا كان احد منا يضاهي بين محمد وماني وبين قرآن الأول وكتاب الآخر الذي ادعى محمد أنه جاء به من السماء وأنه ليس في طاقة البشر أن يأتوا بمثله ولم يأتوا بمثله لجرحنا إحساسات إخواننا المسلمين وأغضبناهم ولكن ليكن معلوماً أن كاتب هذه السطور يتحاشى على قدر إمكانه أن يبدي مضاهاة كهذه احتفاظاً بالسلام,

واعلم أن المطلعين من المسيحيين رفضوا دعوة ماني بأنه الروح القدس لجملة أدلة منها أن النبوات المتعلقة بالبارقليط لا تشير إلى إنسان بل إلى روح, ومنها أن هذه النبوات تمت بعد صعود المسيح ببضعة أيام وذلك بحلول الروح القدس على المائة والعشرين مسيحياً الذين كانوا يسبحون الله في العلية في مدينة أورشليم وأخذوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا (راجع أع 2: 1-36), ومن هنا يظهر أن تعليم العهد الجديد في عصر ماني هو كما في العصر الحاضر والمسيح وهو على الأرض أخبر بظهور أنبياء كذبة وذلك في مواضع كثيرة من الإنجيل وحذرنا من الانقياد لأي نبي يأتي بعده (مت 24: 11 و24 ومر 13: 22 قابل مت 7: 15), لهذا عندما ظهر ماني وادعى النبوة رفضه مسيحيو عصره بناء على ما سبق التحذير منه في الإنجيل واعتبروه نبياً كذاباً كما يعتبر إخواننا المسلمون, حادي عشر أن البارقليط قيل عنه أنه سيسكن في قلوب المسيحيين الحقيقيين (يو 16: 14 قابل 1 كو 6: 19 ورو 8: 9) وهذا لا يمكن أن يصدق على محمد, ثاني عشر قد وعد المسيح بأن الروح القدس (يو 14: 26) يجب أن ينزل من السماء على التلاميذ بعد صعوده بأيام قليلة وأمرهم أن لا يباشروا خدماتهم كرسل (مت 28: 19-20) حتى يحل عليهم الروح القدس (اع 1: 25) وبناء على أمره مكثوا في أورشليم إلى أن تم هذا الوعد (انظر لو 24: 49 وأع 1: 4 و8 و2: 1-36) فهل تظنون أن مراد المسيح أن ينتظر تلاميذه بدون أن يمارسوا عملهم مدة ستمائة سنة إلى أن يأتي محمد? هذا محال وعليه فلا تشير النبوة هنا إلى محمد بوجه من الوجوه بل إلى الذي تم يوم الخمسين بعد صعود المسيح بأيام قليلة كما قدمنا ذكره (انظر أع ص 2) ومن بعد ذلك الوقت نالت جماعة الرسل قوة فائقة وحكمة واسعة وجالوا يكرزون بالإنجيل في الأرض كلها,

10 - 1 يو 4: 2 و3 بِه ذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللّ هِ: كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللّ هِ? وَكُلُّ رُوحٍ لَا يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَلَيْسَ مِنَ اللّ هِ ظن بعض المسلمين أن قوله روح الله يشير إلى محيد بدليل أنه اعترف بأن المسيح قد جاء في الجسد كما تقول الآية ومعنى ذلك عندهم هو حيث أن محمداً أنكر لاهوت المسيح في الجسد وصرح أنه إنسان كسائر الناس يكون قد اعترف بأن المسيح قد جاء في الجسد مع أن قوله جاء في الجسد يراد به نفي ضلالة ظهرت في ذلك الوقت ألا وهي أن جسد المسيح لم يكن جسداً حقيقياً بل خيالياً لأنه إذ كانوا يعتقدون بأنه إله شق عليهم أن يؤمنوا أيضاً بأنه ذو جسد حقيقي وعللوا أعراضه الجسدية المذكورة في الإنجيل مثل كونه أكل وشرب وتعب ونام واستيقظ ومات وقام الخ من قبيل التصورات الخيالية التي لا وجود لها في الحقيقة فإذا قيل لهم كان المسيح يأكل الطعام فكيف لا يكون جاء في الجسد أجابوك لم يأكل المسيح ولم يشرب حقيقة ولكن شبه لهم وإذا قيل لهم كان المسيح ينام وينتبه من النوم قالوا كلا بل شبه لهم فدفعاً لشر هذه الضلالة أنذرنا الوحي على لسان يوحنا الرسول بأن كل من يعترف بأن المسيح جاء في الجسد أي يعترف بأن أعراضه الجسدية التي ذكرت في الإنجيل كانت حقيقية فهو من الله وكل من ينكر كونه جاء في الجسد أي ينكر كون أعراضه الجسدية كانت حقيقية فليس من الله ومحمد أنكر موت المسيح وهو من أعظم أعراضه الجسدية وكانت طريقة إنكاره مثل طريقة أصحاب تلك الضلالة بمعنى أنه حول واقعة الحال إلى واقعة خيال فقال ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم فتأمل,

11 - يه 14 و15 وَتَنَبَّأَ عَنْ ه ؤُلَاءِ أَيْضاً أَخْنُوخُ السَّابِعُ مِنْ آدَمَ قَائِلاً: هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ? وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُِ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا الخ تجرأ بعض المسلمين وقالوا أن الرب في هذه العبارة يراد به محمد وقوله يصنع دينونة يشير إلى كونه متقلداً بالسيف ومثيراً للحرب على أعدائه ولكن لا مسلم حقيقي يقدر أن يسند لقب الرب إلى مخلوق كائناً من مكان لأنه من ألقاب الله انظر سورة التوبة آية 22) والحقيقة أن أخنوخ تنبأ عن المسيح باعتبار مجيئه الثاني عندما يملك على الأرض (ودا 7: 13 و14 ومت 24: 29-51 و2 تس 1: 6-10 ورؤ 1: 7 و19: 11-21) واسم الرب من ألقاب المسيح التي كثر إسنادها إليه في أسفار العهد الجديد وأسندت إليه بحق كما نعلم من في 2: 9-11,

12 - رو 2: 26-29 وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَاناً عَلَى الْأُمَمِ? فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ? كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ? كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضاً مِنْ عِنْدِ أَبِي? وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ الخ قالواأن هذا نبوة عن محمد بدليل أنه حارب الأمم بسيفه وأخضع كثيراً منهم تحت سلطانه فإن صحت دعواهم ينتج أن محمداً استمد هذه القوة والسلطان من المسيح جزاء له على تمسكه بوصاياه وحفظه أعماله إلى النهاية وبالتالي كان مقامه دون مقام المسيح إلا أن إخواننا المسلمين لا يرضيهم ذلك ولا يرضيهم أن يكون مقامه كمقام المسيح بل أعظم منه كيف لا وهو عندهم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين والحقيقة هي أن من يراجع الأصحاح الثاني والثالث من هذا السفر يجد أن المتكلم هو المسيح يحرض أعضاء الكنائس السبع على الغلبة واعداً من يغلب بأحسن الجزاء وكرر ذلك سبع مرات فلا يشير إلى محمد ولكنه يتكلم كلاماً عمومياً لترغيب شعبه في الغلبة لا غلبة السيف والسهم بل غلبة الخطية والجسد والعالم والشيطان,

إلى هنا انتهينا من النبوات الواردة في أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي خالها المسلمون تشير إلى محمد ورأينا أن لا نبوة منها تشير إليه وعدا ذلك علمنا من الإنجيل تمام العلم أن لا تكاب يلي الإنجيل ولا نبي يأتي بعد المسيح والعصر الوحيد الآتي هو رجوع المسيح من السماء ليملك على الأرض الملك الدائم وعلى ما تقدم سقطت دعوى محمد بالرسالة من الله سقوطاً ليس من ورائه مجال للشك,

حقاً أن بعضاً من المسلمين اندهشوا عندما قرأوا عن الجراد في (رؤ 9: 3 و4) حيث يقول وَقِيلَ لَهُ أَنْ لَا يَضُرَّ عُشْبَ الْأَرْضِ وَلَا شَيْئاً أَخْضَرَ وَلَا شَجَرَةً مَا? إِلَّا النَّاسَ فَقَطِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ خَتْمُ اللّ هِ عَلَى جِبَاهِهِمْ لأنهم يقصون علينا أنه حدث في زمن خلافة أبي بكر الصديق أنه زود جنوده عندما ساروا لفتح الشام بأوامر تمت معها هذه النبوة حرفياً وأنه مما يستحق الأعتبار أن نجد اثنين من مؤرخي المسلمين لا يعلمان غالباً بهذه النبوة يرويان لنا حديثاً يذكرنا بها قال جلال الدين السيوطي لما بعث أبو بكر الصديق ابن أبي سفيان لفتح الشام أمره أن لا يقتل امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا يقطع أشجاراً منتجة ثماراً ولا يتلف أرضاً مزروعة ولا ينحر شاة ولا دابة إلا ما دعت إليه حاجة الطعام ولا يقلع نخلة منتجة ولا يحرقها قبل قلعها ولا يغدر بأحد ولا يخشى أحداً وروى الواقدي الرواية عينها بأكثر تفصيل قال أمر أبو بكر الصديق يزيد ابن سفيان أنه إذا ظفر بأعدائه لا يذبح ولداً ولا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا يقرب نخلة ولا يحرق مزرعة ولا يقلع أشجاراً مثمرة ولا ينحر ماشية إلا لضرورة الطعام ولا يغير ما اتفق عليه ولا ينقض محالفة صلح وإذا مر بأديرة الرهبان الذين انقطعوا لعبادة الله يدعهم وما انقطعوا إليه لا يقتلهم ولا يهدم أديرتهم وأما إذا مر بتلك الطائفة التي تعبد الشيطان والصلبان ذوي الرؤوس المحلوقة من الوسط يضربهم بسيفه إلى أن يعتنقوا دين الإسلام أو يدفعوا الجزية وهم صاغرون,

لا شك أن المشابهة عظيمة بين ما ورد في سفر الرؤيا وبين ما أمر به أبو بكر جنوده ولكن لم ترد إشارة إلى نبي ما في ذلك الموضع مما يؤيد دعوة محمد كما أنه لا مسلم خبير يقدر أن يستشهد بالآيات المذكورة ولو سلمنا أنها نبوة عما تم بعد موت محمد بجلمة سنين,

الفصل الثالث

هل يمكن أن تكون فصاحة القرآن معجزة تدل على أنه موحى به من الله?

يجزم إخواننا المسلمون أن فصاحة القرآن وطلاوة عباراته بالغة حد الإعجاز حتى أنه يكفي لإثبات رسالة محمد سيما وأنه لم يكن يعرف الكتابة ولا القراءة فمن المحال أن يكون قادراً على الإتيان به ما لم يكن موحى به من الله ويقولون لكل نبي آية بينة تدل على أن رسالته من عند الله إلا أن الآيات تنوعت حسب أحوال الزمان الذي جاءت فيه الأنبياء ففي زمن موسى مثلاً بلغ السحر والسحراء مكانة عظمى عند المصريين فأوتي موسى من الآيات ما يشبه السحر في ظاهره وهو ليس بسحر في الحقيقة بل معجز للسحراء وفي زمن المسيح بلغ الطب مبلغاً عظيماً فكانت آيات المسيح مشبهة بالطب ولكنها تفوقه وفي زمن محمد كانت الفصاحة هي الصناعة الرائجة بين العرب فأوتي القرآن معجزاً لفصحاء عصره وشعرائه ومن أدلتهم على إعجاز القرآن ما جاء فيه من تحدي العرب على أن يأتوا بكتاب مثله أو سورة منه كما في سورة البقرة آية 23 ومن ذلك قوله قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَا لْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (سورة الإسراء 17: 88),

ورداً عليهم نقول إذا فحصنا دعواهم بإعجاز القرآن فحصاً دقيقاً خليقاً بأهمية الموضوع لا نجد دليلاً على صحة دعواهم لأنه كم من الكتب الشهيرة في العالم ألفها قوم لا يعرفون القراءة ولا الكتابة وق جاءت لا مثيل لها ومن هذه الكتب كتاب وضعه ريج فيدا في بلاد الهند وضعه بين سنة 1000 و1500 ق م قبل أن تعرف صناعة الكتابة في تلك البلاد بزمن طويل يزيد حجمه عن القرآن صنفه أكثر من واحد إلا أنهم لم يكن لهم كاتب يملون عليه آيات كتابهم وفي اللغة اليونانية القديمة قصيدتان في غاية الفصاحة وهما الإلياذة والأودسة (<? LLiad - Odyssev< >) منسوبتان في الغالب إلى شاعر أعمى اسمه هوميروس وكانت العميان في سالف الزمان لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ولا كانت لديهم الوسائل التي لديهم اليوم وليس ثمت وجه للظن أن يكون أملى قصيدته على بعض الكتبة لأنه كان فقير الحال يحصل قوت يومه بالتجوال على البيوت يتلو أشعاره, على أنه لم يقم دليل قاطع على أن محمداً كما زعموا غير عالم بالقراءة والكتابة وغاية ما أوردوه لإثبات هذه الدعوى هو ما وصفه به القرآن بأنه النبي الأمي (سورة الأعراف 7: 156 و157) إلا أن هذا الوصف لا يثبت عدم معرفته القراءة والكتابة لموصوفه بل يثبت كونه نبياً من الأمم (1) (لقد قال بمثل ذلك بعض محققي المسلمين انظر السيرة النبوية لزيني دحلان اه مصحح) لا من بني إسرائيل وذلك واضح من سورة آل عمران آية 20 في قوله وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَا لأُمِّيِينَ الخ ومن ذلك ترى أن العرب مدعوون هنا بالأميين فقال النبي الأمي كما نقول اليوم النبي العربي وكانت عادة الأنبياء أن يأتوا من أهل الكتاب أي بني إسرائيل,

فلما ادعى محمد النبوة وكان من غير أهل الكتاب دعوه النبي الأمي أي من الأمم كما تقدم تمييزاً له عن بقية الأنبياء الذين كانوا جميعاً من بني إسرائيل وبخلاف ذلك قد علم الملطلعون من المسلمين بالروايات المنسوبة إلى البخاري ومسلم التي تنفي عن محمد وصمة الجهل بالقراءة والكتابة من ذلك ما ينسبونه إليه في معاهدة الحديبية من أنه أخذ القلم وضرب على توقيع علي بن أبي طالب بالنيابة عنه تحت إمضاء رسول الله وكتب ابن عبد الله ومما ينسبونه إليه أنه لما أحتضر طلب أن يأتوه بأدوات الكتاب ليوصي بمن يخلفه وقبل أن يأتوه بها خانته قواه كما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس, وبما أن هذه الروايات موضوع نزاع بين أهل السنة والشيعة فلا نجزم بصحتها غير أننا نقول أن مجرد وجودها مسندة إلى أئمة الحديث أمر يستحق الاعتبار وخصوصاً لأن لا شيء فيها بعيد الوقوع,

واعلم أن فن الكتاب كان معلوماً عند العرب في عصر محمد لأنه معلوم بالتأكيد أنه لما وقعت بعض أهالي مكة أسرى عند أهالي المدينة افتدوا أنفسهم منهم بأن يعلموهم الكتابة ثم أن وجود المعلقات السبع (سواء كانت معلقة في الكعبة كما ظن جلال الدين السيوطي أم محفوظة في خزانة عكاظ كما قال أبو جعفر أحمد ابن اسمعيل بن نواس) دليل على أن الكتابة كانت أمراً عادياً بين مؤلفي ذلك العصر والذين قبلهم سواء كانوا يكتبون مؤلفاته بأنفسهم أو يكتبها كتبة آخرون على ذمتهم,

وإن قلنا أن محمداً كان يعرف الكتابة ولكنه لم يحسنها بحيث يتهيأ أن يكتب كتاباً فلا يؤثر ذلك في أهمية القرآن لأننا نعلم من أقوال السالفين أن زيداً بن ثابت كان من جملة الكتبة الذين استخدمهم محمد وكانوا يكتبون كما يملي عليهم على العظام وعلى الخشب والخزف بالحرف الكوفي (1) (هذا خلاف المشهور لأن الحرف الكوفي لم يكن يعرف إلا بعد وفاة محمد اه صحيح) خلواً من نقط الوقف وحركات الضبط وعلى مدى الأيام تبين لعلماء التفسير اختلاف القراآت القرآنية الذي نتج عن نقص الأبجدية الكوفية ولي هنا سؤال أمكتوب القرآن بالحرف الكوفي في اللوح المحفوظ أم بغيره على أن الحرف الكوفي وإن كان قديماً إلا أنه مستخرج من الأبجدية السريانية وتلك من الفينيقية,

وكان إذا أملا محمد آية على الكاتب يسارع إلى حفظها المتدينون من قومه ولكن ذلك لا يمنع من أن بعض الآيات لم يحفظها أحد أو مات الذين حفظوها, جاء في صحيح مسلم أن عائشة قالت ما معناه مما أنزل في القرآن عشر آيات في الرضاعة نهي عنها ونسخت بخمس آيات أُخر ومما لا شك فيه أن عائشة سمعت هذه الآيات في زمانها من بعض القراء ولا نجدها اليوم في القرآن,

وروى مسلم عن عمر بن الخطاب قال ما معناه أن الله أرسل محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب وبما أن آية الرجم مما انزله الله في هذا الكتاب رجم رسول الله ورجمنا من بعده والرجم حد الزاني وكان نص آية الرجم هكذا والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ,

ولكنا لا نجد هذه الآية في القرآن المتداول اليوم والذي نجده أن الزنى حده الجلد مائة جلدة (انظر سورة النور 24: 2-4) وروى ابن ماجة قالت عائشة أن آية الرجم والرضاعة نزلتا,,, وكان القرطاس المكتوبتان فيه تحت فراشي ومات رسول الله حينئذ وفيما أنا منشغلة بموته دخلت بهيمة وأكلت القرطاس وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال لخمسمائة من حفظة القرآن في البصرة أنا اعتدنا أن نتلو سورة تضاهي سورة براءة في الطول والشدة وقد نسيتها ولم يبق منها في بالي غير هذه الكلمات توكلت الخ واعتدنا أن نتلو سورة على المسبحة ونسيتها ما عدا قوله أيها الذين الخ ,

ومن المشهور أن أبيا زاد على نسخة قرآنه سورتين قصيرتين تحت اسمين اعتباريين وهما سورة الخلع وسورة الحفظ وتسمى الأخيرة أيضاً سورة القنوت لأنه يؤكد أنهما نزلتا في القرآن وحذفهما عثمان في حين أن ابن مسعود حذف سورة الفاتحة والمعوذتين من مصحفه وقال قوم من الشيعة كان في القرآن بعض الآيات المشيرة إلى علي بن أبي طالب وحذفت عمداً من القرآن المتداول اليوم من ذلك في سورة النساء آية 136 و164 وسورة المائدة آية 71 وسورة الشعراء آية 288 وقالوا أن في سورة آل عمران آية 106 أبدلت كلمة أئمة الأصلية بكلمة أمة وفي سورة الفرقان آية 74 أبدلت العبارة الأصلية واجعل لنا من المتقين إماماً بعبارة محدثة واجعلنا للمتقين إماماً وذكروا تغييرات أخرى في سورة يوسف آية 12 والمؤمنين آية 39 أحدثوها عمداً وقد سلم الإمام فخر الدين الرازي أن في سورة هود آية 20 تختلف القراءة عن مصحف علي ففي القرآن المتداول تقرأ هكذا ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماًورحمة وتقرأ في مصحف علي هكذا ويتلوه بين العبارتين خليق بالاعتبار عند الشيعة لما في العبارة الثانية من الإشارة إلى علي باعتبار كونه هو الشاهد وهو الإمام والرحمة وليس كتاب موسى الإمام والرحمة كما في العبارة الأولى وقال آخرون أن سورة برمتها حذفت من القرآن بالقصد وتسمى سورة النورين واقتبسها إلى آخرها مرزا محسن من كشمير ببلاد الهند في كتابه المسمى (دبستان مذاهب),

وليس غرضنا من ذكر شبهات الشيعة في ما أضيف إلى القرآن وما حذف منه إثبات هذه الشبهات أو نفيها ولكن حيث أنهم قالوا أن القرآن معجزة لرسالة محمد صار من الواجب علينا الإشارة إلى ما قاله نفس علمائهم والثقة منهم في الزيادة والنقصان اللذين اعترياه دفعاً لدعوة الإعجاز,

نتقدم الآن إلى بيان المنهج الذي سلكوه لجمع متفرقات القرآن من سور وآيات إلى كتاب واحد ونعتمد في التحري عن ذلك على المصادر الموثوق بها عند المسلمين أنفسهم,

عن زيد بن ثابت قال أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر أن عمراً أتاني فقال أن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن استحر القتل بالقرار بالمواطن فيذهب كثير من القران وأني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلت لعمر كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله قال فقال عمر هذا والله خير فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر, قال زيد قال أبو بكر أنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أخبرني به من جمع القرآن, قالت قلت كيف تفعلوه شيئاً لم يفعله رسول الله قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي حزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر طول حياته ثم عند حفصة بنت عمر رواه البخاري كما في مشكاة المصابيح في آخر كتاب فضائل القرآن,

وذكر هذه الرواية ما عدا الجملة الأخيرة جلال الدين السيوطي (انظر تاريخ الخلفاء طبعة لاهور سنة 1304 للهجرة صحيفة 53),

ومن المحتمل أنه لم تكن وقتئذ نسخة كاملة للقرآن سوى تلك التي جمعها زيد واعتمدت كافة المسلمين في قرآنهم على حفظه في الصدور وتلاوته بالشفاه إلا بعض أجزاء منه قد كتبت حسبما تلاها الحفظة في سبع قراآت, ولما أصبح القرآن في خطر الضياع والفساد والسريان والاختلال في جميع متونه أنذر حذيفة ابن اليمان عثمان بن عفان بسوء العاقبة وذلك عندما كان منهمكاً في افتتاح بلاد الأرمن وأذربيجان وروى ذلك البخاري بما معناه يا أمير المؤمنين تدارك المسلمين قبل أن يقع الاختلاف بينهم في القرآن كما اختلف من قبلهم اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة يقول لها ابعثي إلينا بالصحف لننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فبعثتها إليها وعند ذلك انتدب الخليفة زيد ابن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الله بن الحارث بن هشام فنسخوها وقال للثلاثة القرشيين إن اختلفتم مع زيد في شيء من القرآن فاكتبوه بلغة قريش لأنه نزل بلسانهم ففعلوا ذلك حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أقليم نسخة وأصدر أمراً أن كل قرآن خالف هذه النسخة يحرق فقال شهاب أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول لما نسخنا القرآن فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمعها من رسول الله وبعد التحري عنها وجدناها عند خزيمة ابن ثابت الأنصاري: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا والله عليه فألحقناها بموضعها ومن ذلك يتضح وجود تنقيح في النسخ القديمة المخالفة لما استنسخه هو دليل آخر على وقوع الاختلاف في نسخ القرآن ومما يزيد ذلك الدليل وضوحاً أن نسخة حفصة نفسها أمر بحرقها مروان عندما كان حاكماً على المدينة لما تحققه من الخلاف بينها وبين ما استنسخه عنها عثمان وبالرغم عن هذه الوسائط المتناهية في الشدة التي اتخذها حكام المسلمين الأول لتوحيد نسخة القرآن لم يزل فيه بعض الاختلافات التي يعبرون عنها بالقراآت كما نعلم مما نقله إلينا الأئمة والمفسرون الراسخون في العلم ومنهم البيضاوي وانظر مثلاً تفسيره لسورة آل عمران آية 100 وسورة الأنعام 91 وسورة مريم 35 وسورة القصص 48 وسورة الأحزاب 6 وسورة سبا 18 وسورة ص 22 الخ,

إلا أنه من الوجه الآخر نقول أن السبب الرئيسي الذي نستنتج منه بقاء القرآن على ما كان عليه تقريباً بعد وفاة محمد هو أنه تضمن أقوالاً كشفت الستار عن حياته الأدبية مثل (سورة الأحزاب 37 و38 و49-52) لأنه من المحال أن يجترئ مسلم على أن يلصق بنبيه تلك الوصمة المشار إليها في هذه المواضع ما لم يكن اعترف بها هو نفسه وأمر أن تُدرج طي في كتابه الذي نزل عليه من السماء (على زعمه) ويا حبذا لو اعترف بأنها خطيئة اعترافاً صريحاً واستغفر ربه لكنه ادعى أنه فعل ما فعله بموجب تنزيل العزيز الحكيم لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً لهذا لم يخجل أتباعه أن يذكروا له تلك الحادثة في ما دونوه من تاريخه وبالرغم عن الاعتذارات الكثيرة التي شفعوه بها لم يتبرر أمام الناقدين المحققين فاجتنبوه واجتنبوا دينه,

وليس بين علماء المسلمين اليوم من يستطيع أن يبرر القرآن ومحمداً من تلك القصة ومهما قالوا مدافعين لا يقدرون أن يسكتوا لسان الضمير الحي عن التصريح بالحق إن لم يصرح الفم قالوا إن القرآن لمعجزة بل الآية الواحدة منه معجزة دالة على رسالة محمد الإلهية وأنه لا الملائكة ولا الأنس ولا الجن يقدرون أن يأتوا بسورة منه ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً وإن كل كلمة منه خطت بالقلم في اللوح المحفوظ بجانب عرش الله قبل أن يبرأ البرايا بعصور كثيرة من العلم بأن القصة المشار إليها كانت من ضمنه ثم أن جبريل نزل به من عند العرش إلى سماء الدنيا في ليلة القدر وبعد ذلك بلغه إلى محمد شيئاً فشيئاً حسب مقتضيات الأحوال قال ابن خلدون تأييداً لهذا اعلم أن القرآن أنزل من السماء باللسان العربي على الأسلوب الذي كان مألوفاً عند العرب للإعراب عن أفكارهم وأنزل عليه باللفظ حسب مقتضيات الأحوال ببيان وحدانية الله وشرح الواجبات المفورضة على الإنسان في هذه الدنيا وقال في غير موضع ويدلك هذا كله على أن القرآن من بين الكتب الإلهية إنما تلقاه نبينا صلوات الله وسلامه عليه متلواً كما هو بكلماته وتراكيبه بخلاف التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية فإن الأنبياء يتلقونها في حال الوحي معاني ويعبرون عنها بعد رجوعهم إلى الحالة البشرية بكلامهم المعتاد لهم ولذلك لم يكن فيها إعجاز وعلى رأي هذا العالم يكون القرآن لفظاً ومعنى من عند الله بخلاف التوراة والإنجيل فإن معانيها من عند الله وأما ألفاظهما فمن عند الأنبياء والرسل الذين كتبوهما وعليه إذا اتضح لنا من البحث أن عبارة القرآن ليست من الإعجاز في شيء أو على الأقل لا دليل على إعجاز القرآن فلا يصح أن يرد علينا المسلم بقوله كذلك عبارة التوراة والإنجيل خالية من الإعجاز ولا يمكن أن تدل على كونهما صادرين من الله لأننا لم ندع قط أن عبارة كتابنا تتضمن شيئاً من الإعجاز ولا ادعينا أنها دليل على تنزيله من عند الله بل نقول عن كتابنا ما قاله ابن خلدون مما يدل على أن مسيحي عصره والعصر الحاضر على رأي واحد من جهة أسفار الكتاب المقدس وهو أن كل كاتب من كتبته استعمل عباراته الخصوصية فمنهم من كتب شعراً فصيحاً بليغاً ومنهم من كتب نثراً بسيطاً فكانت المعاني من عند الله والتعبير من عند ذلك النبي أو الزبوري أو البشير أو المؤرخ كل حسبما أمره الرب أن يكتب,

ثم أنه من المحقق الآن عندا لعلماء أن لسان قريش الذي كتب به القرآن إنما هو لسان أهل مكة لا لسان أهل الجنة فإن العربية كما هو معلوم إحدى اللغات السامية وهي كأخواتها العبرانية والآرامية والحبشية والسريانية والأشورية وغيرها من اللغات التي هي أقل أهمية ونحن لا ننكر أن اللغة العربية إحدى اللغات القديمة كما أننا نعترف بأن القرآن في بعض فصوله فصيح العبارة وبليغ الأسلوب غير أن علماء اللغة أثبتوا اشتماله على كلمات غير عربية معدولة عن اللغات الأخرى, منها كلمة فرعون مأخوذة من اللسان المصري القديم وكلمتا آدم وعدن مأخوذتان من لغة قديمة تُدعى أكاديان وإبراهيم من لغة الأشوريين وهاروت وماروت والصراط وحول الجن والفردوس مأخوذة من لغة قدماء الفرس وتابوت وطاغوت وزكاة وملكوت من لغة السريان والحواريين من اللغة الأيتوبية وحبر وسكنية وماعون وتوراة وجهنم من ألفاظ اليهود والإنجيل من لغة اليونان, وعليه فكلام القرآن ليس عربياً محضاً وحينئذ لا مانع من أن تكون هذه الكلمات الغير عربية مكتوبة في اللوح المحفوظ إسوة بكلماته العربية ما دام لها الفضل عليها في التعبير عن كثير من معاني القرآن, مع أن هذا يفتقر إلى الإثبات وكما اشتمل القرآن على كلمات غير عربية اشتمل على تراكيب لو وردت في غيره من الكتب لعدها علماء النحو والبيان غلطات لا محالة وهي كثيرة نكتفي ببعضها: ففي سورة البقرة (1) (قابل منا رالحق) قوله أولاً تلك عشرةكاملة والصواب تلك عشر وقال في سورة الأعراف وقطعناهم اثنتي عشر أسباطاً فأنث العدد وجمع المعدود والصواب التذكير في الأول والإفراد في الثاني وقال فيسورة النساء 4: 162 لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَا لْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَا لْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَا لْمُؤْتُونَ الّزَكَاةَ وَا لْمُؤْمِنُونَ بِا للَّهِ وَا لْيَوْمِ الْآخِرِ والصواب والمقيمون الصلاة,

وقال في سورة المائدة 5: 69 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَا لَّذِينَ هَادُوا وَا لصَّابِئُونَ وَا لنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِا للَّهِ وَا لْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ والصواب والصابئين وقال في سورة المنافقين 63: 10 وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ والصواب وأكون بالنصب وقال في سورة آل عمران 3: 59 إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ والصواب فكان,

ومما أخطأ مراعاة المروي قوله سلام على الياسين والوجه الياس وقوله وطور سينين والوجه سيناء ومن خطإه في الضمائر وقوله في سورة الحج 19: 2 هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ والوجه اختصما في ربهما وقوله في سورة الأنبياء وأسروا النجوى الذين ظلموا والوجه وأسر النجوى وقوله في سورة الحجرات وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصحلوا بينهما والوجه اقتتلتا أو بينهم,

وبخلاف ما تقدم فإن الرأي العام عند العلماء الخالين من الغرض هو أن القرآن ليس بأفصح من كل الكتب العربية فبعضهم لا يفضله من حيث الفصاحة والبلاغة على المعلقات السبع وعلى مقامات الحريري وإن كانوا لا يتجاسرون على التصريح بذلك في البلاد الإسلامية على أن التاريخ ذكر أن كثيرين من علماء العرب أنكروا إعجازه من حيثية اللغة وقال السلطان إسمعيل في كلامه عن الإسلام إن عيسى ابن صابح المكنى بأبي موسى مؤسس شيعة المزدارية والمعروف بالمزدار كان يقول أن البشر يقدرون أن يكتبوا مثل القرآن في الفصاحة والبلاغة والروي وقال بخلقه ونشأ عن ذلك نزاع استفحل شره في حكم المأمون استمر من سنة 198 هجرية إلى سنة 218 وقال مؤلف كتاب شرح المواقف أن المزدار كان يقول كان ممكن للعرب أن يأتوا بأفصح من القرآن بكثير وقال الشهرستاني أبطل المزدار دعوى القرآن بالإعجاز من حيث الفصاحة والبلاغة والنظام يقول إن إعجاز القرآن ليس من حيث جمال عباراته بل من حيث أخباره بحوادث الماضي والمستقبل التي تضمنها وأن الذي صرف العرب عن مباراته هو عدم الإنصاف في الحكم بمضاهاته وادعائه بإحرازه السبق على غيره بغير حق مما ثنى عزيمته المناظرين عن الاهتمام بدعواه ولو وجدوا حكماً يقضي بينهم وبين صاحب القرآن لأتوا بمثله بدون نزاع,

نعم أن إخواننا المسلمين يعتبرون من قال منهم بعدم إعجاز القرآن مبتدعا ويسوءهم إعادة هذا القول إلا أننا لسنا نريد إساءتهم ولا إهانة كتابهم بل نقصد فقط أن نبين لهم بما لدينا من الأدلة أن مسألة إعجاز القرآن لم تقع موقع القبول والتسليم حتى عند العرب أنفسهم بل كانت من بدء الإسلام إلى الآن موضوع خلاف ونزاع أدى إلى التحزب والانشقاق فإن كان العرب ارتابوا في إعجاز القرآن وأنكروه حالة كونهم أرباب اللغة وأهلها فكيف يتعين على الأعاجم أن يسلموا بإعجازه ويتخذونه دليلاً على نبوة صاحبه فاحكموا,

ولنفرض كيفما كانت الحال أن القرآن أفصح كتاب عربي على وجه الأرض هل يلزم عن ذلك أنه كتب بالوحي أو هبط على محمد من سماء السموات لا يلزم ذلك أبداً لأنه في كل لغة راقية كتب عديمة المثال في لغتها الانكليزية لا يوجد أشعار كأشعار شكسبير وفي لغة الألمان تفردت قصيدة شيلر وغوث عن النظير وفي لغة الفرس فاق حافظ الكل في نوع من القصائد وفاق مولانا الرومي في نوع آخر وفي لغة السكريتية الهندية تجلت عن المثيل قصائد ريج فيدا ولم يدع كتبتها بالإعجاز لفصاحتها وبلاغتها ولا قالوا أنها وحي هبط عليهم من السماء,

وعليه ففصاحة الكتاب ليست دليلاً على كونه منزلاً من السماء لأنه على الأرض فصحاء كثيرون والفصاحة من الصناعات البشرية إنما الدليل سمو تعليمه لا تنسيق ألفاظه كما شرحنا في المقدمة وإلا لكان الهنود محقين في دعواهم عن كتابهم مع أنه قد ذكر فيه نحو ثلاثة وثلاثين إلهاً, ويكون الكتاب موحى به من الله باعتبار ما يتضمن من التعاليم الحقة والأفكار الصالحة والمبادئ الروحانية السامية ولا حاجة إلى الألفاظ إلا ما دعت إليه ضرورة البيان, وتسري هذه القاعدة على الكتب المؤلفة أيضاً فإن قيمتها الحقيقية تقاس بصلاح تعليمها وجوده مبادئها لا بزخارف ألفاظها وطلاوة عباراتها, فإن كان لا يزال يدعي المسلم بأن القرآن أفصح كتاب في الوجود وفصاحته معجزة تدل على أن محمداً رسول الله فنقول هذه دعوى لا يمكن إقامة الدليل عليها إلا إذا توفرت لدينا شروط هي من وراء مقدرة البشر لانه لا يتأتى لأحد أن يحكم بأسبقية القرآن على سائر الكتب في كل اللغات في الفصاحة والبلاغة ما لم يطلع على كافة الكتب واللغات ويقارن بينها وبين القرآن وهذا ما لا سبيل إليه ولا يتعرض أحد به مسكة من العقل لمشروع محال وعليه فليس من المعقول أن يتمسك المسلم بأهداب هذه الحجة الواهية مؤكداً أن ديانته نور وهدى لكل الناس وأن نبيه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين إلى غير ذلك من الدعاوى الطويلة العريضة وليس لديه من البراهين إلا فصاحة القرآن المزعومة التي لا يتهيأ لمخلوق أن يسلم بها لأنها تقتضي كما قلنا فحصاً لا يستطاع لو يكلف الأعمى أن يميز جميع الألوان التي في قوس قزح كان ذلك أيسر من أن يكلق البصير بفحص جميع الكتب التي في العالم في كل اللغات ليعلم عن بينة أي كتاب أفصح الكل وعليه فكل الدعاوي الإسلامية قائمة على هذا الأساس الباطل والبرهان الساقط,

ومع أننا لم نستطع أن نقرأ الكتب جميعها ونعلم كل اللغات للتمييز بينها وبين القرآن فقد قرأنا الكتاب المقدس ولله الحمد وأننا نقول بملء فينا أن كثيراً من أسفاره في لغتها الأصلية أفصح من أي قسم من القرآن ومن بين تلك الأسفار سفر النبي إشعياء والتثنية والمزامير وقد لا ينكر أحد هذه الحقيقة من علماء اللغات إلا إخواننا المسلمون ولو فتح الله عليهم ودرسوا اللغة العبرانية التي كتبت بها هذه الأسفار لاعترفوا هم أيضاً بهذه الحقيقة,

ونذكر هنا طريقة سهلة مستطاعة كل قارئ يقابل بها بين الكتاب المقدس والقرآن إذا كان يجهل اللغات الاصلية التي كتب بها الكتاب المقدس فليقرأ سفر النبي إشعياء أو غيره من الأسفار التي ذكرناها في أي لغة كاللغة التركية أو الفارسية أو الانكليزية أو الفرنساوية إلى غير ذلك ثم يقرأ أي سورة من القرآن في تلك اللغة فلا يلبث طويلاً حتى يتنازل عن دعواه وهو صاغر,

ولكن لنفرض بعد هذا كله أن القرآن يرجح على سائر الكتب في الفصاحة والبلاغة فلا يصح أن نتخذ رجحانه من هذه الحيثية دليلاً على كونه موحى به من الله لأنه لا مناسبة بين الفصاحة والوحي كما أنه لا يستدل بجمال المرأة على فضيلتها ولا بقوة الرجل على حكمته وإنما يعلم الوحي من غيره بما اشتمل عليه من صلاح العليم وملاءمة مبادئه لطبيعة الله القدوسة وكفائته لجبر نقائص البشر وشفاء أشواقهم الروحية كما شرحنا ذلك في موضعه,

قيل عن ماني الذي ادعى النبوة زاعماً أنه هو الروح القدس الذي بشر به المسيح أنه يأتي بعده أنه جاء بكتاب صور جميلة يدعي أرتنج وقال أن الله أعطاه الكتاب ليكون معجزة وبينة على أنه رسوله الأمين ونبيه الصادق وحجته على صحة دعواه أن لا أحد من البشر يقدر أن يرسم صورة مثل هذه الصور فهل لأنه لا أحد عمل كتاباً مثل كتابنه تقوم صحته ونؤمن به نبياً ورسولاً كلا بل غاية ما في الأمر نعترف له بإتقان صناعة الرسم والتصوير وعلى هذا القياس أن سلمنا بأنه لا كتاب في الدنيا يضاهي القرآن فصاحة فحسبنا أن نعترف لصاحبه بإتقان الفصاحة كما اعترفنا لماني بإتقان التصوير فالاعتماد إذاً لا على زخارف القرآن اللفظية بل على مشتملاته وهذا ما قصدنا أن نبحث فيه في الفصول الآتية,

الفصل الرابع

هل إذا فحصنا مشتملات القرآن

تفيدنا أنها من عند الله أوحى بها إلى محمد?

من أهم طرق الفحص التي بواسطتها نطلع على حقيقة القرآن أن نقرأ محتوياته بتأمل وإمعان نظر لأن مجرد استظهاره بدون تعقل معانية لا يكفي ولا يغاير محفوظات الببغاء الذي يكرر ألفاظاً ولا يدري ما يقول, أن الذين يؤمنون أن القرآن كلام الله وأنه نور وهدى للناس أقل ما يجب عليهم أن يتفقهوا معناه ويقفوا على حقيقته لإنارة قلوبهم وأذهانهم واعلم أن النور لا يليق به أن يوضع من وراء ستار من الباطل ولا تحت مكيال الخرافات والجهل بل يوضع على منارة التعقل والتروي ليضيئ من استضاء به ويهدي من اهتدى به فقراءة القرآن بتأمل وعناية وبفهم معناه مما يجب على كل مسلم ومهما يكن للقرآن من علو المنزلة فلا يظفر أحد بطائل من ورائه ما لم يفهم أقواله ويلزم الطاعة لأوامره ونواهيه ولكنا بعكس ذلك نجد جمهور المسلمين من قراء وسامعين قد اكتفى هؤلاء بتلاوته وتجويده بلحن مطرب واكتفى أولئك بالسمع ونشوة الطرب وأغرب من ذلك أنهم يتوقعون ثواب من الله من تلاوة واستماع بهذه الكيفية فتأمل, ومن العجب العجاب أن لا يتلى إلا بالعربية مهما يكن لسان الذي يتلوه وألسنة الذين يسمعونه وهذا ما لا يجوز أن يقابل به كتاب يقولون أنه منزل من عند الله فإنهم بهذه المعاملة لقرآنهم يشبهون ابن سبيل يسير في الدجى مخفياً مصباحه تحت طي ثيابه وكان ينبغي له ان يظهره ويرفعه أمام بصره ليتبين له الطريق,

وحيث أن إخواننا المسلمين يدعون للقرآن دعاوي عالية أن من أهم الأمور أن لا ينبغي أن يرفض الإنسان وحياً إلهياً فلذلك نرغب أن المفكرين من المسيحيين يدرسون القرآن درساً دقيقاً ليتعلموا ما يعلمهم إياه لئلا يرفضون النور والهدى والخلاص برفضهم له, وإذا درس المسلمون والمسيحيون الكتاب باعتناء فيكونون قادرين أكثر على معاونة أحدهم الآخر لمعرفة طريق الحق والسير في الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين,

واعلم أن أهم في القرآن ما جاء فيه عن ذات الله وأوصافه وتوحيده مثل كونه الإله الأزلي الأبدي القادر الحكيم العليم وأنه هو السميع البصير المتكلم فاطر السموات والأرض الرحيم العدل الكريم الصبور القدوس المحيي المميت الموصوف بجميع أوصاف الكمال المنزه عن النقائص والعيوب متعال عن الضعف والجهل والظلم والتغير,

ثم أنه يدعو الناس إلى الإيمان بتوحيده وينهي عن الشرك وعبادة الأصنام وينذر بالنشر والثواب والعقاب على الأعمال التي يعملها العبد في هذه الحياة الدنيا ويعد الصالحين بجنات تجري من تحتها الأنهار والأشرار بعذاب النار, وإن من أوفى محتوياته مقالاً وأوسعها مجالاً ما شهد به للتوراة والزبور والإنجيل أي أسفار العهد القديم والجديد الذي يجمعها الكتاب المقدس كما ذكرنا ذلك في المقدمة آمراً بالإيمان به وبالأنبياء والرسل الذين جاءوا به والذين لم يأتوا بكتب وعدم التفريق بينهم, ويحرم الرياء وأنه يحرم بعض الأشياء ويحل البعض الآخر, وينهي عن القتل والسرقة والزنا والحنث ويأمر بإنصاف اليتيم وبالإحسان إلى المسكين,

أما من حيث هذه التعاليم فالكل يسلمون بصوابها سواء كانوا مسلمين أو نصارى لأنها صالحة وكل صالح مصدره الأول الله بصرف النظر عما إذا كان جاء به نبي في كتاب موحى به أو ضمير أو بأي حالة أخرى وعليه فقبل أن نقبل دعوى محمد كنبي أو رسول يجب أن نبحث أولاً في هذه النقط (1) هل كان محمد أول من علم بوحدانية الله وبالحلال والحرام وبشر الخطية وثواب الآخرة وعقابها (2) أو هل تعليمه من هذه الحيثية أو غيرها كان أوسع وأرقى مما جاء به الأنبياء الأولون? إذ كان نتيجة وحي جديد يحتاج الحال إلى إرسال رسول آخر بكتاب غير الكتب السابقة ليقرر هذه الحقائق من جديد,

وعلى هذا السؤال نجيب فنقول: إن جميع هذه الحقائق التي ذكرها القرآن أخيراً جاءت من قبل في الكتاب المقدس مفصلة تفصيلاً ليس من وراءه من مزيد ونودي بها في أنحاء كثيرة من المسكونة حتى بلاد العرب نفسها لم تعدم نصيباً من معرفة وحدانية الله وعظمة صفاته من قبل أن يخلق محمد وأجداده الأولون هل من يجهل أن وحدانية الله مثبوتة في فصول العهد القديم والجديد من أولها إلى آخرها الكل يعلمون ذلك ويؤكدون أن هذه العقيدة أساس الإيمان عند النصارى كما هي عند اليهود وكذا العقائد الأخرى مشروحة شرحاً وافياً في الكتاب المقدس مثل كون الله هو خالف السموات والأرض وعرف ذلك كل من خالط اليهود والنصارى من الشعوب الآخرين كما دلت آثارهم فإنهم اكتشفوا كتابات منقوشة على صخور في بلاد الفرس لداريوس الملك يحرض قومه على الإيمان بأن الله هو الخالق عز وجل وذلك من قبل التاريخ المسيحي بخمسمائة سنة وقبل محمد بأكثر من ألف سنة,

فلو كان محمد هو أول من قال بوحدانية الله لوجب علينا بدون نزاع أن نؤمن به أما وقد سبقه إلى ذلك كثيرون من قديم الزمان فليس له علينا حجة وأقل ما نقول في هذا الصدد أن العرب من قبل مولده كانوا يؤمنون بإله واحد عظيم يدعونه الله تعالى ويدعون الكعبة بيت الله , واعلم أن كلمة الله متى وردت محلاة بال التعريفية دلت على الإله الحق الواحد وقد ذكرتها العرب محلاة بأل التعريفية كما مر بيانه ونعلم ذلك حتى أن اسم أبي محمد عبد الله الذي مات قبل أن يولد ابنه يتضمن اسم الله معرفاً بأل فثبت الإيمان بوحدانيته تعالى, ولا ننكر أن العرب في الجاهلية كانوا يعبدون آلهة مع الله يعبدونها كوسطاء وشفعاء يقربونهم إليه وبهذا المعنى جعلوها كشركاء له تعالى ومع هذا فكان لا يزال يوجد بين هؤلاء المشركين موحدون, ولو فرضنا أن محمداً لم يسمع قط من وثني العرب عن وحدانية الله لكفاه ما سمعه من العرب المتنصرين والمتهودين ومن النصارى واليهود النازلين في بلاد العرب في ذلك الزمن, ولعلك لست جاهلاً أن محمداً سافر إلى سورية لا أقل من مرتين وخالط وعامل أهلها وكانوا حينئذ يدينون بالنصرانية ووقع ذلك من قبل أن يدعي الرسالة, أما سفره الأول فحدث وهو ابن تسع سنوات برفقة عمه أبي طالب وأما سفره الثاني فحدث وهو ابن خمس وعشرين سنة برفقة مملوك لخديجة يدعي ميسرة ولا ينكر أحد أن كثيراً من أقاربه وأصحابه كانوا يهوداً ونصارى ناهيك عن زوجته مارية القبطية ومن هؤلاء ورقة بن نوفل كان تابعاً لمذهب الحنفاء ثم صار مسيحياً واطلع على التوراة والإنجيل (انظر سيرة الرسول مجلد أول) ومنهم عثمان بن حويرث الذي تنصر في بلاد القيصر بالقسطنطينية وكلا الشخصين حسب سلسلة الأنساب التي دونها ابن هشام هما أبناء عم خديجة وكان رجل من الحنفاء يدعى عبيد الله ابن جحش قد أسلم وهاجر إلى الحبشة ولكنه لم يلبث حتى تنصر ثم توفي وتزوج محمد بأرملته المدعوة أم حبيبة, وكان من جملة صحابته سليمان الفارسي الذي يقول عنه البعض أنه من نصارى بين النهرين ولما أخذ في السبي إلى بلاد الفرس اعتنق مذهب زردشت ويقول آخرون وهو الرأي المعول عليه أنه فارسي وزردشتي مولداً ومنشأ لكنه اعتنق الدين المسيحي فيما بعد في بلاد سورية وبعدها سافر لبلاد العرب ثم أسلم وصاحب محمداً وهو الذي أشار عليه عند هجومه إلى الطائف بإقامة المتاريس لهدم مبانيه اوكذا أشار عليه بحفر الخنادق حول المدينة لحمايتها من هجمات قريش وحلفائهم في السنة الخامسة للهجرة, ومنهم عبد الله بن سلام وكان من قبل أتباعه لمحمد عالماً يهودياً وحبراً من أحبار اليهود وروى عنه العباسي (1) (لعل صوابه ابن عباس اه صحيح) والجلالان في تفسيرهما أنه هو الرجل المشار إليه بقوله وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ (سورة الأحقاف 64: 10) يريد الاتفاق بين الأسفار المقدسة وبين القرآن, وذكر العباسي أن عبداً مسيحياً يسمى يسار أو أبو فكيهة ورجلاً آخر رومياً دعته العرب أبو تقبيحة اتهمهما الناس بأنهما أعانا محمداً على تأليف القرآن وأملياه عليه وأشار القرآن إلى هذه التهمة في سورة الفرقان حيث يقول وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَّوَلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرةً وَأَصِيلاً (سورة الفرقان 25: 4 و5) وقال العباسي أيضاً في تعليقه على سورة النحل 16: 103 وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌُّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ما معناه أن الرجل الأعجمي الذي زعموا أنه علم محمداً القرآن رجل مسيحي يدعى قاين وذهب الجلالان أن الآية تشير إلى شخصين آخرين وهما يسار وجبرا وقال بعضهم بل تشير إلى سلمان الفارسي وآخرون إلى صهيب وآخرون إلى راهب اسمه عداس ناهيك أن زيداً الذي تبناه محمد كان سوري الجنس مولداً ومنشأ (1) (كذا في الأصل لكن المصحح يظنه بعيد الاحتمال) وعليه فقد كان يدين بالمسيحية ولعل إشارة القرآن كانت إليه,

فإذا اعتبرنا هذه الأخبار التي صراحتها لا تحتاج إلى محاورة ولا جدال نجد أنه لا يمكن بالكلية أن تنسب التعاليم التي جائت في القرآن من حيث وحدانية الله والقيامة والثواب والعقاب إلى غير ذلك مما تقدم ذكره إلى محمد بدليل ورودها في الكتاب المقدس أي التوراة والإنجيل من قبل محمد بقرون كثيرة وعليه نحكم أنه اقتبسها من هذا الكتاب بمعرفة هؤلاء الصحابة والأعوان ونحن لا نذمه على اقتباسه هذه التعاليم من التوراة والإنجيل بل بالحري نشكره غير أن وجود هذه الحقائق في القرآن لا يثبت إعجازه ولا هو دليل على وحيه,

وكثيراً ما قالوا أن البرهان القاطع على نبوة محمد انباؤه بأمور كثيرة مستقبلة في القرآن وقد تمت وهذا يدل طبعاً أنه من عند الله لأنه لا يعلم الغيب إلا هو ويريدون حجتهم هذه بما ورد في سفر التثنية 18: 21 و22 وَإِنْ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: كَيْفَ نَعْرِفُ الْكَلَامَ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّبُّ? فَمَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ بِا سْمِ الرَّبِّ وَلَمْ يَحْدُثْ وَلَمْ يَصِرْ? فَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّبُّ? بَلْ بِطُغْيَانٍ تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ? فَلَا تَخَفْ مِنْهُ فمن الواجب علينا أن نفحص باعتناء الآيات القرآنية التي يزعمون أنها تتضمن أنباء عن حوادث كانت ستحدث في المستقبل عندما أملاها محمد لكتبته,

لو اتفق المسلمون أن القرآن تأليف محمد وكتب بالوحي وليس كما يقولون أنه أملاه له جبرائيل لكانت حجتهم أقوى,

وقد أحصوا الآيات الإنبائية في أثنين وعشرين خبراً وردت في المواضع الآيتة (سورة البقرة 2: 21 و22 و88 و89 وسورة آل عمران 3: 10 و107 و108 و144 وسورة المائدة 5: 71 وسورة الأنفال 8: 7 وسورة التوبة 9: 14 وسورة الحجر 15: 9 و95 وسورة النور 24: 54 وسورة القصص 28: 85 وسورة الروم 30: 1-4 وسورة فصلت 41: 42 وسورة الفتح 48: 16 و18-21 و27 و28 وسورة القمر 54: 44 و45 وسورة الصف 61: 13 وسورة النصر 110: 1 و2) ولا يخفى على القارئ الفطن أن هذه النبوات المزعومة تنقسم إلى ثلاثة أقسام الأول ما يشير إلى انتصارات محمد والثاني ما يشير إلى القرآن نفسه والثالث وهي نبوة واحدة تشير إلى الروم ولنتأمل في هذه الأقسام بالتتباع على وجه مختصر,

فنقول أما من جهة النبوات بانتصارات محمد فلا تحتاج إلى بحث كثير لأنه لا يمكن إقامة الدليل على أنها كتبت أو نزلت كما يقولون من قبل وقوع الحوادث التي قال المفسرون أنها تشير إليها ولكن نسلم جدلاً أن تلك النبوات كتبت قبل الوقائع الدالة عليها فلا يترتب على ذلك شيء عظيم لأنه ليس بالأمر المستغرب أن يعد محمد قومه بالنصر في مقدمة كل حرب بل هذه خطة الفواد العظام يبشرون جيوشهم بالنصر تشجيعاً لهم على خوض غمار الحرب بقلب رابط الجأش ولا بد أن تدور الدائرة على أحد القائدين المتحاربين فهل يجوز للقائد المنتصر أن يدعي النبوة بناء على كونه سبق فوعد قومه بالنصر من قبل, كلٌّ يعلم أن القائدين جنكيز خان وتيمورلنك مثلاً بشرا عساكرهما بالفتح المبين والغنم العظيم وقد تمت بشراهما وانهزمت الأعداء فهل كانا لأجل هذا من أنبياء الله ورسله? على أن أنباء محمد بانتصاراته يرجى تحقيقها عند جنوده أكثر مما يرجى تحقيق أنباء القواد الآخرين عند جنودهم لأن أولئك كانوا يؤمنون بأن قائدهم رسول الله المؤيد بقوته غير المتناهية وهذا يولد في نفوسهم البسالة والإقدام بكيفية عديمة المثال في الحروب الاعتيادية كما جرى في واقعة الوهابيين وفي واقعة المهدي وخليفته في الأقطار السودانية التي كانت لا محالة يستفحل شرها لولا قد دهمتها وهي في مهدها ضربة قاضية من الجيوش المنتظمة ذوي العدد المستكملة مما لم يلق محمد مثله في زمانه الغابر,

ولزيادة الإيضاح نتأمل في غزوة بدر إحدى غزوات محمد لأن بعضهم يطبق عليها ما ورد في سورة القمر 54: 44 و54 حيث يقول أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ قال البيضاوي في تفسيره لسورة الأنفال آية 5 ما معناه أن أبا سفيان مع تسعة وثلاثين راكباً كانوا يحرسون قافلة آتية من سوريا فأعلم جبريل محمداً بخبرها وقلة حرسها مع وفرة ثروتها فقام محمد لساعته وحرض رجاله بأن يهجموا على تلك القافلة ويسلبوا ثروتها فلما بلغ الخبر أهل مكة قادهم أبو جهل إلى بدر وإذ سمع رجال محمد بذلك خشوا العاقبة ولاموا محمداً على عدم إنذارهم بذلك من قبل ليأخذوا لأنفسهم الأهبة اللازمة وودوا لو يجدون في طلب القافلة فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فاعتذر بأن الله وعده بالغلبة على إحدى الطائفتين إما القافلة أو العدو وقال البيضاوي أيضاً في تفسيره لآية 6 من السورة عينها ما معناه أن المسلمين احجموا أولاً عن محاربة قريش في هذه الواقعة لأنهم يزيدون عنهم عدداً وسلاحاً ولم يكونوا مستعدين للحرب حينئذ, وقال في تفسيره لسورة القمر آية 44 و54 ما معناه أن عمر لم يكن يعلم معنى هذه الآية حتى الساعة التي لبس فيها محمد درعه وخرج للقتال في ذلك اليوم, أما كون المسلمين خشوا بأس قريش في بادئ الأمر فظاهر من سورة الأنفال 8: 6 يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقوُنَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ,

وقال ابن هشام عن واقعة بدر ما معناه لما علم رسول الله بقدوم جماعة أبي سفيان من سورية حرض رجاله ليوقعوا بهم وقال لهم هاكم قافلة قريش تحمل أمتعتهم فاحملوا عليهم عسى الله أن يدفعهم إلى يدكم فتحمس بعضهم وأحجم البعض الآخر إذ لم يخطر في خلدهم أن رسول الله يتقدمهم في المعركة ولما دنا أبو سفيان من الحجاز أخذ يسأل في طريقه كل من مر به عن قوم محمد لأنه أوجس خيفة على قافلته من شرهم إلى أن بلغه خبرهم بالتفصيل فاستأجر ضمضم بن عمرو الفغاري وأوفده إلى مكة بحشد قريش ويبادر بهم إليه لحماية أموالهم من هجمة محمد فأقبل جند عديد منهم للغاية المذكورة, وورد في كتاب حياة القلوب تعليقاً على الروايتين السابقتين ما معناه أن محمداً أظهر لقومه أن القافلة لا يمكن إلحاقها إذ قد بعدت عنهم وأن قريشاً قادمون نحوهم ويأمرهم الله بالجهاد في سبيله ضد هؤلاء القوم الكافرين فما بلغهم ذلك حتى هلعت قلوبهم من شدة الخوف وقال في غير موضع لما سمع قوم محمد بكثرة عدد قريش وقع الرعب في قلوبهم وصاحوا مولولين فأخذ محمد يشجعهم ويبث فيهم روح البسالة والإقدام مكرراً عليهم سورة القمر 54: 44 و45 حيث يقول أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ وهذه على نحو ما يقول كل قائد لجنوده يوم يلتئم الجمعان وتحتدم نار الحرب إلا أن محمداً زاد عن القواد أن عزة قوله إلى مصدر صماوي ليقوي رجاءهم فحاربوا بشجاعة ونالوا النصر وليس ذلك من النبوة في شيء كما رأيت,

ثم نتقدم إلى القسم الثاني من نبوات القرآن المزعومة وهي التي تتعلق بالقرآن نفسه ظن قوم أن بقاء القرآن سالماً من التحريف بالزيادة والنقصان كان تتميماً لقوله في سورة الحجر 15: 9 إِنَّا نَحْنُ نَّزَلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قال صاحب كتاب إظهار الحق أي حافظون له من الزيادة والحذف الخ بواسطة القراء وقد تم ذلك فإنه منذ تنزيله إلى عصرنا الحاضر لم يجترئ كافر من الكفرة الملحدين ولا مترف من القرامطة أن يمسه أقل مساس في المعنى أو اللفظ أو حركات الضبط, غير أن الذين فطنوا إلى ما قدمناه في الفصل الثالث من الجزء الثاني من هذا المؤلف يذكرون حكاية ما فعله عثمان ثالث الخلفاء الراشدين بالقرآن وكيف أنه أحرق جميع النسخ القديمة مما يدل بلا نزاع على وقوع اختلاف بين نسخ القرآن لا يمكن إخفاؤه إلا بحرق القديم منها فكيف نضرب عن ذلك صفحاً ونقول أن القرآن باق على ما نزل وعدا حادثة الحرق نقول إن كان القرآن باقياً على ما كان عليه حقيقة فماذا يكون ظنك حينئذ بالأحاديث الصحيحة الشاهد بوقوع التغيير في نسخه من ذلك قول محمد رحم الله فلاناً لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتهن ويروى انسيتهن ومن الآيات الساقطة التي لم يتفق له من يذكره إياها آية المتعة أسقطها علي وهذا ما حدا بعائشة أن تلومه وتقرعه على هذا الفعل الذميم فقالت أنه يجلد على القرآن وينهي عنه وقد بدله وحرفه ومنها آية الرجم وما كان يقرأه أبي بن كعب وفقد من القرآن المتداول اليوم وهو قوله اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك الخ وعليه نقول إن كانت آية إِنَّا نَحْنُ نَّزَلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ نبوة كما يزعمون فهي نبوة لم يتبين صدقها فإذا القسم الأول والثاني من نبوات القرآن المدعى بها مما يختص بانتصارات محمد وببقاء القرآن على أصله وصونه من التحريف لم ينطبق عليها حكم النبوات الصحيحة,

بقي علينا أن نتكلم عن القسم الثالث من النبوات المحكي عنها وهي التي تشير إلى انهزام الروم ثم غلبتهم وهي واقعة في أربع آيات وننقل لفظها هنا للتفكير الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (سورة الروم 30: 1-5) زعم قوم من المفسرين أن هذه الآيات نبوة صريحة بالمستقبل دالة على صحة رسالة محمد وقالوا أن الآية الأولى منها تدل على انكسار الروم في سورية أمام الفرس في ملك خسروبرويز ولما بلغ خبر انتصار الفرس على الروم فرح المشركون وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون فقد ظهر إخواننا على إخوانكم فلنظهرن عليكم فعند ذلك نزلت الآية التالية وهم من بعد غلبنهم سيغلبون في بضع سنين وروي أن أبا بكر عقد مراهنة بينه وبين أبي بن خلف أن هذه الآية ستتم في ظرف ثلاث سنين لكنه لما علم من محمد أن كلمة بضع المشار إليها في الآية هي كناية عن عدد قليل يترواح بين الثلاثة والتسعة بجل الشروط المتفق عليها من حيث المدة وقالوا أن الروم غلبت بعد سبع سنين وربح أبو بكر المراهنة وقبض قيمتها من ورثة أبي الذي كانت أدركته الوفاة وقتئذ هذا ما حكوه لتأييد نبوة القرآن المتعلقة بالروم وفارس والآن اسمح لي أيها القارئ العزيز أن نتبين صحة هذه الحكاية مع التسليم بأن الآية المشار إليها كتبت قبل واقعة الحرب وظهور النتيجة وأنها باقية على ما كانت عليه,

نعلم من التاريخ أن فارس هزمت الروم في أرض سورية في السنة السادسة قبل الهجرة الموافقة لسنة 615 ميلادية وإذ تمت هذه الحادثة وغلبت الروم في أدنى الأرض بلغ هذا الخبر إلى مكة في أيام قليلة قال البيضاوي في تفسيره ما معناه أن تلك النبوة تمت يوم انتصر الروم على فارس وكان ذلك في يوم الحديبية, ونعلم أن معاهدة الحديبية تمت في ذي القعدة من السنة السادسة بعد الهجرة الموافقة شهر مارس سنة 628 ميلادية فإن صح تفسير البيضاوي وكانت غلبة الروم في السنة الثانية عشرة بعد انهزامهم خلافاً لما جاء في القرآن من أن بين الحادثتين بضع سنين والبضع لا يزيد عن تسع وعليه فلم تتم النبوة على أن ليس من النوادر البالغة حد الإعجاز أن يخبر أحد أية الدولتين تحرز الغلبة فإن هذا يمكن معرفته بدون تكليف جبريل بأن يأتي بوحي من السماء بل يعرف ذلك بمضاهاة الدولة الواحدة بالأخرى فمن كا نت أكثر رجالاً وأوفى عدة وأعلا همة فهي الغالبة لا محالة حتى وإن غلبت في بادئ الأمر, لهذا لنا الحق أن ندعي بأن محمداً أنبأ بانتصار الروم أخيراً من تلقاء نفسه بمجرد رأيه الثاقب وذكاء فكره إسوة بكثيرين من ذوي الآراء الصائبة وقيل في الأمثال ظن العاقل أصح من يقين الجاهل, عدا ذلك نقول أنه من المحتمل ان يكون أبو بكر راهن صاحبه على انتصار الروم من قبل أن يشاور محمداً فإن صح هذا الاحتمال كان أبو بكر نبياً أيضاً كمحمد لأنه تأكد أن الروم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين حتى أنه عقد مراهنة على هذه النتيجة فتأمل, أما الحقيقة الناصعة فهي أنه لا قول أبي بكر ولا قول محمد من النبوة في شيء بل إنهما كرجلين مدربين بمرور السنين ومحنكين بمشاهدة الوقائع لاحظا أن دولة الفرس كثر فيها الاضطراب والهرج وأخذ منها الضعف والاختلال كل مأخذ بدليل تولية الملوك عليها وسقوطهم في زمن قصير فإنه ما بين موت أنوشروان سنة 587 ميلادية وبين سقوط يزدجرد الثالث سنة 642 ميلادية ملك على الفرس لا أقل من أربعة عشر ملكاً ومات أكثرهم قتلاً بعد تمليكهم بزمن قصير وحدث في السنين الخمس التي ما بين ملك خسروفرويز (سنة 227 ميلادية) وبين تولية يزدجرد أنه قد ملك نحو أحد عشر ملكاً فكل من له مسكة من العقل يحكم لأول وهلة أن دولة كهذه لا تقوى على الروم فليس بعظيم على محمد أن يعرف هذه النتيجة الضرورية على أن محمد لم يعين بالضبط عدد السنين التي تكون الغلبة من بعدها بل أتى بعدد مرن يتمدد وينكمش فقال بضع سنين محتاطاً لنفسه لئلا تمسك عليه غلطة ومع ذلك فأخطأ الحقيقة بالرغم عن احتياطه ولو مددنا بضعاً إلى أقصىحدودها لأن الروم لم يغلبوا فارس قبل مرور عشرة سنين لا تسع بعد انهزامهم على أقل تقدير,

ومما يؤكد لنا أن محمداً كان عالماًبضعف الفرس من قبل أن يطلع على آية الروم بسنين كثيرة ما رواه ابن هشام في سيرة الرسول قال ما معناه عقد محمد وروساء قريش مؤتمراً في مكة قبل الهجرة واجتهد في أن يستميلهم إلى الإقرار بالكلمة الأولى من الشهادتين واطراح الشرك واعداً إياهم بعلو المنزلة على العجم والعرب إلى أن قال يا عم كلمة واحدة تعظونيها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ,

ومع هذا كلهفإن البيضاوي كفانا مؤونة هذا البحث وأراحنا من المناظرة فيما إذا كانت آية الروم نبوة كما زعموا أم لا وذلك لأنه يروي لنا خبر اختلاف قراءة تلك الآية إذ يقرأها بعضهم هكذا غلبت (مبنياً للمعلوم) عوض غلبت (مبنياً للمجهول) وسيغلبون (مبنياً للمجهول) عوض سيغلبون (مبنياً للمعلوم) فتكون جملة الآية هكذا غَلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلبتهم سيُغلبون في بضع سنين فإن صحت هذه القراءة بطلت دعوة الذين يدعون باشتمال هذه الآية على معجزة الإنباء بالمستقبل وكانت حكاية المراهنة التي زعموا أن ابا بكر عقدها مع أبي حديث خرافة لأن أبيا كان قد مات قبل انتصار المسلمين على الروم بل قبل انتصار الروم على الفرس بسنين كثيرة ومن هنا نعلم شطط الحديث ووهنه وهو عندهم مصادر الثقة وقال البيضاوي في تفسيره آية الروم بحسب القراءة الثانية ما معناه أن الروم انتصروا على ريف الشام ثم أن بقية الآية تبشر بانتصار المسلمين عليهم في بضع سنين وبموجب هذا التفسير يلزم أن يكون الحديث الذي اثبتوا به نزول الآية المذكورة قبل تاريخ الهجرة بست سنين غير صحيح لأنها تكون قد نزلت بعد ذلك باثنتي عشرة سنة على الأقل والحاصل أن الاستدلال على كون محمد رسول الله بإنبائه عن حادثة مستقبلة كما يزعمون استدلال باطل, أولاً لأن تاريخ نزول الآية المتضمنة الإنباء بالمستقبل غير معلوم بالضبط, ثانياً لأن قراءتها الصحيحة غير معلومة أيضاً, ثالثاً لا يمكن أن يتبين من معنى الآية المذكورة أن شيئاً من النبوة قد تم,

مما تقدم يظهر أن ما بناه المسلمون من إثبات رسالة نبيهم على براهين النبوات المزعومة في القرآن قد سقط من أصوله لدى الامتحان الدقيق ولما كانت الأشياء تعرف بأضدادها علينا أن نقارن بين نبوات القرآن المذكورة وبين نبوات الكتاب المقدس وما كان منها بخصوص المسيح في العهد القديم وما كان بخصوص اليهود في كلا العهدين أو تلك النبوات التي في سفر الرؤيا مثل 9 و14: 6,

ومن البراهين التي يقدمونها على كون القرآن موحى به من الله ما يدعونه من اشتماله على أخبار الأمم البائدة منذ قرون كثيرة, أما هذه الدعوى فلو صحت لكانت ذات أهمية عظمى في إثبات ما أرادوا أن يثبتوه فعلينا أن نعرضها على بساط البحث والتنقيب كتاجر حريص ينقد الدراهم التي يتعامل بها خشية من أن تكون مزيفة فيندم حيث لا ينفع الندم أما الذهب النقي فيدفع به صاحبه إلى يد الناقد غير هياب ولا وجل لأنه كيفما يمتحن يتزكى ويحمد حتى إذا طرح في نار حامية فهل يا ترى تحتمل أخبار القرآن التاريخية نار الامتحان كذهب خالص أو تحرق من قليل الشرر كهشيم العشب,

ولنبدأ بحكاية عاد وثمود قبيلتين من العرب ذكرهما القرآن فنقول أننا نعلم بوجودهما من كاتبين من قدماء اليونان وهما بطليموس وديودورس سيسلوس وزاد القرآن عما ذكراه شيئاً يسيراً في قصة تينك القبيلتين, وأن كثيرين من المكتشفين المحققين الذين نبغوا في العصر الحاضر أثبتوا باكتشافاتهم ما وراه الكتاب المقدس عن قدماء المصريين وبابل وأشور أما عاد وثمود فلم يثبت أحد ما حكاه القرآن عنهما حتى ظن كثير من العلماء الباحثين أن محمداً نقل خبرهما من كتب الصابئين (1) (انظر ملاحظة الكندي عن عاد وثمود في رسالته من طبعة لندن) التي دعاها في قرآنه صحف إبرهيم (سورة الأعلى 87: 19) ويظهر أنه فيما بعد قد علم أن هذه الصحف مزورة فلم يعد يذكرها مدة أربع سنين بعد ادعائه الرسالة أما من جهة هود وصالح وشعيب فمن المحتمل أن يكونوا مبشرين مسيحيين جاءوا بلاد العرب يكرزون لها بالإنجيل ومن المحتمل أن يكونوا غير ذلك حيث أنه لم يذكرهم أحد من المؤرخين ولا غيرهم سوى القرآن أما تاريخ الزمن الذي وجدوا فيه إن كانوا وجدوا حقيقة فغير معلوم, وقال بعض العلماء إذا كان القرآن لم يصب كبد الحقيقية في ما رواه عن الأشخاص المعلوم وجودهم من التاريخ قبل الإسلام يقرون فلنا حق أن نزعم أيضاً بأن ما رواه عن عاد وثمود وطسم وجديس وهود وصالح وشعيب الخ ليس بصحيح إلا إذا كان يُقام عليه الدليل, ومن أمثلة ما اخطأ القرآن في سرد أخباره إبرهيم فإنه يروى عنه كثيراً مما لا يوافق ما جاءت به التوراة التي يشهد لها أنها نزلت من عند الله مثل حكاية طرحه في النار وخروجه منها سالماً التي إنما هي خرافة يهودية أخذها عنهم بغير تثبت من أصلها, قال صاحب مصادر الإسلام ما معناه منشأ هذه القصة اشتباه بعض المفسرين الجهلة بين لفظة أور بلغة البابليين القديمة التي معناها مدينة الواردة في قوله تعالى خطاباً لإبراهيم أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ (تك 15: 7) وبين كلمة أور التي معناها نار في اللغة الكلدانية فظن ذلك المفسر أن الرب أخرج إبراهيم من نار الكلدانيين لا من مدينتهم فاضطر حينئذ إلى تمهيد الخبر بتلك القصة السخيفة ووردت كلمة أور بمعنى مدينة في قوله أورشليم أي مدينة شليم وأخطأ القرآن في تسمية أبي إبراهيم آزر (سورة الأنعام 6: 74) وهو تارح (تك 11: 26) ثم قال في سورة الأعراف ما معناه أن الله أرسل الطوفان على المصريين في عصر موسى وذكر الطوفان محلى بال التعريب في هذا الموضع يحملنا على الظن بأنه عنى طوفان نوح الذي ذكر في السورة عينها (انظر آية 132 و63) ومن خطإه الفاضح أن التبست عليه مريم ابنة عمران (سورة آل عمران 3: 33-44) وأخت هارون (سورة مريم 19: 29 مع خر 15: 20 وعد 26: 59) بمريم أم المسيح (انظر سورة التحريم 66: 12) وبين الأولى والثانية زهاء ألف وأربعمائة سنة قال الإمام مسلم في صحيحه ما معناه أن نصارى نجران انتقدوا على القرآن هذه الغلطة التاريخية أمام المغيرة فتشاور مع محمد بهذا الصدد ولكنه لم يقف منه على جواب شاف ومن وقتها إلى الآن انقضت ألف وثلثمائة سنة على القرآن وهو يدرس ويشرح إلا أنه لم يتوفق لأحد من العلماء أن يزكيه بإزاء هذا الشطط التاريخي الصريح,

وجاء في سورة الكهف 18: 64-99 سيرة ذي القرنين قال البيضاوي وابن هشام أنه اسكندر الكبير المكدوني وهذه عبارة البيضاوي حرفياً وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ (يعني اسكندر الرومي ملك فارس والروم وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقيها وغربها وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس وقيل كان له قرنان أي ضفيرتين وقيل كان لتاجه قرنان ويحتمل أنه لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه),

إن اسكندر عمر جيلين كما زعم البيضاوي فما كان أقصر أعمار أهل زمانه إذ أنه توفي ابن ثلاث وثلاثين سنة على أثر ارتكابه فسقاً بسكر في مدينة بابل سنة 323 ميلادية ولم يكن نبياً كما زعم القرآن ولا مؤمناً من عامة المؤمنين إنماكان من عباد الأصنام وادعى أنه ابن إله المصريين أمون, وأما حكاية أنه بلغ مغرب الشمس ووجدها تغرب في عين حمئة أو حامية حسب قراءة بعضهم فمن مختلق الحديث (سورة الكهف 18: 87) لأن الشمس لا تدور حول الأرض بل الأرض تدور حولها كما هو معلوم وكذلك لا صحة لما رواه القرآن عن السد الذي بناه من زبر الحديد والقطر (النحاس) بين جبلين مأهول أحدهما بأمة صالحة والآخر بأمة متوحشة (سورة الكهف 18: 95) ومع ذلك فيجزم البيضاوي مع رفقائه المفسرين إن ذا القرنين ما هو إلا اسكندر المكدوني المعروف ولعل الذي حملهم على ذلك التأكيد ما ورد في نبوة دانيال 8: 3 و4 من سيرة الكبش ذي القرنين الذي كان ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً ولم يقف أمامه أحد فظنوا أنه رمز إلى اسكندر وسموه ذا القرنين والحقيقة بخلاف ذلك لأن الأصحاح نفسه يبين أن ذلك الكبش يرمز به لا إلى اسنكدر بل إلى اتحاد مملكتي مادي وفارس وعلى ذلك قوله أَمَّا الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ (دا 8: 20), وأما اسكندر فمرموز إليه في الأصحاح عينه بتيس ذي قرن واحد بين عينيه وصرح بأنه غلب الكبش أي مملكة مادي وفارس وعلى ذلك قوله: رَأَيْتُ الْكَبْشَ يَنْطَحُ غَرْباً وَشِمَالاً وَجَنُوباً فَلَمْ يَقِفْ حَيَوَانٌ قُدَّامَهُ وَلَا مُنْقِذٌ مِنْ يَدِهِ? وَفَعَلَ كَمَرْضَاتِهِ وَعَظُمَ. وَبَيْنَمَا كُنْتُ مُتَأَمِّلاً إِذَا بِتَيْسٍ مِنَ الْمَعْزِ جَاءَ مِنَ الْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الْأَرْضِ وَلَمْ يَمَسَّ الْأَرْضَ? وَلِلتَّيْسِ قَرْنٌ مُعْتَبَرٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَجَاءَ إِلَى الْكَبْشِ صَاحِبِ الْقَرْنَيْنِ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفاً عِنْدَ النَّهْرِ وَرَكَضَ إِلَيْهِ بِشِدَّةِ قُّوَتِهِ. وَرَأَيْتُهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى جَانِبِ الْكَبْشِ? فَا سْتَشَاطَ عَلَيْهِ وَضَرَبَ الْكَبْشَ وَكَسَرَ قَرْنَيْهِ, وَا لتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ? وَا لْقَرْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الْأَّوَلُ (دا 8: 4-7 و21), ومما مهد الأسباب لعلماء المسلمين أن يعبتروا ذلك الكبش رمزاً إلى اسكندر هو أن كلمة الكبش تطلق في العربية على سيد القوم والحاصل أن كل ما قاله القرآن عن ذي القرنين الذي يعني به اسنكدر المكدوني لا أثر له في تاريخ الملك العظيم الذي دونه كثير من مشاهير المؤرخين وهذا ما حدا بالعلماء أن لا يثقوا بالأخبار التارخية المنقولة عن القرآن,

ومن خطإه في التاريخ أنه أخبر بأن المرأة التي تبنت موسى هي امرأة فرعون (سورة القصص 28: 9) بينما موسى نفسه وهو أعلم بمن ربته من محمد قال انها ابنة فرعون لا امرأته (انطر خر 2: 5-10) وجاء ذكر هامان مقترناً بفرعون في مواضع جمة من القرآن كخادمه ووزيره والحقيقة لم يكن لأحدهما أقل علاقة بالآخر فإننا نعلم من سفر أستير أن هامان كان حبيباً وخليلاً لأحشويرش ملك فارس الذي يدعوه اليونان زركسيس وعاش في بلاد فارس لا في مصر بعد فرعون موسى بمئات من السنين, ومن غلطاته أنه قال أن فرعون أمر هامان أن يبني له صرحاً يمس السموات كما في سورة غافر وهذا خطأ وصوابه أن هذا البرج أو الصرح لم يبن في مصر بل في بابل من قبل فرعون بقرون كثيرة (انظر تك 11: 1-9),

وجاء في سورة (طه 20: 78 و96) أن العجل الذي عبده بنو إسرائيل في البرية في وقت موسى قد علمه لهم السامري وهذا خطأ فاضح لأن مدينة السامرة المنسوب إليها هذا الرجل لم تكن بعد في الوجود وقد بنيت بعد موسى بمئات من السنين (انظر 1 مل 16: 24) ولعله التبس على كاتب هذه السورة العجل الذي عبده بنو إسرائيل في البرية بالعجلين الآخرين اللذين عبدوهما بعد زمن داود وسليمان (1 مل 12: 28) حتى أن هذين العجلين كانا قبل أن تبنى مدينة السامرة ولما بنيت السامرة كانت عاصمة للمملكة السامرة وهذه الحقيقة هي التي بنيت عليها هذه القصة,

وجاء في سورة البقرة 2: 25-252 حكاية داود مع جليات الجبار مشوشة بحكاية فرقة جدعون التي امتحنها بالشرب من النهر عندما حارب المديانيين وبين الحكايتين زمن مديد وفي سورة الكهف 18: 8-26 وردت قصة أهل الكهف وهي حكاية مكذوبة صنفها أصحاب البدع من طوائف النصارى وخلاصتها أن سبعة شبان مسيحيين هربوا من اضطهاد أحد قياصرة الروم المدعو دقيانوس واختبأوا في مغارة فرقدوا نحو 300 سنة ولما استيقظوا وجدوا كل شيء قد تغير وكان الأمبراطور حينئذ ثيودوسيوس وهو رجل مسيحي فاندهشوا غاية الاندهاش إذ بين ليلةوضحاها انقلبت الأحوال رأساً على عقب وقد وردت هذه القصة في كتاب لاتيني اسمه مجد الشهداء تأليف غريغوريوس, كما أثبت ذلك صاحب كتاب مصادر الإسلام وظن بعضهم أن كاتب هذه القصة لم يكتبها كواقعة حال بل تخيلها كرواية ليعظ بها قومه ويريهم قدرة الله عل كل شيء, وأما اليوم فلا يصدقها أحد من النصارى وتستعمل في أوروبا لتسلية الأولاد الصغار,

وأظن لا حاجة بنا إلى المزيد من سرد الغلطات التاريخية الواردة في القرآن اكتفاء بما سردناه ولعل في هذا القدر كفاية لصرف إخواننا المسلمين عن الاحتجاج بمضامين القرآن التاريخية على صحة نسبته إلى الله وصدق رسالة محمد,

وزعم بعضهم أن من البراهين الدالة على كون القرآن كتاب الله خلوه كما يترائى لهم من التناقض الاختلاف كأنهم يقولون أن كتاباً كبير الحجم كهذا لم يكن من عند الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً وهذه أيضاً دعوى باطلة لاننا نرى فيه اختلافاً كثيراً بعضه قليل الأهمية وبعضه جوهري فالأول كالاختلاف الواقع بين عددي 13 ونقله الزمخشري من الحديث التسوية الاختلاف المذكور لم يكن قولاً سديداً ولكننا لم نسلم أن هذا شيء زهيد بجانب ما سنذكره لك من المسائل الخطيرة,

جاء في سورة النساء 4: 47 أن الله لا يغفر خطية الشرك ويغفر ما دون ذلك والشرك هو اتخاذ آلهة مع الله أو دونه إلا أنه ورد في سورة الأنعام 6: 76-78 أن إبراهيم اتخذ الشمس والقمر والنجوم آلهة دون الله وهذا شرك بين في حين أن إخواننا المسلمين يعتبرونه نبياً عظيماً من أولي العزم ويعتبرون أن جماعة الأنبياء معصومون,

ويحرم القرآن النفاق في جملة مواضع منها (سورة البقرة 2: 76 والسناء 4: 138 والتوبة 9: 65-69 والمجادلة 58: 14) ويجعل مثواهم في الدرك الأسفل من النار (سورة النساء 4: 144) ومما لا ينكره أحد من ذوي العقول السليمة أنه إذا أسلم أحد مكرهاً بقوة السيف لا يكون إسلامه من قلبه بل من شفتيه ومتى خالف ظاهر الإنسان باطنه كان منافقاً ولا يخفى ما فرضه القرآن على المسلمين من نشر دينهم بقوة السيف إلى أن يدين بالإسلام كل العالم ولا تكون في الأرض فتنة ويكون الدين كله لله ففي مثل هذه الظروف يتخير الرجل الملزم بالإسلام كرهاً خصلة من خصلتين أما الموت الزؤام أو كلمة يقولها وينجو بحياته فيقولها نفاقاً ورياء وهذا من أردأ أنواع الاختلاف يحرم الشيء لقبحه فإذا كان فيه مغنم حلله وحص عليه نعم قد اضاف القرآن خصلة ثالثة لأهل الكتاب وهي دفع الجزية وهم صاغرون إن لم يرغبوا في الإسلام ولا في القتال (سورة التوبة 9: 30 وسورة المائدة 5: 44 وسورة الصف 61: 11 وسرة الحج 22: 78) إلا أن دفع الجزية ضرب من الإكراه وقد أسلم من أهل الكتاب خلق كثير تخلصاً من الجزية وما بلغت إليه من المغارم الفادحة في عهد الحكام الظالمين رافعين شكواهم إلى رب العالمين,

يحرم القرآن إلى حد معلوم خطيئة الهوى وعلى ذلك قول وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (سورة النازعات 79: 40 و41) فنقض ذلكب إباحة تعدد الزوجات بالإضافة إلى ما كان مملوكاً من السراري (سورة النساء 4: 23) وأباح لمحمد من هذه الحيثية أكثر من سائر المسلمين بل أباح له ما هو محظور عليهم فمن ذلك قوله وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَا تَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَا للَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَّوَجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً وقوله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكِ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَا مْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكْتَ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولاَ يَحْزَنَّ (سورة الأحزاب 33: 37 و38 و50 و51),ونعلم من الحديث الصحيح أن محمداً منح له أن يتمتع بالنساء أكثر من سائر المسلمين لرجحانه عليهم في الهوى والصبابة إليهن وزد على ذلك أن الجنة التي وعد بها في دار البقاء والخلود هي تلذذ غير محدود بحور عين حتى وإن كان أحد غير مستعبد للهوى فما دام مسلماً لا مناص له من هذه الجنة (سورة الرحمن 55: 46-78 وسورة الواقعة 56: 11-39 وانظر كتاب مشكاة المصابيح في صفة الجنة) فالقرآن من هذه الحيثية أردأ من أن يخالف بعضه بعضاً على أنه من الاختلاف أيضاً غير معصوم فكيف يكون هوى النفس محرماً في الدنيا وهو في الجنة مباح?!

والخمر محرم على المسلم هنا على الأرض كما جاء في سورة المائدة 5: 90 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ وَا لْأَنْصَابُ وَا لْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَا جْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (قابل أيضاً سورة البقرة 2: 216) ولكن في الجنة للمؤمنين أنهار من خمر كما ورد في سورة محمد 47: 15 مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (قابل سورة الإنسان 76: 5 وسورة المتطففين 83: 25),

وأقوال القرآن عن المسيح يسوع لا يخلو من التناقض,فبعض الآيات تتكلم عنه كمجرد إنسان ونبي كسائر الأنبياء وتنكر لاهوته بتاتاً كما ورد في سورة المائدة 5: 17 لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وراجع آية 113 و114 من السورة وكذلك آل عمران 3: 49 وقيل أيضاً في سورة الزخرف 43: 59 إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ثم توجد بعض الآيات الأخرى التي تعطي له أعظم الألقاب التي لم تعط فيه لغيره البتة منها كلمة الله سورة النساء 4: 169) وهذا اللقب لا يصح أن يُسمى به أي مخلوق كان, ويذكر له وحده معجزة الولادة من العذراء (سورة الأنبياء 21: 91) وإنه وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَا لْآخِرَةِ (سورة آل عمران 3: 45) ويقول البيضاوي الوجاهة في الدنيا النبوة وفي الآخرة الشفاعة , وفي سورة آل عمران 3: 36 قيل وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ , وجاء في الحديث تفسيراً لهذه الآية كما أخرجه مسلم والبخاري والغزالي وغيرهم كل ابن آدم عند ولادته ينخسه الشيطان بإصبعيه في جنبيه إلا عيسى بن مريم ذهي ليطعن فطعن في الحجاب (راجع مشكاة المصابيح الكتاب الأول الباب الثالث) ويشهد القرآن لمعجزات المسيح (سورة البقرة 2: 254) وأنه خلق طيراً من الطين مع أن قوة الخلق هي من صفات الله وحده وهو الفريد من بين الأنبياء أولي العزم الذي لا يذكر له القرآن خطية, ولا نجد فيه عن أي نبي آخر أن ولادته كانت بقوة الروح القدس وَا لَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَا بْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (سورة الأنباء 21: 91) وأنهآية للعالمين (كما مر) وأنه روح من الله (سورة النساء 4: 169) وكل الأنبياء أموات ما عدا يسوع كما يقول القرآن إن الله رفعه إليه (سورة النساء 4: 169), وهو حي في السماء, ويوافق المسلمون المسيحيين في الاعتقاد أن المسيح سيرجع في انتهاء العالم لم يكن يلزم للمسيح أن يشرح صدره ويوضع عنه وزره كما قيل عن محمد في سورة الشرح والقول بمغفرة خطاياه يناقض ما جاء في سورة محمد 47: 91 وَا سْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَا لْمُؤْمِنَاتِ ولا تصل عليه امته ولا تسلم كما أمر محمد (مشكاة المصابيح وجه 86) من المعلوم أن لا نبي يحتاج لشفاعة أمته وصلواتها إلا هو,

ففي كل هذه النقط يتفق المسلمون مع المسيحيين على الفرق الموجود بين المسيح وأي نبي أو إنسان آخر, والقرآن لا يعطي محمداً المقام الذي يعطيه ليسوع ولا شك أن غرض القرآن هو استبدال المسيح بمحمد كرأس الجنس البشري, وهذا الامر عجيب جداً ومتناقض حيث أن القرآن لا ينسد لمحمد ولادة بمعجزة ولا يقول بعصمته ولا ينسب له القدرة على المعجزات ولا حتى صفات حميدة شريفة كما سنظهره في آخر هذا الفصل وما يليه,

ومن أهم تعاليم القرآن أن القدر هو سبب سعادة أو شقاء الإنسان في الآخرة, كما جاء في سورة الإسراء 17: 13 و14 وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً وفي سورة إبراهيم 14: 4 فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وورد نفس القول في سورة المدثر آية 34 ثم معناه في سورة البقرة آية 5 و6 والنساء آية 9 والأنعام 125 والأعراف 177 و178 الخ, ثم نجد في سورة الأعراف 7: 179 وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَا لْإِنْسِ وفي سورة هود 11: 120 لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَا لنَّاسِ أَجْمَعِينَ (راجع سورة السجدة 32: 13) وإن ذلك كان غرض الله تعالى من الخلق مع أنه في أماكن أخرى نجد أن الناس سيجزون حسناً في العالم الآتي إذا كانوا مسلمين ويعاقبون إذا لم يكونوا كذلك, فإذا كان كل عمل قد قدر على الإنسان من قبل والإنسان ليس له حرية إرادة فينتج أن الإنسان لا يكون له استحقاق أو عدم استحقاق ولا يكون صالحاً أو طالحاً وليس له ثواب أو عقاب فإن الثواب والعقاب عبارة عن جزاء خير أو شر , ولا تكون للأوامر والنواهي الإلهية فائدة حيث أن لا توجد في الإنسان مقدرة على الطاعة أو عدمها لأن القدر سجل كل شيء من ذي قبل, ولكن القرآن يحتوي على أوامر ونواهي ويصرح أنها أنزلت من العليم ففي بعض الأماكن يخبر القرآن محمداً أن مساعيه لإهداء الناس عبث لأن الله نفسه جعل من المستحيل عليهم الإيمان كما ورد مثلاً في سورة البقرة 2: 6 و7 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمِْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ , ثم نراه مأموراً أن يسعى في بهديتهم لا بالعنف بل باللطف كما جاء في سورة البقرة 2: 256 لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ وفي سورة النور 24: 54 قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ وفي سورة الغاشية 88: 21 و22 فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بَمُصَيْطِرٍ ,

ولكن في مكان آخر نجد تعلمياً مناقضاً تماماً لهذا التعليم فكل واحد يعرف أن المسمى نبي السيف ادعى أن الله أمره أن ينشر الإسلام بالقوة كما ورد في سورة البقرة 2: 86-89 و212 وسةرة النساء 4: 76 و91 وسورة الأنفال 8: 40 وسورة الفتح 48: 16 وسورة التحريم 66: 9 فنجد من المناقضات شيئاً كثيراً, ولا فائدة من القول أن الآيات المتأخرة نسخت الآيات الأولى كما ورد في سورة البقرة 2: 106 مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا وأيضاً سورة النحل 16: 101 وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَا للَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَّزِلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ إن هذه إنما أتى بها لكي تبعد عن الأذهان تناقض القرآن لذاته, ولنا مثال حسن عن ذلك إذا قابلنا البقرة 2: 62 مع سورة آل عمران 3: 85 ففي الأول نرى أن المسلمين واليهود والمسيحيين والصابئين خالصون في قوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَا لَّذِينَ هَادُوا وَا لنَّصَارَى وَا لصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِا للَِّه وَا لْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وفي الثانية نرى أن المسلمين وحدهم لهم الخلاص إذ قال وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ومن السهل علينا أن نظهر مناقضات أخرى في القرآن حيث أن علماء المسلمين أنفسهم يصرحون أن في القرآن لا أقل من مائتين وخمسة وعشرين آية منسوخة, وكثير من هذه الآيات المنسوخة هي خاصة بالعدل والمباحات الدينية ونرى الله الغير المتغير يأمر بعد ذلك المسلمين بالجهاد والحرب واضطهاد الناس رغماً عن إرادتهم البقرة 2: 217 و218 وسورة التوبة 9: 6 و29),

ويوجد نوع مهم آخر من التناقض في القرآن يجب على المسلمين ملاحظته وهو يختص بما في القرآن عن التوراة والإنجيل, فقد رأينا آنفاً أن القرآن يصرح أنه انزل مصدقاً لسائر الكتب وليحفظها من التغيير والتبديل ولكنه في أمور كثيرة يناقضهما معاً, ومن هذه المناقضات التامة تعاليم جوهرية في الإنجيل مثلاً موت المسيح على الصليب إتماماً للنبوات وكفارته عن خطايا العالم كله ولاهوته وقيامته وأنه وحده القادر على تخليص أنفس العالم, وواضح أنه لايمكن للغير المتغير أن ينزل وحياً يخالف قصده الأزلي وطريقه المعين للخلاص ومواعيده وشريعته الأدبية وتعاليمه الإلهية, وعدا ذلك فإن دعوى القرآن إنه وحي جديد ودعوى محمد أنه نبي برسالة جديدة تخالفان تعاليم العهد الجديد كما يتضح ذلك من قول الرب يسوع المسيح اَلسَّمَاءُ وَا لْأَرْضُ تَزُولَانِ وَل كِنَّ كَلَامِي لَا يَزُولُ (مت 24: 35) وقابل (مرقس 8: 31 ولوقا 21: 33 ويوحنا 12: 48) ويقول بولس الرسول وَل كِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلَاكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ? فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا . كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ الْآنَ أَيْضاً: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ? فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا (غل 1: 8 و9) إذاً فلا محل لأي وحي جديد ينزله جبرائيل أو غيره سواء كان إنساناً أو ملاكاً, ففي هذا الأمر يناقض القرآن نفسه فهو أولاً يشهد بصحة الكتاب وتصديقه له ثم يعلم تعاليم تخالف تعاليمه الجوهرية,

وفي أمور ثانوية أخرى كثيرة يناقض القرآن أيضاً نفسه باختلافه عن الكتاب المقدس الذي جاء مصدقاً له, ففي سورة مريم 19: 23 يقول أن المسيح وُلد تحت نخلة مع أن الكتاب المقدس يقول أنه وُلد في خان ووُضع في مذود (لوقا 2) ويقول القرآن أنه تكلم وهو في المهد (سورة آل عمران 3: 41 وسورة المائدة 5: 109 وسورة مريم 19: 31) وإنه لما كان صبياً خلق من الطين طيراً (سورة آل عمران 3: 43 وسورة المائدة 5: 110) لا ننكر أن هذه معجزات ولكن الإنجيل يصرح أن أول معجزة صنعها كانت في بدء خدمته الجهارية في الثلاثين من عمره (لوقا 3: 23 ويوحنا 2: 11) وكذلك في الواجبات الأدبية يخالف القرآن الإنجيل فإن المسيح علم أن يحب الناس أعداءهم ومحمد علمهم أن يجاهدوا في سبيل الله, قال المسيح في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون (متى 22: 30 ومرقس 12: 25 ولوقا 20: 35) غير أن القرآن يعلم أنه سيكون في الجنة للمسلمين ما لا يحد من الملاهي والملذات الشهوانية,

ومن المحال رفض هذه الحجج بدعوى أن الكتب المقدسة التي بأيدي اليهود والنصارى محرفة إذ قد فندنا هذا الزعم تماماً في أول هذا الكتاب, كان الأمر سهلاً لو كانت هذه الدعوى من كتاب لا يزعم أنه منزل من الله كما يقول القرآن, وكل واحد يصادق على أن ذلك مؤلف لكتاب متأخر يمكن أن ينخدع سيما متى كان ملقنوه جهلة اعتمدوا على خرافات شائعة وليس على الكتاب المتقدم نفسه, ولكنا لا نرغب أن نستنتج مثل هذا الاستنتاج عن القرآن نفسه بل نفضل أن نترك الأمر لإخواننا المسلمين ليحكموا لأنفسهم, ولا شك أن القارئ العزيز قد رأى أن القرآن ليس فيه حجة وافية على وحيه,

إذا كان القرآن من الله تعالى فلا بد أن تعاليمه تكون في كل شيء أرقى وأشرف وارفع عن ما جاء في الإنجيل, كما أن الإنجيل في أمور خاصة أرفع وأرقى من التوراة ولكن ليس الحال كذلك لأن الإنجيل لا يعد المؤمنين في الدار الأخرى بأكل وشرب وأمور عالمية بل بأفراح روحية كسلام القلب والطهارة ومحبة الله وخدمته, فالإنجيل يعلمنا أن المؤمنين الحقيقيين بالمسيح الذين يثبتون في محبتهم وطاعتهم لله ويكونون أمناء حتى الموت فهؤلاء يدخلون إلى المنازل المقدسة التي أعدها لهم يسوع المسيح ويسكنون دائماً أبداً في الحضرة الإلهية وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ. وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ? وَا سْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ (رؤيا 22: 3 و4), وينهي الإنجيل عن استعمال القوة في الأمور الدينية ويترك للإنسان حرية تامة لقبول أو رفض الحق, إذا أراد أحد أن يؤمن بالمسيح فالروح القدس يساعده ويمكنه من قبول ولادة روحية جديدة ويهبه الهدى والخلاص, والذين يرفضون المسيح ليسوا بملزمين بالإيمان به ولكنهم يحكمون على أنفسهم بالدينونة (يوحنا 3: 18-21), وعلاوة على ذلك فالإنجيل خلافاً للقرآن يمنح راحة القلب والثقة بنوال السلام مع الله للذين يأتون إليه بواسطة يسوع المسيح, وكل مسيحي حقيقي يعرف ذلك من اختباره ولكن بحسب القرآن يبقى الإنسان طول حياته بين الشك واليقين فيما إذا كان من السيئي الحظ الذين حكم الله عليهم بالهلاك وخلقهم للهلاك,

البشارة (الإنجيل) معناها أخبار مفرحة وهذا هو القصد منها إذ يعلن أن الله لم يخلق نفساً للهلاك بل بالعكس يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ (1 تي 2: 4) ولكي تنال الناس هذه النعمة أرسل ابنه الوحيد إلى العالم كي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (انظر يوحنا 3: 16) فالإنجيل يعلم بوضوح أن لا يهلك أحد إلا الذين يرفضون محبة الله ورحمته المقدمة في شخص يسوع ولا يؤمنون به ولا يعترفون بدعواه ولا يقبلونه مخلصهم وشفيعهم الوحيد عند الله فيفضلون الظلام على النور لأن أعمالهم شريرة ولا يقبلون محبة الحق كي ينالوا الخلاص,

وإذا كان القرآن هو آخر وأتم وحي للإنسان فلا بد أن يبين لنا أكثر من الإنجيل وأحسن منه عن قداسة الله وعدله ورحمته وعن طاعة تامة لشرائع الله ويظهر نجاسة الخطية روحياً وطريق الخلاص والحاجة إلى قداسة روحية وعن محبةالله لنا وعن ضرورة محبتنا له وواجبنا نحو الله ونحو الإنسان ولزوم طهارة القلب ويصور لنا الجنة صورة أشرف وأطهر مما جاء بها العهد الجديد, فالذين قرأوا القرآن والكتاب المقدس يحكمون لأنفسهم إذا كان القرآن حقاً فاق على الإنجيل في ذلك, إذا فحصنا محتويات القرآن لنعرف إذاكان من الله أم لا يعترضنا هذا السؤال كيف نعرف ماهية القرآن وحقيقته إذا لم يكن من الله, فيوجد جواب تام لهذا في مصادر الإسلام, يؤكد العلماء أن كثيراً من الحكايات القرآنية ومن الفروض والطقوس الإسلامية مأخوذة من الأديان الأخرى والكتاب المذكور يقدم البراهين على ذلك, فالقارئ العالم يجد فيه أجزاء من الكتب الفارسية والهندية وقدماء المصريين وغيرهم من الأمم السالفة وأن مؤلف مصادر الإلام يؤكد أن هذه الأجزاء المدرجة بالقرآن هي في أغلب الأحيان مأخوذة منها ويقدم البراهين أيضاً على أنه توجد غير تلك أشياء أخرى كثيرة هي خرافات كانت شائعة بين جهلاء اليهود والنصارى في وقت محمد لا أثر لها في الكتاب المقدس,

وعلاوة على كل ذلك فمن يفحص كتاب سيرة ابن هشام يرى أن زيداً بن عمرو بن نوفل قبل محمد علم بما يأتي (1) التوحيد (2) رفض عبادة اللات والعزي وبقية الأصنام التي يعبدها العرب (3) السعادة في الجنة (4) تحذير الأشرار بعقاب النار (5) إعلان غضب الله على الكافرين (6) ذكر هذه الأسماء لله: رب والرحمن والغفور (7) منع دفن البنات أحياء, وقال أيضاً مع الحنفاء أننا نبحث عن ملة إبراهيم , ومحمد نفسه صرح أنه يدعو الناس إلى ملة إبراهيم والقرآن في مواضع كثيرة يدعو إبراهيم حنيفاً (سورة آل عمران 3: 89 وسورة النساء 4: 124 وسورة الأنعام 6: 162) وفي الجزء الثالث من كتاب الأغاني وجه 15 أن محمداً قابل زيداً بن عمرو وتحادث معه قبل ادعائه النبوة,

ومؤلف مصادر الإسلام يؤيد قوله بأن قصة المعراج الواردة في سورة الإسراء وفي الأحاديث هي على نسق حكاية الشاب الزردشتي التقي الوارد في كتاب فارسي يُسمى ارتأي ثيراف نامك وفيه أن ذلك الشاب صعد إلى النجوم وعند رجوعه قال ما زعم أنه رآه, وأن المؤرخ العربي أبا الفدا في كتابه التواريخ القديمة من المختصر - في أخبار البشر يذكر فروضاً أدخلت إلى الإسلام وأمر بها القرآن والحديث فيقول كان العرب في الجاهلية يفعلون أموراً قد اتخذها الإسلام ودونها في شريعته ويذكر أبو الفداء عوائد قد أدخلت إلى الإسلام من وثني العرب في الجاهلية منها منع التزوج بالأمهات والبنات والجمع بين الأختين والحج للكعبة وليس الإحرام والطواف والعسي ورمي الجمار كالوضوء والغسل وفرق الشعر وتقليم الأظافر الخ وقال أن وثني العرب كانوا يختتنون ويقطعون يد السارق, لا شك أن البعض يقولون مع ابن إسحاق (جزء 1 وجه 27) إن هذه العوائد كانت من أيام إبراهيم, هذا صحيح عن الختان ولكن ليس صحيحاً عن العوائد الأخرى المشار إليها سابقاً ولا يعقل أن الله بإعطائه وحياً جديداً لأمة إبراهيم باستعمال الفرائض التي يقيمونها قبلاً وأيضاً هذا لا يوافق المعتقد أن القرآن كان مكتوباً على اللوح المحفوظ في السماء منذ أجيال قبل أن تكون العرب,

يقول المسلمون أن القرآن يعلم شيئاً كثيراً عن علم الله وعن الآداب وعن الحكم بالعدل وعن الحياة الآتية فلذا هو من الله, نقول لا شك أنه كذلك ولكن هذه الحجة تكون قوية إذا كان القرآن يفوق الكتاب المقدس في سمو تعاليمه عن هذه الأمور ولكن حيث قد رأينا أن صفات الله وذاته في القرآن ليست بأتم منها في الإنجيل بل والحق يقال أن قول القرآن عن عزم الله ليملأ جهنم بالأنس والجن (سورة هود 11: 120 وسورة السجدة 32: 13) وسماحه تعالى لمحمد بالتلذذ بالنساء أكثر من سائر المسلمين وأمره بالجهاد لانتشار الإسلام وغير ذلك من أمور مهمة تبرهن أن تعاليم القرآن أدنى بكثير من شريعة موسى, فالعهد القديم لم يصرح بتعدد الزوجات عموماً (مع أنه سمح لليهود به ضمناً وقتاً من الزمن) فوحدة الزوجة هي شريعة الله للإنسان كما هو ظاهر في (تك 2: 18-24) وأوضحه المسيح في (مت 19: 3-9 ومر 10: 2-12) وشدد عليه رسله كما في (1 تي 3: 2 (12 و1 كو 7: 2) بل حرم المسيح شهوة العين على هذه الأرض كما جاء في (مت 5: 28) ولكن القرآن يجعل المسلم يؤمل بشهوات جسدية لا حد لها في الجنة أمام وجه الله سبحانه وتعالى وهذا التعليم لا ينتج طهارة قلبية هنا على الأرض أما عن الحكم بالعدل فيحسن بنا أن نسأل هل وجد حاكم عادل في البلاد الإسلامية في أي زمن في التاريخ الماضي والحاضر?

لا ننكر أن القرآن يخبرنا شيئاً كثيراً عن العالم الآتي وخصوصاً عن عذاب الجحيم وملذات النعيم وليس لنا أن نبحث في الأول منها هنا فقط نذكر إخواننا المسلمين بشيئين عن الجحيم الأول في سورة مريم 19: 71 قوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً وقد سمى المفسرون جهدهم في تأويل هذه الآية الأمر الثاني هو الحديث القائل أن أمة واحدة من الطوائف الإسلامية هي التي ستخلص فمن هذين الدليلين نرى إذا كنا مسلمين أن الخوف من الموت ومن يوم الدينونة يظلل حياتنا كلها, فالمسيحي الحقيقي ينتظر بفرح يوم القيامة والمسلم يخاف منه,

ولا يجمل بنا أن نمر على أمر الملذات الموعود بها المؤمن في الجنة بدون أن نقدم بعض ملاحظاتنا, فنجد لها وصفاً كاملاً في (سورة البقرة 2: 23 وسورة النساء 4: 60 وسورة الرعد 13: 35 وسورة يس 36: 55: 58 وسورة الصافات 37: 39-47 وسورة محمد 47: 16 و17 وسورة الرحمن55: 46-78 وسورة الواقعة 56: 11-37 وسورة الإنسان 76: 5 و11-22 وسورة المرسلات 77: 31-36 وسورة المطففين 83: 22-28) وحباً في الاختصار أوردنا هنا بعضها:

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ (سورة محمد 47: 15),

وَا لسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَّوَلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِريِنَ عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمَ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً (سورة الواقعة 56: 10-37),

وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدّرُوهَا تَقْدِيراً وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (سورة الإنسان 76: 12-21),

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَاِن تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ ربِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَا لْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلاَّ الْإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاِكهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّباَنِ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَا لْإِكْرَامِ (سورة الرحمن 55: 46-78).

وفي الحديث كثير جداً من ذلك في البخاري ومشكاة المصابيح وعين الحياة بعنوان وصف الجنة وأهلها ولكنا نكتفي بإيراد جزء قليل مما جاء في أحياء العلوم للغزالي,

سئل رسول الله عن قوله ومساكن طيبة في جنات عدن قال قصور من لؤلؤ في كل قصر سبعون داراً من ياقوت أحمر في كل دار سبعون بيتاً من زمرد أخضر في كل بيت سرير على كلسرير سبعون فراشاً من كل لون على كل فراش زوجة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام في كل بيت سبعون وصيفة ويعطى المؤمن في كل غداة يعني من القوة على جميع ذلك ثم قال أن الرجل من أهل الجنة ليتزوج خمسمائة حوراء وأربعة ألاف بكر وثمانية آلاف ثيب الخ الخ (الأحياء),

وعندما تدرس كل ذلك ترى أنه بحسب القرآن والحديث سعادة المسلم الآتية هي لبس الحرير والاتكاء على أرائك من استبرق والأكل من كل فاكهة زوجان وارتشاف خمر لذة للشاربين والتلذذ بحور العين وقاصرات الطرف, فمثل تلك الجنة مأدبة ملأى بكل ما تريده نفس الإنسان الشهوانية ولامحل فيها للقدسين والطاهرين من الرجال والنساء يهرب منها الطاهرون كما هربوا على الأرض من النهم والخمور والفجور, مثل هذه الجنة لا يصح أن الله القدوس الذي تبغض ذاته كل خطية وإثم يعدها للمؤمنين, كيف أن الروح البشرية التي خلقت لمعرفة وخدمة الله التي تطلب سعادة روحية في محبة خالقها والقرب منه تفرح وتسر بمثل هاتيك الأمور الدنيوية, وحتى هنا على الأرض يرى المتهتكون أن هذه الملذات الشهوانية تنتج شقاء لا سعادة, فوصف الجنة في القرآن يدل على أنه لا يمكن أن يكون من الله, إن للمفسر محيي الدين لما رأى ذلك سعى أن يؤوله إلى معنى روحي فقال تفسيراً لسورة الواقعة 56: 18 أكواب وأباريق - من خمور الإرادة والمعرفة والمحبة والعشق والذوق ومياه الحلم والعلوم الخ ولكن معظم المسلمين إن لم يكون كلهم اعتبروه هرطوقياً وقالوا بحق أن القرآن والحديث معناهما حرفي,

وفي بحثنا في محتويات القرآن يجب أن لا نغفل عن إلفات نظر القارئ إلى أنه لا يسد عوز واشتياق البشر روحياً الذي هو من أهم أمور الوحي للإنسان فإن الله وضع في قلب الإنسان ذلك الاشتياق حتى لا يجد راحة إلا مع الله, يقول بعض كتبة المسلمين أن القرآن يخيف الناس ويجعلهم يبكون كما جاء في حديث النجاشي ملك الحبشة (مع العلم أنه يجهل العربية) أنه بكى عند سماعه بعض القرآن, وبفرض صحة ذلك لا يمكنهم البتة القول بأن القرآن يمنح سلاماً للقلب كما منح المسيح المؤمنين به في كل الأجيال ولا يزال يمنح (يو 14: 27) بل بالعكس توجد فيه آيات مثل قوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً مع الاعتقاد بالقدر تجعل كل مسلم عاقل يقضي حياته في فزع دائم من الموت, ولايعلن القرآن الله تعالى للإنسان كي يعرفه, وهذا واضح من كتابة المسلمين بعدم إمكانية معرفة الله حتى في الكتب المقصود بها التعليم والإرشاد فواضح أنه حيث لم يرشد القرآن إلى معرفة تامة عن الله وأن محمداً نفسه صرح بأن معرفته عن الله ليست كما يجب فالإسلام في هذا الأمر المهم جداً لا يسد احتياج الإنسان,

والقرآن لا يعلم أن طهارة القلب ضرورية قبل الاقتراب من الله, بل بالعكس كما رأينا يحتوي القرآن على عبارات مضادة لإمكانية طهارة قلب الإنسان ويظهر منها أن الله لا يعمل بحسب قداسته وعدله ورحمته ومحبته, ولا يظهر القرآن كيف ينال الإنسان مغفرة خطاياه ويحسب باراً أمام الله, صحيح أنه توجد فيه فروض لها جزاء ولكن لا مفر من القدر في القرآن والقدر هو الحكم في مستقبل الإنسان هناء أو شقاء, ولا توجد كفارة فيه ولا يعين كيف يكسر الإنسان قيود الخطية وهو عبدها,

يقول بعض المسلمين أن محمداً سيشفع لشعبه في يوم الدين ويقول آخرون أنه الآن وهو ميت له نفوذ عند الله, ولكن كل ذلك مخالف تماماً للكتاب المقدس الذي يدعي القرآن بتصديقه, فمن (يو 14: 6 وأع 4: 12 و1 تي 2: 5 و6) يتضح أنه لا يوجد شفيع أو وسيط غير يسوع, بل ولا يوجد في القرآن نفسه عبارة تثبت وساطة محمد بين الله والإنسان, لا حاجة لنا للحديث في هذا الموضوع فإن المأمور في القرآن بالاستغفار لذنوبه لا يمكنه أن يكون وسيطاً لدى الله, نعم إن الإنسان الذي أخطأ وتاب يمكنه الصلاة لله لمغفرة ذنوب الآخرين كما لذنوب نفسه ولكن هذا أمر آخر, القرآن والحديث يصرحان أن نبي العرب يستغفر لذنوبه وذنوب أمته ففي سورة غافر 40: 55 فَا صْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَا سْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِا لْعَشِيِّ وَا لْإِبْكَارِ , وفي سورة النساء 4: 106 وَا سْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً , وهاتان الآيتان تشابهان الآيات الواردة في القرآن أن الله وعده أن يغفر ذنوبه كما في سورة الفتح 48: 1 و2 إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ , ويقول ابن عباس ما معناه ذنوبه قبل النبوة وذنوبه إلى يوم موته وقال الزمخشري في كشافه يريد جميع ما فرط منك ما تقدم في الجاهلية وما بعدها وقيل ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد , وعلى الفرض أن القرآن قد نزل من الله تعالى نرى هنا أمراً مهماً عن محمد فإن كلمة ذنب المستعملة لمحمد في القرآن ليست أقل من خطية ففي سورة الرحمن 55: 39 كلمة ذنب مستعملة للأنس والجان وفي سورة القصص 28: 78 نرى كلمة ذنب مساوية لكلمة جرم ونرى كلمة ذنب مستعملة أيضاً للكذب والافتراء والشهوة وعدم الإيمان ولأمور أخرى كثيرة من أكبر الخطيئات كما في سورة يوسف 12: 29 وسورة الملك 67: 11 وسورة الشمس 91: 14 وغير ذلك وفي سورة محمد 47: 19 نراه يخاطب محمداً قائلاً وَا سْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَا لْمُؤْمِنَاتِ , فهنا نرى كلمة ذنب خاصة به دون تابعيه من المؤمنين والمؤمنات كما فسرها بعضهم اعتسافاً, وفي سورة الشرح 94: 1-3 أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ , فهل يمكن أن يخطئ جميع هذه الآيات الواضحة? حقاً إن الكمال لله وحده,

والحديث يوافق القرآن في هذا الأمر سواء كان في كتب السنة أو الشيعة ولنأخذ قليلاً من الأمثال المؤيدة ذلك, روى أحمد والترمذي وابن ماجة كما في مشكاة المصابيح عن فاطمة أن محمداً كان يقول عند دخوله المسجد رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وعند خروجه رب اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب نعمتك وعن عائشة اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الأعلى الجامع الصغير وعنها اللهم إني اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وعن أبي موسى اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني, اللهم اغفر لي خطأي وعمدي وهزلي وجدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت عل كل شيء قدير وروى البيهقي عن عائشة في كتاب الدعوة الكبرى إنها سألت النبي قائلة ألا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله فقال لا يدخلها أحد إلا برحمته تعالى وقالت ولا أنت قال ولا أنا إلا إن تغمدني الله برحمته وكرر ذلك ثلاثا, وروى الإمام جعفر أن محمداً بات ليلة عند أم سلمة وبينما كان يصلي بكى وقال اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني قالت أم سلمة لقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فلماذا تقول هذا فقال لها يا أم سلمة كيف أكون آمناً من نفسي وقد ترك الله يونس لنفسه طرفة عين ففعل ما فعل وقال محمد الباقر أن محمداً بات ليلة عند عائشة وصرف وقتاً طويلاً في الصلاة فقالت له لماذا تتعب نفسك وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال يا عائشة ألا أكون عبداً شكوراً وروى أنه في نهاية خطابه يوماً لتابعيه قال اللهم اغفر لي ولأمتي وخاطبهم إني أسأل الله المغفرة لنفسي ولكم ويوجد غير ما تقدم أحاديث كثيرة سنية وشيعية ولكن ما ذكر فيه الكفاية,

وهذه الأحاديث تبين لنا في بحثنا عن محمد وتؤكد أنه كان كبقية أبناء البشر يشعر بضرورة ورحمة الله ومغفرته والقرآن يشير إلى خطايا أنبياء العهد القديم فلآدم (البقرة 2: 33 و34 وطه 20: 119) ولنوح (نوح 71: 19) ولإبراهيم (الأنعام والبقرة) وموسى (الأعراف والشعراء والقصص) وهارون ويوسف (يوسف) ويونس (يونس) ولا شك أنهم تابوا كما يذكر الكتاب المقدس, فنرى في المزمور الحادي والخمسين صلاة داود التي قدمها في توبته, وكل خاطئ يحتاج للتوبة ويطلب المغفرة من الله وطلب المغفرة إقرار بالذنب, كل إنسان بشري يمكنه استعمال الصلوات التي قدمها محمد وذكرها آنفاً, وعليه فلا يمكن لمن يحتاج إلىالتوبة أو لمن احتاجها ولو مرة واحدة أن يكفر عن خطايا غيره, والقرآن يقول أنه لا ينفع إنسان آخر في يوم القيامة ورد في سورة البقرة 2: 48 وَا تَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ومكررة في آية 123, وأيضاً في سورة الانفطار82: 19 يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَا لْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ , وحيث تبرهن أن محمداً لا يمكنه تخليص أمته فلذلك هم يحتاجون لمخلص, والقرآن لا يعلن مخلصاً ولا شفاعة فلذلك هو لا يسد احتياجات الإنسان, فالقرآن لا يتمم الشروط التي رأيناها في المقدمة لصحة الوحي الحقيقي, فهو في ذلك على عكس الإنجيل تماماً كما بينا في القسم الثاني من هذا الكتاب, المسيح حي ومحمد ميت (1) (كل المسلمين يعرفون أن محل قبر المسيح المزعوم خال وقبر محمد فيه جثته) والمسيح ليس إنساناً كاملاً بدون خطية فقط بل كلمة الله يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللّ هِ? إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ (عب 7: 25),

ولا تنس أن الغرض هنا ليس المباحثة بل طلب الحق, ولا ينفعنا التعصب فلننبذه بنعمة الله وقد أجهد المؤلف نفسه في كلامه عن محتويات القرآن أن لا يحيد عن قانون الأدب والأمانة واللطف وسوف يسير على مبدئه هذا في ما يلي من الفصول أيضاً,

الفصل الخامس

بحث في المعجزات المنسوبة لمحمد

وهل هي برهان على نبوته

ليس من الضروري لإثبات نبوة شخص ما أن يعمل معجزات, فأنبياء كثيرون لم تكن لهم معجزات وأناس آخرون لم تكن لهم الرسالة الإلهية وأتوا بما يشبه المعجزات, ففي عصر موسى مثلاً فعل سحرة مصر أعمالاً ظهرت كأنها عجائب مثلأعمال موسى (خر 7: 10-13 و22 و8: 7 و18) وعلاوة على ذلك أخبرنا الكتاب عن أنبياء كذبة سيفعلون معجزات (مر 13: 22 ومت 24: 24 ورؤ 16: 13 و14 و19: 20) وخصوصاً الذي سيأتي المسمى عند المسلمين بالدجال, قليل من الأنبياء الحقيقيين من صنع المعجزات, في العهد القديم لم يعمل أحد معجزات حتى أيام موسى وحيث لم يكن موسى نبياً عظيماً فقط بل مشترعاً ومرسلاً بوحي جديد لذلك أعطيت له قوة على عمل المعجزات المذكورة في التوراة, وكان ذلك ضرورياً له ليثبت دعواه أنه أتى برسالة من الله وإنه يتكلم بسلطان من الله وإنه يعلن وحياً إلهياً, وهذه القوة على عمل المعجزات أعطيت لإيليا وأليشع أيضاً لأنهما عاشا في وقت كاد الدين يمحى فيه وكان عليهم أن يردوا الشعب إلى الله ولكن لم يخبرنا الكتاب إن داود أو إرميا أو غيرهما من الأنبياء الكبار كانت لهم قوة المعجزات, فيوحنا المعمدان الذي كان أعظم نبي إلى وقته (مت 11: 11 ولوقا 7: 28) قال عنه اليهود بحق يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً (يو 10: 41) فيتضح أنه في وقت الاحتياج الشديد أو عند إعلان وحي جديد كان الله يعطي قوة المعجزات دليلاً على الرسالة,

فإذا كانت دعوى محمد صحيحة ثابتة بأنه خاتم الأنبياء وآخر وأعظم المرسلين الذي أرسل للعرب الذين لم يقم منهم قبلاً نبي الخ, والذي قال إنه أتى بأعظم رسالة إلهية وبوحي أعظم من سابقيه وأن القرآن أملاه عليه جبريل الذي أنزله في ليلة القدر من السماء السابعة حيث كان مكتوباً على اللوح المحفوظ وأعلن أيضاً أن رسالته عامة لجميع الناس ولا تخلفها رسالة أخرى لأنه خاتم المرسلين كان من الضروري أن يعمل معجزات ليبرهن هذه الدعوى وإلا لا تثبت دعواه وحيث أنه لم يتنبأ كما بينا سابقاً فيجب علينا البحث في معجزاته,

أما القرآن فيجيبنا جواباً صريحاً حاسماً أنه لم يعمل معجزة البتة, وهذا وارد في كثير من الآيات منها وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِا لْآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَّوَلُونَ (سورة الإسراء 17: 59), وقد فسرها البيضاوي بقوله, وما صرفناه عن إرسال الآيات التي اقترحها قريش (إلا أن كذب بها الاولون) إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم في الطبع كعاد وثمود وأنها لو أرسلت لكذبوها تكذيب أولئك واستوجبوا الاستئصال على ما قضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم لأن فيهم من يؤمن أو يلد من يؤمن وابن عباس يذكر مثل ذلك المعنى, ولا شك في معناها فهي واضحة بأن الله لم يعط محمداً قوة المعجزات التي طلبها منه قريش لأنه علم أنهم سيرفضونه حتى ولو صحت دعواه,

وتوجد آيات أخرى غير هذه فيها هذا المعنى في سورة البقرة 2: 118 و119 وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِا لْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً ويقول البيضاوي أن قريشاً هم الذين طلبوا منه الآيات, فبدلاً من الآيات (المعجزات) التي طلبوها فدم لهم آيات (أعداد) من القرآن كدليل على أرساليته, ومما يظهر أن الآيات هنا معناها أعداد من القرآن ما جاء في سورة البقرة 2: 151 كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا فهذه الآيات ليست معجزات كما يدعي البعض بل هي أعداد من القرآن وإلا فما هو معنى الفعل يتلو , وفي سورة البقرة 2: 252 تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِا لْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وفي سورة البقرة 2: 99 وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ فالفعل أنزلنا يبين أن الآيات إنما هي أعداد قرآنية وهي التي يتكلم عنها القرآن دائماً بقوله أنزلنا كما في سورة الأعراف 7: 202), ومن معنى الآية وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ (سورة الأنعام 6: 124) نرى أن قريشاً طلبت بدلاً من الآيات القرآنية معجزات كالتي عملها رسل الله وقد طلبوا منه ذلك في سورة الأنعام 6: 37 وسورة يونس 10: 21 وسورة الرعد 13: 29 وأيضاً في سورة الأنعام 6: 109 وَأَقْسَمُوا بِا للَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وهذا يصرح أن محمداً لم يعط قوة المعجزات, ونوع الآية التي طلبتها قريش واضحة في سورة الرعد 13: 31 وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً والبيضاوي في تفسيره هذه الآية يظهر طلب قريش الذي لأجله نزلت هذه الآية وفي سورة الإسراء 17: 90-93 نرى ما يشابه ذلك وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِا للَّهِ وَا لْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَّزِلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً ,

ومن هذه العبارة يتضح أن قريشاً لم ترض بالقرآن كدليل على إرسالية محمد فطلبوا منه عمل المعجزات المذكورة, فجاوبهم محمد بأنه بشر ولا يمكنه عمل مثل هاتيك المعجزات, وعليه فقصة المعراج وتدفق المياه من الأرض أو من بين أصابعه (ما سنرويه بعد) لا يعول عليه لأنها لو كانت حقيقة تاريخية لما جاوبهم بمثل ذلك بل كان بالحري يثبت لهم قدرته على فعل المعجزات, وفي سورة العنكبوت نراهم أيضاً يطلبون نفس الطلب وكان الجواب الرفض كالأول, وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (سورة العنكبوت 29: 50 و51),

فيتضح من هذه العبارات أن القرآن يصرح بعدم إتيان محمد بالمعجزات بل قال إن الآيات القرآنية هي دليل كاف على إرساليته ونبوته (كما في سورة الإسراء) وقد رأينا في الباب الثالث والفصل الثالث من هذا الكتاب أن البلاغة والفصاحة لا تكفيان لأن تكونا حجة على إنزال كتاب من الله,

غير أن بعض المسلمين يقولون أن في القرآن نفسه توجد معجزتان لمحمد أولهما انشقاق القمر في سورة القمر 54: 1 يقول اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَا نْشَقَّ الْقَمَرُ ولكن هذا القول لا يثبت أنها معجزة أتاها محمد لأسباب عديدة منها:

1 - إذا كان المقصود منها معجزة فهي تناقض ما جاء في سورة الإسراء والمسلمون يقولون بعدم تناقض القرآن لنفسه,

2 - إن محمداً لم يذكر هنا أو في أي محل آخر من القرآن أن له علاقة بهذه المسألة, ولا يدعوها القرآن معجزة ولا يقول أن انشقاق القمر دليل على إرسالية محمد, ولو كان القرآن قصد أن محمداً عمل مثل هذه المعجزة الباهرة لصرح بذلك كما صرح العهد القديم والعهد الجديد عن معجزات موسى والمسيح وتلامذته بكل وضوح,

3 - إذا كان محمد أتى بهذه المعجزة وشق القمر لكان يجيب بها طلبات قريش الواردة في سورة الرعد والإسراء وغيرهما مع العلم أن جميع المفسرين متفقون على أن سورة القمر نزلت قبل تينك السورتين,

4 - إن تلفاً أو ضرراً يعمل بإحدى مخلوقات الله كالقمر يكون علامة على قوة عظيمة ولكنه لا يثبت إن عاملها مرسل من الله,

5 - لو كان قد حصل أمراً مثل ذلك يختص بالطبيعة لكان قد علم في جميع الأرض وسجل في تواريخ أمم كثيرة كحادثة خارفة للعادة ومدهشة, والذين لهم معرفة ببعض علم الفلك ومقدار حجم القمر وماذا ينتج لو انشق إلى اثنين وانفلتا على الأرض لا يصدقون ذلك,

6 - ولا يوجد تاريخ يذكر مثل هذه الحادثة ولا حتى ظهور انشقاقه بل وبعض أكابر المفسرين ينكرون الزعم بأن سورة القمر تشير إلى مثل ذلك فمنها قول البيضاوي والزمخشري قيل معناه سينشق يوم القيامة فلو كان الأمر صحيحاً لما كان للشك مجال ولا قيل ولا قال أو لو كانت الأحاديث القائلة أن محمداً ظهر لأهل مكة انشقاق القمر إلى قسمين أو إلى فلقتين فلقة ذهبت وفلقة بقيت كما قال ابن عباس أو كما قال ابن مسعود رأيت حراء بين فلقتي القمر (الزمخشري) أو كما قال آخرون فلقة صارت دون الجبل والأخرى فوقه وعلى هامش المشكاة اجتهد الشارح على الهامش في أن يبين كيف لم ير الناس الحادثة فقال كان بالليل وقت نيام الناس في لحظة فلا يلزم شعور الناس في جميع الآفاق بذلك حتى يجب اشتهاره بين جميع الأمم التي كان القمر طالعاً عليهم في ذلك الوقت,

7 - كلمة الساعة معرفة بال لها معنى خاص في القرآن كما في سورة طه وسورة الحج وسورة الشورى وفي مشكاةالمصابيح باب إشراط الساعة وهو يوم القيامة كما يقول البيضاوي فواضح أن يوم القيامة لم يكن قريباً عندما كتبت سورة القمر لأنها كتبت قبل الهجرة بزمن طويل وحيث أنهم يقولون أن انشقاق القمر علامة من علامات الساعة وقريب منها فيكون المعنى عندما تقوم الساعة ينشق القمر, ومعلوم أنه يمكن في العربية استعمال الأفعال الماضية بمعنى المستقبل, وقد رأينا أنه حتى في وقت البيضاوي فسر بعضهم الآية بهذا المعنى وها نحن اليوم بعد ذلك بمئات من السنين ولم تأت الساعة فلا شك إذا أن المقصود بانشقاق القمر أنه سيكون حين قيام الساعة وابن عباس يقول أن انشقاق القمر وظهور الدجال علامات أخر تحصل قبل يوم القيامة,

ومن كل ما مضى نرى أن القرآن لم ينسب لمحمد عمل هذه المعجزة فلا يصح إذاً أن نقتبس هذه الآية دليلاً على ذلك وكذلك لا يمكن التمسك بمعجزة لم تحدث إلى الآن دليلاً على نبوة محمد,

وقد جاء في المعلقات السبع لامرء القيس قصيدة فيها ست فقرات واردة في القرآن في سورة القمر إحداها دنت الساعة وانشق القمر وقد مات هذا سنة 540 م أي قبل ولادة محمد فتأمل!

والمعجزة الثانية التي ينسبها البعض لمحمد هي حادثة غزوة بدر مع أن البعض يقولون بل كانت في غزوة حنين وآخرون أحد وآخرون خيبر وقد جاءت في سورة الأنفال 8: 17 وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ,

وقال البيضاوي لما طلعت قريش أتاه جبرائيل وقال خذ قبضة من تراب فارمهم بها فلما التقى الجمعان تناول كفاً من الحصاء فرمى بها وجوههم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينية فانزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ثم لما انصرفوا أقبلوا على التفاخر فيقول الرجل قتلت وأسرت فنزلت: (وما رميت) يا محمد رمياً توصلها إلى أعينهم ولم تقدر عليه (إذ رميت) أي أتيت بصورة الرمي (ولكن الله رمى) أتى بما هو غاية الرمي فأوصلها إلى أعينهم جميعاً حتى انهزموا, وقيل ما معناه ما رميت بالرعب إذ رميت بالحصباء ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم وقيل إنه نزل في طعنة طعن (محمد) بل ربما إلى طعنة طعنها أو سهم رماه, وعلى كل حال لا تثبت أنها معجزة عملها محمد, بل بالعكس تظهر الآية أن محمداً لم يقدر على رمي الحصباء في أعين أعدائه أو على قتل أحد فإن الفاعل بالحقيقة لم يكن محمد بل الله, فإذا سلمنا أن الآية تشير إلى بدر فليس من الغريب أن يفعل مثل ذلك قائد لكي يشجع جنوده ويثبط أعداءه فإذا كانت النتيجة الفوز لا يتصور أحد بشيء خارق في المسألة, ولا يمكن أن تكون كطعنة إنسان معجزة إذا كانت هي المشار إليها,

وعدا هاتين الآيتين يزعم بعض المسلمين وجود آيات بينات في أماكن أخرى من القرآن تنسب لمحمد عمل المعجزات, فإذا كان ذلك صحيح نستغرب جداً كيف لم يصف القرآن معجزة واحدة منها مع أنه يخبر نوعاً من المعجزات التي فعلها يسوع (سورة آل عمران 3: 43) فلنفحص تلك العبارات ونرى إذا كانت تشير إلى آيات بينات أتى بها محمد,

ففي سورة (الصف 61: 6) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِا لْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وهذا أما يشير إلى الوعد بمجيء شخص يُدعى أحمد ولا وعد مثل ذلك في الإنجيل وأما أن يشير إلى المسيح المذكور في الآية نفسها والبيضاوي يؤيد هذا الرأي الأخير بقوله فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِا لْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ الإشارة إلى ما جاء به أو إليه وتسميته سحراً للمبالغة ويؤيده قراءة حمزة والكسائي هذا ساحر على أن الإشارة إلى عيسى عليه السلام فإذا صح تفسير البيضاوي فلا دليل في العبارة لإتيان محمد بمعجزة, أو بعبارة أخرى نرى أن آيات بينات الواردة هنا أو في أي مكان آخر تشير إلى آيات قرآنية كما بينا سالفاً ليس إلا,

وإذا قال احد أن قوله سحر مبين أو ساحر يؤيد علم أشياء خارقة للطبيعة ولا يمكن أن تشير إلى الفصاحة نجيبه من القرآن نفسه ففي سورة ص 38: 4 وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ وفي سورة الزخرف 43: 30 وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ قال البيضاوي سموا القرآن سحراً وفي سورة الأحقاف 46: 7 وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ فنرى في هذه الآية نفس ما رأينا في سابقتها والبيضاوي يقول أن المراد بالحق الآيات (الأعداد),

ويحتج كثير من المسلمين بأن في الأحاديث معجزات كثيرة منسوبة لمحمد وإننا لا ننكر ذلك كما سترى ولكن علينا أن نفحص صحة الأحاديث الدالة على هذا الأمر قبل أن نقبلها كبرهان أو دليل فنلاحظ أولاً أن القرآن لم يذكر معجزة لمحمد بل وبين سبب عدم إعطائه قوة المعجزات, فكل مفكر سواء من المسلمين أو المسيحيين يرى أن الآية القرآنية أهم بكثير من عدة أحاديث ثم أنه من السهل جداً أن نفهم لماذا في الأزمنة المتأخرة وضعت أحاديث تنسب المعجزات لمحمد ومحال أن نتصور أن الآيات القرآنية غيرت أو بدلت لإنكار معجزاته إن كان عمل عجزات, ثانياً نرى الذين جمعوا الأحاديث لم تكن لهم معرفة ذاتية عن الحوادث التي جمعوها فكلهم عاشوا بعد محمد بكثير من السنين فكان تعويلهم على أقوال متداولة وقالوا أنها مسندة بأسانيد موثوق بها, ويرى القارئ في كشف الظنون الجزء الثاني وجه 34-37 أن جامعي كتب الصحاح الستة ماتوا بحسب ما يأتي:

البخاري سنة 256 ه ومسلم 261 ه والترمذي 279 ه وأبو داود 275 ه والنسائي 303 ه وابن ماجة 273 ه أما كتب الشيعة فبعد ذلك أيضاً الكافي سنة 329 ه وما لا يستحضره الفقيه 381 ه والتهذيب 466 ه والاستبصار 406ه ونهج البلاغة 406 ه , وأن اختلاف أهل الشيعة وأهل السنة في الأحاديث مع اتفاقهم في القرآن يدل على عدم الثقة بالأحاديث سيما ما خالف منها نص القرآن, وأكثر الأحاديث ثقة هو حديث البخاري في صحيحه ويليه مسلم والترمذي, ولكي يظهر للقارئ الكريم كثرة الأحاديث المكذوبة في أيام البخاري نفسه وكم من الموضوعات كانت شائعة إذ ذاك يكفي أن نذكر أن البخاري نفسه يقول أنه جمع 100000 حديث ظنه هو صحيح و200000 لم يثق بصحته وبعد الفحص والتنقيب حكم بصحة 7275 حديثاً ولما حذف منها المكرر بقي 4000 فقط وحتى ما بقي ليس كله صحيحاً فكثير منها ما يناقض الواحد الآخر كما في هذه المسألة عن معجزات محمد, وجمع أبو داود 500000 حديثاً وقبل منها 4000 فقط,

فعلينا أن نقدم بعضاً من تلك المعجزات المزعومة لتعرف طبيعتها,

1 - بعث النبي رهطاً إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلاً وهو نائم فقتله فقال عبد الله بن عتيك فوضعت السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعرفت أني قتلته فجعلت أفتح الأبواب حتى انتهيت إلى درجة فوضعت رجلي فوقعت في ليلة مقمرة (1) (يقول في مشكاة المصابيح في هامشها سبب الوقوع اشتباه الدرج لضوء القمر) فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة فانطلقت إلى أصحابي فانتهيت إلى النبي فحدثته فقال ابسط رجلك وسنرى في الفصل التالي ماذا تبين لنا هذه القصة عن أخلاق محمد, ولكنا نكتفي هنا بملاحظة أن حكاية قتل أبي رافع حكاها ابن هشام في سيرة الرسول وابن الأثير وكاتب روضة الصفا وفي كل مخالفة للأخرى فالواحد يقول أن ساقه الذي كسر والآخر ذراعه وغيره بل صدره رض فقط, وبعضها كما في ابن هشام وابن الأثير لا يذكر أن محمداً شفاه أن ينسبها معجزة لمحمد ولكنه كلهم يتفقون أن قتل الرجل وهو نائم كان بأمر محمد, فلو كان محمد عمل معجزة في هذه الظروف لكنا وقعنا في مشكلة أدبية أشد وأصعب إذ هل يصح أن نقول أن معجزة إلهية تصنع لخير قاتل مثل عبد الله بن عتيك?

2 - توجد أخبار متناقضة مختلفة عن الماء الذي أنبعه محمد لتابعيه العطشى ونجد في مشكاة المصابيح عدداً وافياً منها وسنقدم لك نوعاً عن جابر قال عطش الناس في يوم الحديبية ورسول الله بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه قالوا ليس عندنا ما نتوضأ به ونشرب إلا ما في ركوتك فوضع النبي يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا قيل لجابر كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا, كنا خمس عشر مائة وعن رواية أخرى 1400 وأخرى بين 1400 و1500 وأخرى 1300 وغيرها 1600 وغيرها 1700 وابن عباس 1525 وروى البخاري نفس هذه الحكاية باختلاف قال عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله أربعة عشر مائة يوم الحديبية والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ النبي فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة فارووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا رواه البخاري وقد كررت هذه الحكاية في المشكاة وكل مرة تختلف عن الأخرى,

فيرى القارئ أنها ليست معجزة إذ تتجمع المياء في البئر بعد تركها مدة وهذا يخالف تماماً ما قيل عن كفاية 100000 رجل من نبع أصابعه,

3 - وتوجد عدة قصص عن أشجار وأحجار حيّت محمداً كرسول الله وكيف أن الأشجار تبعته أو أطاعت أوامره واخترنا للقارئ واحدة كعينة عن جابر قال سرنا مع رسول الله حتى نزلنا وادياً أفيح فذهب رسول الله يقضي حاجته فلم ير شيئاً يستتر به وإذا شجر تين بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله إلى إحداها فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي عليّ بإذن الله فانقادت معه كالبعير المحشوش الذي يطيع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي عليّ بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالنصف مما بينهما قال التئما عليّ بإذن الله فالتأمتا فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله مقبلاً وإذا الشجرتين قد افترقتا قامت كل واحدة منهما على ساق رواه مسلم ,

4 - وتروى أيضاً عينة من نوع آخر من المعجزات عن أنس قال أن رجلاً كان يكتب للنبي فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين فقال النبي إن الأرض لا تقبله فأخبرني أبو طلحةأنه أتى الأرض التي مات فيها فوجده منبوذاً فقال ما شأن هذا فقالوا دفناه مراراً فلم تقبله الأرض وعلماء المسلمين لم يتفقوا مطلقاً على من هو هذا الرجل السيء الحظ?

5 - وعن جابر قال كان النبي إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له المنبر فاستوى عليه صاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق, فنزل النبي حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت قال بكت على ما كانت تسمع من الذكر رواه البخاري

6 - عن علي بن أبي طالب قال كنت مع النبي بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله وراه الترمذي والدارمي ,

7 - عن ابن عباس قال أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله فقالت يا رسول الله ان ابني به جنون وأنه ليأخذه عند غدائنا وعشائنا فمسح رسول الله صدره ودعا فثعّ ثعة وخرج من جوفه مثل الحجر الأسود يسعى رواه الدارمي ,

8 - عن ابن عمر قال كنا مع النبي في سفر فأقبل أعرابي فلما دنى قال له رسول الله تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله قال ومن يشهد على ماتقول قال هذه السلمة فدعاها رسول الله وهو بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثاً كما قلا ثم رجعت إلى منبتها رواه الدارمي ,

9 - وعن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى رسول الله قال بم أعرف أنك نبي? قال: إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة يشهد أني رسول الله فدعاه رسول الله فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي ثم قال ارجع فعاد فأسلم الأعرابي رواه الترمذي وصحح ,

10 - لما خرج محمد إلى الطائف قال فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت إليها فإذا فيها جبريل فقال أن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت قال فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد أن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وأنا ملك الجبال وقد بعثني إليك ربك لتأمرني بأمرك إن شئت أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده وحده لا شريك له الخ ,

ولا ضرورة أن نزيد من هذه الحكايات فمن يرغب الزيادة فعليه أن يرجع إلى روضة الصفا أو روضة الأحباب وجامع المعجزات في الفارسية أو مرآة الكائنات في التركية وفي كثير من الكتب العربية ذكرنا أنفاً بعضها,

وتجد في الكتب الهندية والوثنية كثيراً جداً من معجزات الأصنام كهذه يصدقها كثيرون من جهلاء الوثنيين في بلاد عديدة, ولكن جميعها تختلف في الأسلوب والماهية عن المعجزات الصحيحة الواردة في الإنجيل والتي يشهد القرآن بصحتها, وتلك الحكايات (الوثنية وغيرها) تذكرنا بحكايات ألف ليلة وليلة وتثبت أن العرب في الجاهلية كانت لهم قوة التصور وتأليف الحكايات,

ولنلاحظ أن بعض تلك المعجزات التي قد رويناها هي نفس ما طلبته قريش من محمد, فلو كان قد أتاها فعلاً لكان قد ذكر القرآن بعضها ولكن بدلاً عن ذلك نراه يقول أن محمداً ليس بوكيل بل نذير وبشير ويبين سبب عدم إتيانه بالمعجزات مطلقاً,

إذا تفضل قراؤنا بالاطلاع على المعجزات التي صنعها يسوع وتلاميذه كما هي مدونة في العهد الجديد قالوا ما أعظم الفرق في نوعها عن تلك التي ينسبها الحديث لمحمد مناقضاً القرآن,

ليست معجزات العهد الجديد مجرد حوادث مدهشة خارقة للطبيعة كشجرة تشير وتتكلم وعمود يصرخ ويئن كالطفل أو كمسح ساق أو ذراع قاتل فتشفى الخ بل هي أمثال فعلية ملأى بالتعاليم الروحية وظاهر بها الرحمة والقوة الإلهية مثل إبراء الأبرص وفتح أعين الأعمى وإقامة الموتى الخ (مت 11: 4 و5 ولو 7: 22) ومعجزات المسيح لم تعمل لنجاة قاتل من إحدى نتائج فعلته ولم يكرس القوى الإلهية في جعل الأشجار تتكلم والأحجار تصرخ,

وعلاوة على ذلك فمعجزات العهد الجديد كتبت بعد صعود المسيح بقليل في حياة أكثر تلاميذه تحت الإرشاد الإلهي بعضها كتبها نفس تلاميذ المسيح كمتى ويوحنا وبعضها تحت ملاحظتهم كمرقس ولوقا ويوجد سبب آخر على صحة ما دوّن عن معجزات المسيح وهي كتابتها عند حدوثها, ولكن من الوجهة الأخرى يرى المعجزات التي نسبها الحديث لمحمد لم تَُكتب إلا بعد موته بمئات من السنين, وجاء في الإنجيل أن المسيح يشير إلى أعماله باعتبار أنها دليل على رسالته الإلهية اَلْأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِا سْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي (يو 10: 25) (راجع أيضاً عدد 32 و37 و38 و14: 11 و12 و15: 24) أما في القرآن فبالعكس فإنه أنكر معجزات محمد, أنظر سورة الإسراء وشهد بمعجزات المسيح انظر سورة آل عمران,

ونبين باختصار بعض الفروق العظيمة التي بين معجزات المسيح ومعجزات محمد التي في الأحاديث,

توجد شهادة كافية أن كثيرين ممن صرحوا أنهم أول شهود المعجزات المسيحية صرفوا حياتهم في أتعاب وأخطار وآلام تحملوها طوعاً في تقرير الحوادث التي سلموها لنا ولسبب اعتقادهم بها فقط خضعوا لقوانين جديدة غيرت سلوكهم,

ولا توجد شهادة أن الذين صرحوا بأنهم شهود المعجزات المحمدية فعلوا مثل ذلك في تقرير الحوادث التي دونوها أو غيروا سلوكهم بسبب اعتقادهم بها,

جمع الأحاديث الإسلامية كان متأخراً جداً وحوادثها غريبة حتى لا يمكن لعالم أن يثق بصحتها كمعجزات غير أنها ربما كانت تستحق ثقة أكثر بخصوص أمور أخرى متعلقة بمحمد, وما جاء عن ذلك في المشكاة أو حياة اليقين أو عين الحياة وغيرها من الكتب الشائعة الاستعمال بين علماء السنة والشيعة غريبة جداً حتى أنها تلقي الشك والريب على جميع الأحاديث الأخرى فمثلاً يوجد حديث معناه أن الحور العين تنمو من الأرض كالورد على شاطئ نهر في الجنة فيجمعهن المسلمون لملذاتهم وأيضاً يوجد في الجنة طيور مطبوخة وتطير ثانية بعد أن يشبع منها المسلمون, وأن الله تعالى لما أراد خلق آدم بعث إلى الأرض جبرائيل ليأتيه بقبضة من ترابها فلما أتاها جبرائيل ليقبض منها القبضة قالت إني أعوذ بعزة الله الذي أرسلك أن تأخذ مني شيئاً يكون فيه غداً للنار نصيب فرجع جبرائيل إلى ربه ولم يأخذ منها شيئاً وقال يا رب استعاذت بك فكرهت أن أقدم عليها (ثم أرسل ميكائيل فكذلك ثم بعث الله تعالى ملك الموت فأتى الأرض فاستعاذت بالله أن يأخذ منها شيئاً فقال وأبي أعوذ بالله أن أعصي له أمراً فقبض قبضة من زواياها الأربعة, وفي حديث آخر أن الله تعالى أذن لي (محمد) أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه منثنية تحت العرش وهو يقول سبحانك ما أعظمك فيرد عليه لا يعلم ذلك من حلف بي كاذباً, وفي حديث آخر لما أرادت حواء أن تأكل من الحبة نمت الشجرة علو 500 سنة لتنجو منها وحديث آخر أن المسافة ما بين أكتاف وآذان حملة العرش مسيرة 70 سنة,

ويصرح علماء الشيعة أنه توجد مناقضات في الحديث فورد في الكافي أن علياً بن إبراهيم سأل علياً بن أبي طالب عن تناقض بعض الأحاديث ومخالفة بعضها للقرآن وطريقة تمييز الصحيح منها عن غيره فذكر له بعض شروط لتمييز ذلك فقال له فإن وافق الخبران جميعاً قال ينظر إلى ما ليس إليه حكامهم وقضاتهم أميل فيترك ويؤخذ بالآخر, قال فإن مال حكامهم إلى الخبرين جميعاً قال إن كان فارجه حتى تلقى أمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات,

فينتج من كل ذلك أن دعوة محمد النبوة لم تؤيدها معجزة كما بينه القرآن أما المعجزات في الحديث فغير معقولة البتة ومتناقضة تماماً وبعضها مناقض للقرآن وليس لها أدلة تثبت حدوثها,

الفصل السادس

بحث في بعض أخلاق محمد

بحسب ما ورد عنه في القرآن

والتواريخ الإسلامية والتفاسير لنعلم دعواه النبوة

علينا الآن أن نتأمل في بعض أعمال محمد والأخبار عن صفاته لنرى هل تثبت هذه دعواه كرسول من الله ونبي وإننا في بحثنا هذا نرى وجوب سلوك اللياقة التامة إكراماً لخاطر إخواننا المسلمين, وعليه فلسنا نريد أن نقتبس أقوال كتبة المسيحيين في ذلك بل نقتبس من مشاهير المسلمين وذلك أردنا أن لا نحكم بأنفسنا على أي أمر كان متذكرين قول بولس الرسول مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ? هُوَ لِمَوْلَاهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ (رو 14: 4), ونحن جميعاً عبيد الله وهو وحده الديان العادل ولكن يحسن لكل منا أن يرى رأياً خاصاً في الموضوع ولو لم يصرح به, ولكي يعرف القراء المحترمون حقائق هذه المسألة المهمة ليحكموا بأنفسهم إذا كان محمد حسبما يعتقد فيه المسلمون أم لا نرى وجوب اقتباس آيات قرآنية مع تفسيرها من أكابر المفسرين لئلا نخطئ في معناها ثم نأتي ببعض عبارات من حياة وسيرة محمد التي كتبها المسلمون وبعض الأحاديث المتفق عليها ليتضح ما فعل بعد ما نال قوة باتحاده مع قبيلتي الأوس والخزرج (الأنصار) واعتناقهم للإسلام, وليلاحظ أننا لا نأتي هنا بآرائنا بل نقتبس فقط عبارات إسلامية في الموضوع,

والمواضيع التي نريد أن نتكلم عنها هي (1) حوادث محمد الزوجية (2) طريقة معاملته لأعدائه, والعلماء من القراء سيرون إنه كان يمكننا اقتباس أقوال أدنى من التي اقتبسناها في كل موضوع ولكننا تحاشينا ذكر ما نظنه مبالغاً فيه أو تساهلوا في نقله كالمتأخرين من الكتاب الذي لم يفكروا بأن ما كتبوه مبالغ فيه فيصور ذلك للقراء المنصفين صورة غير ملائمة لمحمد, فتحاشينا الاقتباس من أمثال هؤلاء واكتفينا بالمؤلفات الأولى المقبولة لدى الجميع, وتوجد بعض الاقتباسات من كتب فارسية أو تركية تثبت أن العالم الإسلامي بأجمعه يوافق على ما سنذكره,

1 - مسألة زواجه - في سو رة النساء 4: 3 قاعدة لكل مسلم أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع أو ما ملكت يمينه ويفسر البيضاوي هذا الجزء الأخير بالسراري وهذه الآية تجيز تعدد الأزواج واتخاذ السراري لكل المسلمين في كل الأوقات وقد سبب ذلك أضراراً عظيمة شائعة في البلاد الإسلامية ولكن لم يكن لمحمد حد (1) (انظر روضة الأحباب حيث ترى كل شيء عن محمد كزوج) لزواجه لأنه يقول في سورة الأحزاب 33: 50 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكِ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَا مْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكْتَ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌوقال البيضاوي خالصة لك من دون المؤمنين إيذان بأنه مما خص به لشرف نبوته وتقرير لاستحقاقه الكرامة لأجله وقال أيضاً خالصة أي خلوصاً لك أن هبة خالصة ولكي نعرف مقدر استعمال محمد هذا الترخيص نجد أنه عند وفاته كانت له تسع نسوة أحياء فضلاً عن سريتين على الأقل مارية وريحانة ويقول ابن هشام أن محمداً تزوج ثلاث عشر ة امرأة منهن عائشة التي كانت بنت ست لما عقد عليها وبنت سبع لما بنى بها ابن هشام وابن الأثير والمشكاة والبخاري ,

أما مارية القبطية التي أرسلها المقوقس حاكم مصر الخ, فقد جاء في سورة التحريم 66: 1 و2 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَا للَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَا للَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ , وقد ذكر البيضاوي تفسيرين لهذه العبارة أحدهما أثبته سائر المفسرين وهو روي أنه خلا بمارية في فراش عائشة أو حفصة فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت, والحطايات بحذافيرها واردة في روضة الصفا وغيره ولكنا اخترنا هذا التفسير المختصر كي نتحاشى ذكر ما لا يجب ذكره ههنا وما تنيره لنا هذه الحكاية عن محمد ليس حسناً, وليلاحظ هنا أن وحياً نزل لحل الإيمان,

أما عن زواج محمد بزينب بنت جحش امرأة ابنه الذي تبناه زيد بن حارثة فإننا نقرأ في سورة الأحزاب 33: 37 و38 وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَا تَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَا للَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَّوَجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً يقول الجلالان في تفسيرهما ما ملخصه نزلت في زينب فزوجها النبي لزيد ثم وقع بصره عليها بعد حين فوقع في نفسه حبها وفي نفس زيدكراهتها (?) فقال هذا للنبي أريد فراقها فقال أمسك عليك زوجك ثم طلقها زيد وانقضت عدتها فدخل عليها النبي بغير إذن واشبع المسلمين خبزاً ولحماً, وقال البيضاوي أمسك عليك زوجك زينب وذلك أنه أبصرها بعدما أنجحها إياه فوقعت في نفسه فقال سبحان الله مقلب القلوب وسمعت زينب بالتسبيحة فذكرت لزيد ففطن لذلك ووقع في نفسه كراهة صحبتها فأتي النبي وقال أربد أن أفارق صاحبتي فقال مالك أرابك منها شيء فقال لا والله ما رأيت منها إلا خيراً ولكنها لشرفها تتعظم علي فقال له أمسك عليك زوجك فلما قضى زيد منها وطراً حاجة بحيث ملها ولم يبق له فيها حاجة وطلقها وانقضت عدتها زوجناكها والمعنى أنه أمر بتزويجها منه أو جعلها زوجته بلا واسطة عقد ويؤيده أنها كانت تقول لسائر نساء النبي أن الله تولى إنكاحي وأنتم زوجكن أولاؤكن وقيل كان السفير في خطبتها وذلك ابتلاء عظيم وشاهد بين على قوة إيمانه (1) (الضمير عائد على زيد لأنه بعد أن سمح الوحي بطلاقها منه وتزويجها للنبي قال له النبي: إني لا أجد ثقة تسمع لقوله سواك فاذهب إليها واخطبها لي فذهب وأتم ما أمر به ولو كرهت طبيعته هذا العمل (المصحح), ويتضح من هذا القول الأخير أن البيضاوي شعر أن هذا العمل أوجد الشك في قلوب الناس من عمله,

وتاريخ محمد مع صفية وريحانة ونسائه وسراريه موجود في ابن هشام وابن الأثير وروضة الصفا وروضة الأحباب الخ, ولا يحسن أن نورد شيئاً زيادة لعدم نفعه ولعدم لياقته إلا أنه بنير لنا أخلاق محمد, ولكننا نكفي أنفسنا بما اوردناه عن هذا الأمر,

2 - والأن لنتأمل في طرق معاملته لأعدائه وهنا أيضاً نذكر قليلاً من كثير فقط,

قد ذكر ابن هشام كيف سلمت قبيلة بني قريظة نفسها لمحمد بعد حرب طويلة والنبي حكم فيهم عدوهم المجروح, من حربهم سعد بن معاذ قال سعد إني أحكم فيهم أن نقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء قال ابن اسحق قال لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة, قال ابن اسحاق ثم استنزلوا فحبسهم بالمدينة في دار بنت الحرث امرأة من بين النجار ثم خرج رسول الله إلى سوق المدينة الي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعنقاهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليه إرسالاً وفيم عدو الله حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله أرسالاً يا كعب ما تراه يصنع بنا قال أفي كل المواطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يظل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله وأتى يحي بن أخطب عدو الله وعليه حلة نقاحية, فلما نظر إلى رسول الله قال أما والله ما لمت نفسي في عدوانك ولكنه من يخذل من الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس انه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه,

قالت عائشة لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت والله أنها لعندي تحدث معي وتضحك ظهراً وبطناً ورسول الله يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت لحدث أحدثته قالت فانطلق بها فضرب عنقها فكانت عائشة تقول فوالله ما أنسى عجباً منها طيب نفسه أوثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل, وهي التي طرحت الرحى على خالد بن سويد فقتلته,,, قال ابن اسحاق وكان رسول اله قد أمر بقتل كل من أنبت منهم قال ابن اسحاق ثم أن رسول الله قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين, ثم بعث سعد بن زيد الأنصار أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بها خيلاً وسلاحاً وكان رسول اله قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خشافة فكانت عند رسول الله حتى توفي عنها وهي في ملكه وقد كان عرض علهيا أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركني في ملكك فهو أخف عليّ وعليك (ابن هشام),

وبعد غزوة بدر بعد أن طرح المسلمون قتلى أعدائهم في القليب ورجعوا إلى المدينة بالأسرى قتل بعض الأسرى كما يقول ابن هشام قال ابن أسحاق حتى إذا كان رسول الله بالصفراء قتل النضر بن الحريق قتله على بن ابي طالب كما اخبرني بعض اهل العلم من أهل مكة, ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط قال عقبة حين أمر بقتله فمن للصبية يا محمد قال النار (ابن هشام باب ذكر الفيء ببدر والأساري) وحكاية قتل كعب بن الأشرف حكاها ابن هشام قال: ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم فقال رسول الله من لي بابن الأشرف فقال له محمد بن سلمة أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله, قال له فافعل إن قدرت على ذلك, فرجع محمد بن سلمة فمكث ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله فدعاه فقال له لم تركت الطعام والشراب قال يا رسول الله قلت لك قولاً لا أدري هل أفي لك به أم لا فقال إنما عليك الجهد فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل وأبو عبس بن جبرا أحد بني حارثة ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف فجاءه أبو نائلة فتحدث معه ساعة فتناشدا شعراً وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني قال افعل قال كان قدوم هذا الرجل (محمد) علينا بلاء من البلاء عادتنا به العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا فقال كعب أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول فقال له سلكان إني قد اردت أن تبيعنا طعماً ونرهنك ونوثق لك وتحسن في ذلك فقال اترهنوني أبناءكم قال لقد أردت أن تفضحنا أن معي أصحاباً لي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها قال إن في الحلقة لوفاء قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه فاجتمعوا عنده قال مشى معهم إلىبقيع الفرقد ثم وجههم فقال انطلقوا على اسم الله أعنهم ثم رجع إلى بيته وهو في ليلة مقمرة وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيته وقالت انك امرء محارب وأن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة قال انه أبو نائلة لو وجدني نائماً ما أيقظني فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر فال لها كعب لو يدعى الفتى لطعنه أجاب فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قال هل لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه فقال إن شئتم فخرجوا بتماشون فمشوا ساعة ثم أن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة طيباً أعطر قط ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه ثم قال اضربوا عدو الله فضربوه فاخلتفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئاً قال محمد بن سلمة فذكرت نصلاً لي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئاً فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار فوضعته في معدته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحرث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه أو في رجله أصابه بعض أسيافنا قال فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسفرنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحرث بن أوس ونزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا قال فاحتملناه فجئنا به رسول الله آخر الليل وهو يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل على جرح صاحبنا فرجع ورجعنا إلى أهلنا سيرة ابن هشام باب قتل كعب ابن الأشرف ,

ولنا حكاية أخرى عن محيصة وحويصة وقتل أحد رجال اليهود بأمر محمد والوسيلة التي اعتنق بها بعض أهل المدنية الإسلام قال ابن إسحاق قال من ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على ابن شينيه رجل من نجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من مخيصة فلما قتله جعل حويصة يصر به ويقول أي عدو الله اقتله أما والله لرب شحم في بطنك من ماله, قال محيصة فقلت والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك قال فوالله إن كان لأول إسلام حويصة قال الله لو أمرك محمد بقتلي لتقتلني قال نعم والله لو أمرني بضرب عنقك لشربتها قال والله إلا ديناً بلغبك هذا لعجيب فأسلم حويصة قال ابن إسحاق حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة عن ابنة محيصة عن أبيها محيصة (ابن هشام باب أمر محيصة وحويصة) ويذكر ابن هشام هذه الحكاية نفسها عن اعتناق حويصة الإسلام باختلاف عن هذا اختلافاً طفيفاً وكان السبب الخوف لأن محيصة قتل إنساناً بأمر محمد,

وذكر ابن إسحاق حكاية مقتل سلام بن أبي الحقيق بأمر محمد أيضاً فذكر أولاً أن بني الأوس وبني الخزرج كانا يتصاولان في غيرتهم على الإسلام فذكرت الأوس أنهم قتلوا كعب ابن الأشرف فقالت الخزرج والله لا يذهبون بها فضلاً علينا أبداً قال فتذاكروا من رجل لرسول الله في العداوة كابن الأشرف فذكروا بن أبي الحقيق وهو بخيبر فاستأذنوا رسول الله في مقتله فأذن لهم فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد بن أنيس وأبو تقادة الحرث بن ربعي وخزاعة بن أسود حليف لهم من أسلم فخرجوا وأمر عليهم رسول الله عبد الله بن عتيك ونهاهم عن أن يقتلوا وليداً أو امرأة فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيقي ليلاً فلم يدعو بيتاً في الدار إلا أغلقوه على أهله قال وكان في علّية له لها سلم قال فصعدوا فيها حتى أقاموا على بابه فاستأذنوا إليه فخرجت إليهم امرأته فقالت من أنتم قالوا أناس من العرب نلتمس الميرة قالت ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلنا عليه أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوفاً أن تكون دونه محاولة تحول بيننا وبينه قال فصاحت امرأته فنوهت بنا وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قطنية ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل قال فلما أنفذه وهو يقول قطني قطني أي حسبي حسبي قال وخرجنا وكان عبد الله بن عتيك رجلاً سيء البصر قال فوقع من الدرجة فوثبت يده وثئاً شديداً ويقال رجله (1) (راجع ما قلناه في معجزات محمد عن هذه الحكاية) وحملناه حتى نأتي منهراً من عيونهم فندخل فيه قال فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتفوه وهو يقضي بينهم,,, فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله فأخبرناه بقتل عدو الله واختلفنا عنده في قتله كلنا يدعيه فقال هاتوا أسيافكم قال فجئنا بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله هذا قتله أرى فيه أثر الطعام (سيرة ابن هشام باب مقتل سلام بن أبي الحقيق) وفي هذه القصة رأينا أن محمداً أمر بعدم قتل امرأة ولكن ليس هذا الحال دائماً لما نرى من قصة قتل عصماء وقتل رجل شيخ عجوز كما يظهر من ابن إسحاق, أن رجلاً يدعى أبو عفك بلغ من العمر نحو المئة كتب أشعاراً ضد محمد فقال من لي بهذا الخبث فخرج سالم بن عمير أخو بني عمرو بن عوف وهو أحد البكائين فقتله وعصماء بنت مروان كانت شاعرة هجت محمداً ببعض أشعارها قال ابن إسحاق قلما قتل عفك نافقت وكانت تحت رجل من بين خطمة يقال له يزيد بن زيد فقالت شعراً تعيب الإسلام فقال حين بلغه ذلك ألا آخذ لي من ابنة مروان فسمع ذلك من رسول الله عمير ابن عدي الخطمي وهو عنده فلما أمسى من تلك الليلة سرى إليها في بيتها فقتلها ثم أصبح مع رسول الله فقال يا رسول الله إني قد قتلتها فقال نصرت الله ورسوله يا عمير فقال هل عليّ شيء من شأنها يا رسول الله فقال لا ينتطح فيها عنزان فرجع عمير إلى قومه وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان ولها يومئذ بنون خمسة رجال فلما جاءهم عمير بن عدي من عند رسول الله قال يا بني خطمة أنا قتلت ابنة مروان فليدوني جميعاً ثم لا تنظرون فذلك اليوم أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة وكان يستخفي بإسلامه فيهم من أسلم وكان أول من أسلم عمير بن عدي,, واسلم يوم قتلت ابنة مروان رجل من بني خطمة لما رأوا من عز الأسلام (ابن هشام الجزء الثالث باب قتل أبي عفك وباب قتل عصماء بنت مروان) وفي رواية أخرى أن عميراً كان أعمى وكان سابقاً زوج عصماء وقد سرى إليها ليلاً في حجرتها وفي حضنها طفل فأزاح الطفل عنها وتحامل عليها بسيفه شيئاً فشيئاً حتى نفذ فيها ولما سمع محمد في اليوم التالي أشار إلى عمير في المسجد وقال قد نصر هذا الله ورسوله,

وقبل قتل ابن أبي الحقيق بقليل قتلت أم قرفة بأمر زيد وذلك بأن ربط القوم رجليها إلى جملين وألزموا الجملين بالسير إلى طريقين متعاكسين فانشقت المسكينة وتقطعت فهنأ محمد زيداً بعمله ولم يوبخه على هذا التوحش, وذكر ابن هشام أيضاً أن محمداً أرسل عمرو بن أمية وجبار ابن صخر من المدينة إلى مكة لقتل أبي سفيان بن حرب ولم يمكنهما قتله إذ عرفهما البعض ففرا ولكنهما قتلا ثلاثة رجال في طريقهما الواحد بعد الآخر, (ابن هشام الجزء الثالث باب بعث عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه) وكل ذي علم يعرف أنه من السهل علينا أن نقتبس من كتبة مشاهير المسلمين روايات عن أخلاق محمد أشد مما كتبنا مثل حكاية قتل مخيريق ولكن كفى بما ذكرناه في هذا الموضوع (1) (راجع رسالة الكندي عن ذلك) ولا نريد أن نقول كلمة واحدة من أنفسنا عن هذه الروايات فقط نسأل إخواننا المسلمون سؤالاً واحداً,

لو لم يدع محمد النبوة بل كان عربياً وثنياً كالعرب في الجاهلية ولم يتعلم عن الله تعالى الرحمن الرحيم القدوس بل كان فقط محارباً عظيمأً مثل تيمورلنك وكانت رغبته الوحيدة أن يكون قوياً ويلذذ نفسه بالطيب والنساء,

ففي أي شيء كان يختلف (بغض النظر عن القرآن والفرائض الدينية) عن تيمور فرغماً عن ادعائه النبوة والرسالة الإلهية أو بعبارة أخرى في أي شيء اختلفت أخلاقه الأبدية عن الفاتحين الذين جل قصدهم النجاح العالمي والتلذذ بالشهوات?

هل أخلاق محمد في ما ذكرناه من جهة العفة ومسامحة الأعداء والتواضع والشفقة والورع تبرهن على أن رسالته من الله وإنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين وأكمل الخلائق? وهل من الضروري أن نؤمن بدعواه رغماً عن أخلاقه التي ظهرت بعد ادعائه النبوة?

3 - أما طريقة الوحي لمحمد فعندنا أقوال كثيرة ففي ابن اسحاق وكتبة الحديث متفق عليها بين أهل السنة والشيعة ففي ابن اسحاق وابن هشام وابن الأثير وحسين بن محمد وفي علي جلبي (تركي) وفي كثير غير ذلك وتجد أحسن مجموعة للأحاديث في هذا الموضوع كتاب مشكاة المصابيح في كتاب الفتن وباب البعث وبدء الوحي,

قيل بعث في الأربعين سنة من عمره وكان بغار حراء بقرب مكة وزعم محمد أن الملاك جبرائيل جاءه وأمره أن يقرأ باسم ربه فرجع يرجف فؤاده إلى خديجة,

وقال زملوني فغطوه ويظهر أنه اغمي عليه لأنه رشوا عليه الماء حتى صحا لنفسه كما في ابن الأثير وقيل أن خديجة امتحنته لتعرف إن كان الشيطان هو الذي ظهر له فاقتنعت بأنه الملاك جبرائيل ولكن محمداً نفسه كان في شكوك كثيرة وخصوصاً لما فتر الوحي فترة فحزن النبي حزناً شديداً غدا منه مراراً حتى يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل عليه السلام, رواه البخاري وغيره,

وبعد ذلك كان كل ما جاءه الوحي تظهر عليه علامات تجعل الحاضرين ينتظرون منه آيات قرآنية فعن عائشة سئل رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت عنه قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول, قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وأن جبينه ليتفصد عرقاً (مشكاة المصابيح باب المبعث وبدء الوحي) وروى مسلم كان النبي إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه (المشكاة),

وقال ابن اسحاق إن محمداً كان يرقى من العين وهو بمكة قبل أن ينزل عليه القرآن فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه قبل ذلك واشتهر على بعض الألسنة كما ذكر صاحب كتاب إنسان العيون إن آمنة أم محمد رقته من العين وجاء أن رسول الله قال لخديجة إذا خلوت سمعت نداءان يا محمد يا محمد وفي رواية أرى نوراً أي يقظة لا مناماً وأسمع صوتاً وقد خشيت أن يكون والله لهذا أمر, وفي رواية أخرى أخشى أن يكون بي جنون فإنه كان يصيبه ما يشبه الإغماء بعد حصول الرعدة وتغمض عينيه وتربد وجهه ويغط كغطيط البكر, وروى عن أبي هريرة أن رسول الله كان اذا نزل عليه الوحي لم يستطع أحد أن يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي وفي لفظ كان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة وفي رواية كرب لذلك وتربد وجهه وغمض عينيه وربما غط كغطيط البكر محمرة عيناه وعن عمر بن الخطاب إنه كان إذا نزل على رسول الله الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل, وأيضاً عن أبي هريرة إنهم كانوا يضعون على رأسه الحناء بسبب ألم الرأس الذي كان يصيبه كتاب مرآة الكائنات وفي إنسان العيون عن زيد بن ثابت أنه لما كان ينزل عليه الوحي كان يثقل جداً فجاءت ساقه مرة على ساقي فوالله لم أر أثقل من ساق رسول الله , وكان يأتي الوحي أحياناً وهو على الجمل فكانت تنوء تحته وتجثو وكلماكان الوحي ينزل على النبي كان كأن نفسه تؤخذ منه لأنه كان يحصل له إغماء ويظهر كالثمل ,

ولم تبدأ هذه الحوادث مع محمد قبل النبوةبقليل بل من صغره منها أنه لما كان ولداً صغيراً وهو في الصحراء عند مرضعته حصل له نوع من ذلك ورويت هذه القصة في أشكال شتى ورواها مسلم عن أنس قال أتاه جبرائيل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طشت من ذهب بماء زمزم ثم لأمه وأعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا أن محمداً قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال أنس فكنت أرى أثر المخيط في صدره وعلى هامش هذا القول قال صاحب مشكاة المصابيح قد وقع الشق له مراراً فعند حليمة وهو ابن عشر سنين ثم عند مناجاة جبرائيل له بغار حراء في المعراج ليلة الإسراء فنرى أن ما حصل له في حداثته حدث له ثانية في غار حراء وهو ما يقال له مبعث الوحي,

ويقول ابن هشام أن زوج حليمة (ظئرة) قال لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فالحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به ولما أرجعته إلى أمه آمنة قالت هذه لها أفتخوفت عليه الشيطان قالت قلت نعم ,

وهنايعترضنا السؤال كيف يثبت أن هذا العارض كان إشارة إلى نزل جبرائيل ونزول الوحي? يخبرنا المؤرخون أن يوليوس قيصر الأمبراطور الروماني وبطرس الأكبر قيصر روسيا ونابليون بونابرت أمبراطور فرنسا الأول وغيرهم من العظماء والمحاربين حدث لهم مثل تلك العوارض, ولكنهم ليسوا أنبياء ولا رسلاً, بل أكد الذين كانوا معهم أنه مرض أصابهم,

لا شك أن بعض المسلمين من القراء درسوا علم الطب والبعض الآخر لهم أصدقاء أطباء فليبحثوا إذا ان يوجد مرض يظهر غالباً في سن الحداثة من أعراضه أن يصرخ العليل صرخة غريبة غير واضحة ويصرع إلى الأرض ويصفر لونه ثم أحياناً يصير بلون الأرجوان ويرتعد الجسد ويزبد الفم وتغلق العينان ويظهر المريض كأنه على وشك الموت وغالباً يرى أنواراً وأضواءً ويسمع صلصلة في أذنيه ثم يعتريه ألم شديد في رأسه, وغالباً يشعر بالنوبة قبل مجيئها,

أكدوا أن هذا المرض موجود وأنه ليس بنادر وحيث أن كاتب هذه الأسطر ليس بطبيب فلذلك لم يبث رأياً في هذه المسألة,

وأنا نترك للقراء أن يحكموا بهداية الله إذا كانت الحقائق التي رويناها عن محمد وعن اخلاقه تثبت أنه نبي مرسل من الله, ولنلاحظ أن ما أوردناه ليس كلام أعدائه بل أقوال أصحابه وأقربائه والمؤمنين به كخاتم الأنبياء والمرسلين,

الفصل السابع

بحث في كيفية انتشار الإسلام

أولاً في بلاد العرب ثم في البلاد المجاورة

من ابن هشام وسير نبي العرب الأخرى نعلم أنه لما ادعى النبوة في مكة في الأربعين من عمره استعمل أولاً الوسائل الودية لانتشار دينه الذي دعاه دين إبراهيم وثبت تعاليمه بتعاليم زيد الحنيف واستعمل نفوذه الشخصي وشدد وحاج العرب ليرجعوا عن عبادة الأصنام إلى عبادة الله تعالى, وكانت امرأته خديجة أول تابعة له ثم تبعها سبعة وهم عبده يزيد بن حارثة (ففك عبوديته) وأبو بكر وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة, ويذكر ابن هشام أسماء آخرين اعتنقوا الإسلام أولاً منهم الفتاة عائشة وهؤلاء اعتنقوا الإسلام سراً في السنوات الثلاث الأول لنبوة محمد ثم بدأ يذيع تعليمه جهراً تحت حماية عمه أبي طالب الذي لم يكن قد أسلم بعد, ولا نعلم إن كان قد اعتنق الإسلام بعد ذلك أم لا, وقد ذكر ابن هشام في الجزء الأول باب الهجرة الأولى إلى الحبشة أن ستة عشر مسلماً فقط هم الذين هاجروا في السنة الخامسة ولكن لحقهم من وقت لآخر آخرون إلى بلاد النجاشي حتى بلغ عددهم ثلاثة وثمانين رجلاً عدا بعض النساء والأولاد ولا دليل على قول بعضهم أن النجاشي أسلم إذ أن بلاد الحبشة لا تزال إلى اليوم تدين بالديانة المسيحية, وبعد ذلك بقليل أسلم قريب من أربعين من رجال ونساء بمكة ويقول أيضاً أن عشرين من نصارى نجران سمعوا القرآن وآمنوا, ولكن غالباً ليس بصحيح فإنه أولاً لا يمكن للمسيحيين أن يدخلوا مكة التي كانت وقتئذ ملأى بالأصنام وثانياً لأنهم بالطبع لم يجدوا في كتابهم عنه شيئاً كما قال ابن هشام وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره ,

وقد اجتمع أشراف قريش فأراد محمد ربحهم إلى جانبه بأن أكد لهم أنهم يملكون العرب وتدين لهم العجم لو عبدوا الله وتركوا عبادة الأصنام (ابن هشام),

وبعد هجرة كثيرين من أتباعه إلى الحبشة سعى نفس هذا المسعى لربح قريش بقوله أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى ففرح به المشركون حتى شايعوه بالسجود لما سجد في آخرها (راجع سورة الحج 22: 52) وتفسيرها فانتشرت الأخبار إلىالحبشة بأن أهل مكة قد أسملوا فرجع أكثرهم فوجدوا ما كانوا يخبرون به من إسلام أهل مكة باطلاً لأن محمداً غير الجزء الأخير من الآية حالاً كما تراها الآن في سورة النجم 53: 21-23),

وقد زار بعض رجال الأوس والخزرج الساكنين بيثرب أو المدينة مكة وهناك سمعوا محمداً فأسلم أحدهم ولكنه مات حالاً بعد وصوله لبيته وانتشر الإسلام رويداً ثم جاءه ستة نفر واعتنقوا الإسلام فلم تبق دار من دور الأنصار إلا فيها ذكر رسول الله , وفي بيعة العقبة الأولى جاءه اثنا عشر رجلاً وأرادوا مساعدته قال ابن هشام فاشترط علينا أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا ولا أرجلنا ولا نعصيه في معروف فإن وفينا نلنا الجنة , وسميت هذه البيعة بيعة النساء لأنها لم يفترض عليهم فيها حرباً, وقد بعث النبي مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين,

ثم ربح آخرين منهم رئيسين قويين هما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وفي السنة التالية رجع مصعب إلى مكة مع ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين من المدينة مسلمين, وفي بيعة العقبة الثانية أرادوا أن يساعدوه بسيوفهم كي ينصروا الإسلام على الشرك فقال لهم لم نؤمر بذلك ولكنه بعد مدة وجيزة صرح لهم أن الله أذن له بالحرب حتى يكون الدين كله لله, ووعد المؤمنين بالجنة, وبعد الهجرة ذهب كل مسلمي مكة تقريباً إلى المدينة وبقي في مكة محمد وأبو بكر وعلي مدة ثم هربوا من الخطر, ولا نعلم عدد المسلمين الذين تركوا وطنهم لأجل دينهم, وبعد سنة ونصف من الزمان خرج معه في غزوة بدر (الأولى) نحو ثلاثة وثمانين مهاجراً فنستنتج من هذا ان عدد الذين أسلموا في الثلاث عشرة سنة الأولى بواسطة تعليمه أكثر من المائة بقليل, ولنلاحظ أنه قد مات منهم نفر قليل, أما الذين اعتنقوا الإسلام في المدينة فكانوا يقلون عن مسلمي مكة بقليل وهؤلاء ربحهم بترغيبه لهم في الملذات الجسدية,

وقد ذكر أبو بكر في خطبته في جامع المدينة بعد موت محمد بقليل كيف أن مساعي محمد الودية لم تفلح في مكة فقال ما معناه مكث محمد أكثر من عشر سنوات بين قومه يدعوهم إلى الإسلام فلم يؤمن منهم إلا القليل وأخيراً بمشيئة الله تعالى بعث إليكم نور محياه واتخذ مدينتكم مأوى هجرته (عن روضة الصفا),

وقد مكث محمد ثلاث عشرة سنة يعمل بالوسائط الودية لنشر دينه وهذه هي الطريقة التي يجب على كل نبي حقيقي أن يتبعها ولكنه غالباً عرف كما صرح أبو بكر أن هذه المساعي لم تفلح إذ طرد من مكة مع أتباعه وسكنوا بين قبائل معادية لقريش, وقد أبقى في ديانته كثيراً من العوائد الوثنية كالطواف والحج واستلام الحجر الأسود فكان يستحيل عليه وعلى أتباعه أن يتمموا هذه الفرائض إلا إذا حاربوا أهل مكة (سورة الحج 22: 41 و42 وسورة البقرة 2: 216) ولم يرجع الأنصار عن رغبتهم في الحرب بل أخبرهم أن الله أمر بالجهاد لأجل الدين فصار نبي السيف وصار السيف حجة الإسلام الوحيدة من ذلك اليوم,

وإذا حكمنا على أخلاق محمد وتابعيه في ذلك الحين فيظهر أنهم ظنوا عدم لزوم اتباع القوانين الأدبية التي تعهدوا بها في بيعة العقبة إنما الأمر الوحيد المطلوب منهم هو الجهاد في سبيل الله بالسيف والحربة والقوس والسهم والخنجر الخ, وكانت هذه الأسلحة الواسطة في ارتكاب محيصة وأبي نائلة جريمة القتل كما ذكرناه قبلاً,

وإننا لا نود أن نشير إلى حالة محمد في العفة بل نشير إلى صاحبه عبد الرحمن الذي ولد له من ستة عشر امرأة عدا السراري, ولما هاجر عبد الرحمن إلى المدينة خيره سعد في أن يطلق له ما يختاره من نسائه ليزوجه بها فتزوج عبد الرحمن إحداهن, ولم يعارض محمد بذلك مع أن هذا زنى بحسب شريعة الله (مت 5: 32 و19: 9 ومر 10: 11 ولو 16: 18) ونرى خالد بن الوليد في فتوحه للشام أن سيرته كانت غير محمودة ومع ذلك لم يسقط اسمه وصيته بين المسلمين حتى أن القرآن أباح للمسلمين تعدد الزوجات واتخاذ السراري كما أن محمداً تزوج بقدر ما شاء وكذلك وعد المؤمنين بلذات شهوانية وخصوصاً للذين جاهدوا في سبيل الله, والذين ماتوا في غزواتهم فإنه شهداء عند ربهم وسترحب بهم الحور العين في الجنة حتى ولو قتلوا في غزوة لنهب الآخرين وللحصول على ما لهم بالقوة,

وما أعلن محمد الإذن بالحرب والجهاد والغزو حتى كثر انضمام العرب إليه وبعد وصوله للمدينة بقليل لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها مسلم كما ذكر ابن هشام, ثم عاهد وآخى بين المهاجرين والأنصار وأمر ببناء جامع,

وقد رأينا الذين أسلموا في غضون الثلاث عشرة سنة الأولى قبل الهجرة أما الآن فكانوا يكثرون جداً حتى أنه لما هاجم مكة بعد ثماني سنوات كان معه عشرة آلاف مسلم وفي السنة التاسعة للهجرة في غزوة تبوك كان معه نحو ثلاثين ألفاً من الرجال وبعد حين لما أرسلهم أبو بكر لفتح الشام قال الواقدي فنظر إليهم وقد ملأوا الأرض ولا شك أن أغلب هؤلاء التابعين قد انتموا إليه حباً في ما كانوا ينالونه من الغزوات وليس رغبة في ملذات الجنة وكان هذا فكر الخليفة المأمون, والبعض اعتنقه جبراً خوفاً على حياته, فكثيرون من اليهود الساكنين في المدينة أو بقربها اعتنقوا الإسلام قال ابن هشام فتظاهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل ونافقوا في الشر ويذكر أسماء كثيرين من الذين أسملوا ولهم عذر واضح في ذلك وهو ما جرى لإخوانهم بني النضير وبين قينقاع وبني قريظة,

ولكن ليس اليهود فقط الذين خيروا بين الإسلام أو الموت الشنيع بل كانت تلك المعاملة عامة حتى أنها عوملت بها قريش فبعد فتح مكة سنة 8 ه قالت قريش فتلنا فأسلمنا ,

ويذكر ابن هشام حكاية إسلام أبي سفيان الذي لما جيء به من السجن إلى النبي قال ويحكيا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله, والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لكان قد أغني عني شيئاً بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله قال أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً فقال له العباس ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك قال فشهد شهادة الحق إذ اقتنع بقوة تلك الحجة الدامغة وبهذه الحجة نفسها أسلم رفيقاه في سوء الحظ حكيم بن حزام وبديل بن ورقة,

ويخبرنا ابن الأثير ما معناه أن رجلاً يدعى بجير هجا محمداً في كلامه ثم رجع إليه واعتنق الإسلام وأن أخاه المدعو كعب لما سمع بذلك كتب شعراً يعيب محمداً فغضب النبي وأمر بقتله فكتب بجير إلى أخيه وطلب إليه أن يسرع باعتناق الإسلام قبل أن ينفذ فيه الأمر بقتله فانتصح كعب بنصح أخيه وبذلك أنقذ حياته,

وقد رغّب محمد تابعيه بوسائل أدنى من ذلك منها ترغيبه لهم الجهاد حباً في النساء فأمر الناس بالتهيوء لغزو الروم في غزوة تبوك وأخبرهم أنه يريد الروم بخلاف عادته فإنه قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وأخبر انه يريد غيرها إلا ما كان من هذه الغزوة فقال ذات يوم وهو في جهازه لذلك للجد بن قيس يا جد هل لك العالم في جلاد نبي الأصفر فقال يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجباً بالنساء مني وإني اخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فاعرض عنه وقال قد أذنت لك ففي جد بن قيس نزلت هذه الآية ومنهم من يقول أئذن لي ولا تفتني إلافي الفتنة سقطوا وأن جهنم لمحيطة بالكافرين أي أنه كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر بتخلفه عن رسول الله والرغبة بنفسه عن نفسه (انتهى ملخصاً من سيرة ابن هشام غزوة تبوك) ومما يدل على أخلاقه ما قاله عبد الله الهاشمي لعبد المسيح الكندي في ترغيبه له باعتناق الإسلام ما معناه الترغيب في الملذات الجسدية في الدنيا والآخرة كقوله بسماح الدين الإسلامي له بأن يجمع بين أربع نسوة عدا السراري وختم قوله له وأقبل داخلاً في الدين القيم السهل,

ومن البواعث الأخرى التي كان يحرضهم بها محمد للجهاد هو النهب والسلب وهذا واضح لكننا سنقدم قليلاً من ذلك منها إن عبد الرحمن ابن عوف الذي ذكرناه من المهاجرين جاء إلى المدينة فقيراً ولما مات ترك كومة من الذهب كانت تكال بالفؤوس حتى أدمت أيدي الناس في تفريقها وعدا ذلك ترك ألف جمل وكثيراً من قطعان الغنم والبهائم, ثم بعد غزوة نهاوند كانت الغنيمة فائقة الوصف حتى أنه بعد رفع الأخماس قسم ما بقي من الغنائم فكان سهم الفارس ستة آلاف درهم وكان سهم الراجل ألفين (راجع غزوة نهاوند في روضة الصفا),

وقد صرف محمد وقتاً طويلاً بين الهجرة وموته في وضع طرق الغزوات لإغناء تابعيه قال الواقدي أن محمداً حضر تسع عشرة غزوة من ست أو سبع وعشرين غزوة ويقول ابن الأثير أن الغزوات كانت خمساً وثلاثين ولكن ابن هشام يقول وكان جميع ما غزا رسول الله بنفسه سبعاً وعشرين غزوة,, قاتل منها في تسع غزوات هذا عدا السرايا والبعوث والنهاب الليلية الخ وإننا لا نعلق على أخلاق محمد هذه بل نكتفي بأن نشير إلى ما ذكره الكندي في رسالته عن ذلك فراجعه,

ولكي تطهر البواعث التي سببت انتشار الإسلام في بدء ظهوره وبعده نكتفي باقتباس قول الخليفة المأمون (1) (انظر رسالة الكندي طبعة سنة 1921 وجه 73-75 (من طبعتنا)) والله إني لا أعلم أن فلاناً وفلاناً وفلاناً حتى عدد جملة من خواص أصحابه ليظهرون الإسلام وهم أبرياء منه وبراء مني واعلم أن باطنهم ليخالف ما يظهرونه وذلك أنهم قوم دخلوا في الإسلام لا رغبة في ديانتنا هذه بل أرادوا القرب منا والتعزز بسلطان دولتنا لا بصيرة لهم ولا رعبة في صحة ما دخلوا فيه وإني أعلم أن قصتهم كقصة ما يضرب من مثل العامة أن اليهودي إنما تصح يهوديته ويحفظ شرائع توراته إذا أظهر الإسلام وما قصة هؤلاء في مجوسيتهم إلا كقصة اليهودي وإني لا أعلم إن فلاناً وفلاناً (حتى عدد جماعة من أصحابه) كانوا نصارى فأسلموا كرهاً فما هم بمسلمين ولا نصارى ولكنهم مخاتلون فما حيلتي وكيف أصنع فعليهم جميعاً لعنة الله,,, ولكن لي قدوة برسول الله وأسوة به لقد كان أكثر أصحابه وأخصهم به وأقربهم إليه نسباً يظهرون أنهم أتباعه وأنصاره وكان يعلم أنهم منافقون وعلى خلاف ما كانوا يظهرون له وصح ذلك عنده وأنهم لم يزالوا يبتغون له الغوائل ويريدون به السوء ويتطلبون له العثرات ويعينون المشركين عليه,,, ثم ارتدوا جميعاً بعد موته فلم يبق منهم أحد كان يظن به رشداً إلا وعلانية وسراً إلى أن أيده الله وجمع تفرقهم وألقى في قلوب بعضهم شهوة الخلافة ومحبة الدنيا الخ ,

وليس الارتداد عبارة عن الامتناع عن دفع الزكاة فقط وإن يكن مخالفاً للقرآن بل أن عموم العرب قد ارتدت عن الإسلام, حقيقة قال ابن الأثير ما معناه ارتدت العرب شرفاء ووضعاء من كل قبيلة وأعلن الشقاق ورفض اليهود والنصارى الخضوع وبقي المسلمون كالغنم في الليلة الماطرة لفقد نبيهم ولقلتهم وكثرة أعدائهم وكانت الظروف حرجة جداً حتى أنهم طلبوا من أبي بكر بشدة أن يبقى الجيش النازل قرب المدينة تحت أمرة أسامة بن زيد الذين أعده محمد قبل وفاته لغزو الشام ولكنه رفض أن يعصي أمر محمد الآخر فأخضع أبو بكر القبائل وردها للإسلام بالوعد والوعيدة بقوة السيف وهذا قد صرح به السيوطي وغيره في قوله لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردهم إلى الإسلام,

وهنا ابتدأ انتشار الإسلام خارج حدود بلاد العرب, فيجب أن نبحث أولاً كيف تم ذلك بأمر من وما هي الطرق التي استعملت في إقناع الناس بأن محمداً رسول الله وخاتم الأنبياء وبأي روح تم ذلك العمل وبأية حجة قبل أهل الشام ومصر وفارس اعتناق الإسلام,

لما سير أبو بكر الجيوش للشام بعد موت محمد قال ما معناه اعلموا أن رسول الله كان عزم على غزو سورية فأخذه الله إليه,,, وإني والله عازم على توجيه أبطال المسلمين إلى الشام وقد قال لي رسول الله قبل وفاته: وأعطيت مشارق الأرض ومغاربها وما أعطي لي فهو لأمتي (الواقدي فتوح الشام) ثم كتب أبو بكر كتباً للمسلمين ولمكة يأمرهم بالجهاد والجهاد اسم أطلقه كتبة المسلمين على الحرب وقد أوصى أبو بكر يزيد بن أبي سفيان حين خروجه مع الجيش إلى الشام بما ذكرناه في الفصل الثالث من الباب الثاني من هذا الكتاب ومحمد نفسه أوصى زيد بن حارثة ابنه بالتبني بمثل ذلك اقتلوا أعدائكم وأعداء الله الذين في الشام, وهناك تجدون أناساً في صوامع فلا تزعجوهم ولا تقتلوا امراة أو وليداً ولا تقطعوا نخلاً ولا تخربوا بيتاً (1) (قابل رؤيا يوحنا 9: 4) ولكن ذلك لا يدل على رحمة للنساء فإنهم كانوا يبقين لشيء أردأ هو التسرّي بهنّ, مع ما رأينا من محمد وقتله نساء في المدينة ومكة لسبب هجوه ولم يكن المسلمون أرحم منه على النساء بعد موته, أخبرنا السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء عن امرأتين أولاهما ذمت محمداً والثانية عابت الإسلام فإنهم قطعوا يداً من كل منهما وكسروا أسنانهما الأمامية, ولما سمع أبو بكر بذلك كتب قائلاً لو استشاروا في ذلك لكان أن تقتل الأولى, أما الروح التي بها اعتنقت الأمم المجاورة الإسلام فتظهر في شعر علي بن أبي طالب:

السيف والخنجر ريحاننا

أف على النرجس والآس

شرابنا دم أعدائنا

كأسنا جمجمة الرأس

وذلك بحسب تعليم القرآن فإن في سورة المائدة 5: 33 إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ثم في سورة التوبة أمرهم بعد الأربعة أشهر الحرم بالبراءة من المعاهدة مع المشركين فقال: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَا قْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَا حْصُرُوهُمْ وَا قْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (سورة التوبة 9: 5), ولا يخلو سبيلهم إلا على شرط إيتاء الزكاة وإقامة الصلاة والتوبة أو بلفظ آخر اعتناق الإسلام, ونجد الحكم على أهل الكتاب في نفس السورة آية 29 قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِا للَّهِ وَلاَ بِا لْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ,

ولا يزال هذا الأمر محتماً على المسلم الذي يجب عليه أن يلزم اليهود والنصارى أن يعتنقوا الإسلام أو تكون حالتهم أذل من حالة العبيد وكما سنرى قام المسلمون بهذا الواجب وبهذا غلبوا الشام وفلسطين ومصر وفارس, لا شك أن الدافع القوي لكثير منهم إلى الرغبة في الحرب هو حب النهب واتخاذ السراري, ولكن لا يفوتنا أن الدين شجعهم على ذلك, فكانوا يصرحون بأن سبب كل حروبهم هو لانتشار الإسلام أو بعبارة أخرى الجهاد وقد رأينا أن أبا بكر دعا غزوة الشام بهذا الاسم, وأن الخليفة عمر في كتابه لعياض بن غانم في فتح ديار بكر وبقية فارس يدعوها الجهاد, والمؤرخون من المسلمين يدعون كل الحروب بهذا الاسم, وكان يقدم لأهالي تلك الأمم القاعدة الموضوعة في سورة التوبة التي قام بحفظها المسلمون خير قيام وسنقدم بعض أمثلة من ذلك كتب أبو عبيدة لأهالي مدينة القدس لما حاصرها المسلمون إذا قبلتم ديننا أو رضيتم بدفع الجزية لا نتداخل في أمركم وإلا فأرسل لكم أقواماً الموت لأجل دينهم أحب إليهم من حبكم في أكل الخنزير وشرب الخمور وكذلك يزيد أرسل بمثل هذه الرسالة إلى مدينة القدس أيضاً, ماذا تجيبون عن دعوتكم الإسلام والحق والشهادة التي هي لا إله إلا الله ومحمد رسول الله حتى يغفر لكم الله ذنوبكم الماضية وبذلك تمنعون سفك دمائكم وإذا رفضتم فاعملوا معنا معاهدات مثل ما عمل من هم أعظم منكم وأقوى وإذا رفضتم هذين الشرطين فالويل والهلاك لكم , وقد ضمن كل ذلك المترجم في قوله إن الرئيسيخيركم بين الإسلام أو الجزية أو السيف فأجابه المسيحيون إننا لا نرتد عن دين المجد وإذا قتلنا فذاك أسهل لنا, وفي بدئ فتح أرمينيا كتب إلى يوستيوس حاكم بلدز يقول أرسلنا لكم كي تشهدوا أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أو تدخلوا في ما دخل فيه الناس أو تدفعوا الجزية صاغرين,

لما أرسل سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شيبة إلى يزدجرد في مديان كانت معه رسالة من الخليفة هذا معناها ندعوك إلى قبول الشريعة السمحة فإذا قبلتها لا تدخل قدم في ملكك بدون أذنك ولا يطلب منك سوى الزكاة والخمس وإذا لم تقبلها تلزم بدفع الجزية وإلا فاستعد للحرب, وقال الكاتب أيضاً إذا رفضتم الإسلام ودفع الزكاة والخمس فادفعوا الجزية وأنتم من الصاغرين فسأله يزدجرد عن معنى كلمة صاغر فقال معناها أن تدفع الجزية وأنت واقف على قدميك والسوط يعمل فوق رأسك ويقول الواقدي أن أبا موسى أرسله سعد بن أبي وقاص إلى القائد رستم قبل معركة المقدسية يقول جئنا لنطلب منكم أن تقبلوا الشهادة والإسلام وإلا فالسيف خير شاهد بيننا فيتضح أن المسيحيين والمجوس كانوا مجبورين على دخول الإسلام أو مخيرين بين إحدى ثلاث (1) أما الإسلام رغماً عن إرادتهم (2) أو دفع الجزية وهم من الصاغرين (3) أو الموت, وكله ناتج من قوانين القرآن الواردة في سورة التوبة كما أوردناها قبلاً ولا ننكر أن معاملة المجوس والمشركين كانت أشد من معاملة المسيحيين كما في آية 6 من نفس السورة فإن لقب أهل الكتاب هو لليهود والنصارى فقط,

وعليه فالذين أجبروا على اعتناق الإسلام خوفاً من السيف رفضوه لما رأوا في أنفسهم قوة على ذلك ففي سنة 30 ه أرسل الخليفة عثمان بن أبي العاص أو كما يقال سعد أخاه ضد يزدجرد الذي كان يساعد أهل استخر الذين كانوا خضعوا للإسلام ثم ارتدوا عن الصراط المستقيم ولكن التصريح بأن الإسلام ليس من الله فهو خطر أعظم جداً, إذ أن شريعة القرآن في ذلك القتل فقد جاء في سورة البقرة 2: 217 وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ,

وفي ابن هشام في باب فتح مكة يذكر أن محمداً قتل رجلاً لارتداده عن الإسلام,

وإذا اعتنق الإنسان الإسلام ظاهراً ولم يؤمن به باطناً فهو منافق ومصيره بحسب القرآن أنه في الدرك الأسفل من النار, ومع ذلك فكان الواجب الأول على المسلمين في أيام الإسلام الأولى أن يلزموا الناس باعتناق الإسلام أو بعبارة أخرى يلزموهم بالنفاق وكذلك الشهوات والتجارب العالمية كانوا يقدمونها لمن يقبل الإسلام ولو ظاهراً وبهاتين الطريقتين انتشر الإسلام, وكانوا يتخذون الجهل في تلك الأيام وسيلة لحفظ الناس في هذا الإيمان وذلك واضح من امر الخليفة عمر في المكاتب التي كانت توجد في البلاد التي يفتحونها,

فقد كتب أبو الفرج عن مكتبة الاسكندرية ما معناه,

إن عمرو بن العاص لما فتح مصر سنة 640 م سأل عمر ماذا يعمل بالمكتبة فأجاب إذا وافقت الكتب القرآن فلا لزوم لبقائها وإذا لم توافقه فيجب إتلافها, وفي كشف الظنون سأل سعد بن أبي وقاص لما فتح الفرس عما يعمل بمكاتبها, فكان جوابه ما معناه اطرجها في الأنهار فإن كان فيها هدى فنحن عندنا أحسن هدى في كتاب الله وإذ كان فيها ضلال فليقينا الله شرها وقد أطاعوا أمره في مصر وفارس, إلا أنه في عصر المعتزلة سادت الحرية نوعاً ما في البلاد الإسلامية في البحث والاستقصاء,

والاضطهادات التي وقعت على المجوس الذين رفضوا اعتناق الإسلام جعلت كثيرين منهم يهربون إلى الهند حيث سلالتهم الآن وفي بومباي في وسط الهنود الوثنيين من أن يعيشوا في بلادهم تحت ذل واضطهاد المسلمين, وكل من عاش أو سافر إلى البلاد الإسلامية يعرف مقدار الذل الواقع على الذميين سواء نصارى أو يهود أو مجوس فلا تقبل لهم شهادة في المحاكم ولا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم من الشر والحيف بل هم معرضون في كل آن للمذابح الإسلامية, كما حصل في أطنة وأرمينيا وفي بلغاريا منذ سنوات قليلة, ولمدة أجيال كانت تؤخذ أبناء المسيحيين خطفاً ويلزموا باعتناق الإسلام قسراً ويخدموا كيسقجية وهم جماعة الانكشارية التي أفناها أحد السلاطين قريباً,

ولماكان مصحح هذا الكتاب في فارس بقرب أصفهان كان يعرف شخصاً مسلماً ساكناً بقرية قريبة منه فقال له هذا المسلم منذ خمسين سنة لما كنت ولداً صغيراً كنت أنا ووالدي وكل أهلي من المجوس فأصدر المجتهد (العالم) يوماً ما أمراً بأن يعتنق جميعنا الإسلام, فذهبنا إلى الوالي وترحمنا منه ورفضنا أن نغير ديننا وقدمنا رشوة للعلماء وأشراف المسلمين, فأخذوا مالنا ولم يساعدونا, وصرح المجتهد أنه يقدم لنا فرصة حتى ينتصف يوم الجمعة المقبل فإن لم نعتنق الإسلام في تلك المدة فنقتل كلنا, وفي ذلك الصباح تجمهر حول قريتنا رعاع المسلمين وبأيديهم أسحلة مميتة منتظرين الميعاد المضروب ليبتدأ بالنهب والقتل وانتظرنا عبثاً أن يلين قلب عدونا حتى انتصف النهار ولكن عند الظهرتماماً التزمنا أن نعتنق الإسلام وبذلك أنقذنا حياتنا ,

وفي تلك المدينة إلى عهد قريب كان يوجد قانون مؤداه إذا اعتنق فرد من عائلة مسيحية الإسلام ولو كان أصغرهم فكل ممتلكات العائلة تسلم إليه ويطردوا أباه وأمه وإخوته وأخواته من بيتهم ويتركوا في ذل, وإذا تأملنا في التوحش والاضطهاد الذي حل بالذميين في مدة 1300 سنة الماضية في كل البلاد الإسلامية نتعجب كيف أمكن لبعضهم أن يقاوم الاضطهادات التي حلت بهم كي يكونوا منافقين,

وها قد انتهينا من بحثنا في دعوى الإسلام أنه آخر وحي من الله, وإذا تأملنا في المقياس الذي وضعناه في المقدمة وتأملنا في مقدار ما يوافق الإسلام هذا المقياس نجد الجواب سهلاً, وإننا نرى أن الإسلام ليس فيه إلا البند الرابع الذي يتفق مع المقياس ولكن من الوجه الآخر نرى في المسيحية جميع هذه الشروط,

الفصل الثامن

وهو الخاتمة

والآن أيها القارئ العزيز ها قد فحصنا معاً الأدلة التي تقام على صحة الإسلام وبحثنا دعاوي محمد بأنه سيد المرسلين وخاتم الأنبياء, فبقي عليك أن تحكم لنفسك تحت نظر الله العارف بقلوب البشر إذا كانت هذه الدعوى حقيقية أم كاذبة والله أرحم الراحمين نسأل أن يهديك إلى سواء السبيل,

فعليك أن تختار أما الرب يسوع المسيح كلمة الله أو محمد بن عبد الله - تختار ذلك الذي جال يعمل الخير أو المدعو نبي السيف - تختار الذي قال احبوا أعداءكم (مت 5: 44) أو القائل اقتلوا أعداءكم وأعداء الله - الذي صلى لأجل قاتليه (لو 23: 24) أو الذي أمر بقتل من عابه, لا شك أنك عارف بأخلاق وحياة المسيح التي هي من أعظم الأدلة وأقوى البراهين على صحة دعواه جاءت الشمس دليلاً على الشمس - إذا أردت أن تعرفه (الله) فلا تحول وجهك عنه ومن الوجهة الأخرى قد رأيت ما كتبه كتبة المسلمين عن حياة وأخلاق محمد, فاحكم لنفسك إذا كانت أخلاقه افضل من أخلاق المسيح فأنت مبرر في رفض المسيح وقبول محمد مخلصاً بدلاً عن المخلص, أنت عارف أن الكتاب المقدس هو كلام الله وهو يعلمنا أنه إتماماً للنبوات قد وضع حياته الثمينة لأجل الخطاة وكفر عن خطايانا أما محمد فمات موتاً طبيعياً ولم يدع أنه مات عن خطايا الناس, وقد قام المسيح حسب وعده وبحسب شهادة تلاميذه فأثبت بذلك أنه غلب الموت (2 تي 1: 10) أما محمد فلا يزال في القبر,

يوجد في المدينة بين قبري محمد وأبي بكر محل قبر يقول المسلمون أنه سيكون قبر سيدنا يسوع المسيح ابن مريم لم يدفن به أحد البتة, وفراغه يذكر الحجاج أنه حي (رؤ 1: 18) ومحمداً ميت فأي الاثنين أقدر على مساعدتك? أنت تؤمن أن المسيح سيأتي ثانية بل تنتظر الآن مجيئه بخوف وكذلك نحن المسيحيين ننتظر مجيئه الثاني برجاء وفرح عالمين أن وعده (يو 14: 3) ووعد ملائكته سيتم, أننا ننتظر الوقت الذي فيه يتم قال الرسول هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ? وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ? وَا لَّذِينَ طَعَنُوهُ? وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الْأَرْضِ (رؤ 1: 7) فكلما اقترب يوم مجيئه زدنا غيرة في طاعة أمره الوداعي (مت 28: 18-20) وداومنا الكرازة بالإنجيل لجميع العالم, حياتنا على الأرض ليست طويلة وكذلك حياتك فكأموات نطلب من أموات أن يؤمنوا بالله الحي القدوس العادل الرحيم, نسألك أن تقبل في داخل قلبك ذاك الذي هو نور العالم (يو 8: 12) حتى تسير في هذه الحياة في نور حق الله وتنجو من فخاخ الشيطان ومن سلاسل وعبودية الخطية ولا تخجل أخيراً من المسيح عند مجيئه ليدين العالم بالبر (مت 25: 31-46) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ (2 كو 5: 10) وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِا سْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الْأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الْأَرْضِ? وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللّ هِ الْآبِ (في 2: 9-11) ستجثو يوماً ما أمامه فلماذا لا تجثو الآن,

إننا نقدم لك البشارة المفرحة عن محبته التي جعلته يضع نفسه لأجلك أنت الذي لم تؤمن به كما آمن (1 كو 3: 15) تلاميذه, هو الآن يقدم لك مجانا هبة (رو 6: 23) الخلاص والثقة بمغفرة الله لخطايانا والنعمة لتخدمه تعالى بحياة جديدة وأخيراً يعطي لك مكاناً في المنازل السماوية (يو 14: 3) في حضرة الله في السماويات التي لا يدخلها نجس (رؤ 21: 27),

صل أيها الأخ أن يهديك الله وأن يرشدك إلى حكم عادل في هذا الأمر المهم قبل أن يفوت الوقت, وبذلك تكون في جانب الله في الحرب بين الحق والباطل, وتجد الحق في ذاك لذي هو الطريق والحق والحياة (يو 14: 6), وإن سرت هنا يومياً مع الله وقبلت في قلبك ذلك السلام الذي لا يمكن للعالم أن يعطيه لاحد وأعتقت من خوف الموت وجهنم يمكنك أن تنظر بفرح إلى قيامة مجيدة وعندما يأتي ثانية ليدين العالم بالبر تنال من يده القوية إكليل الحياة الأبدية,

عودة الى الصفحة الرئيسية