من هو الأعظم؟

 

دانيآل فراس كمال

تصدير

نشر أحمد ديدات كتيّباً اقتبس قسمه الأول من كتابٍ كتبه مسيحي كاثوليكي يُدعى "ميشيل هارت" واسم الكتاب "أعظم مائة شخصية مؤثرة في التاريخ" ثم اختتم ديدات كتيّبه بملخصٍ لخطبة الوداع التي ينسبها التقليد الإسلامي إلى محمد. وقدّم لترجمة كتيّب ديدات إلى العربية رمضان الصفناوي، فأولى لما سمّاه "شهادات المسيحيين لمحمد" قيمة كبيرة واستشهد بقول الشاعر العربي: "والفضل ما شهدت به الأعداء".

وواضحٌ أن المسيحيين ليسوا أعداء المسلمين، فوصف "المسيحيين" المستشهَد بهم (ومنهم الكاتب الساخر "جورج برنارد شو") كأعداء هو مخالفة صريحة للنصوص القرآنية. ورد في (المائدة 5: 82): "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ". (وقد وردت أيضاً على الأقل 123 جملة قرآنية في مدح أهل الكتاب من يهود ومسيحيين وغيرهم).ولكن يبدو أن آية السيف (التوبة 9: 5) نسخت تلك النصوص كلها (راجع ابن حزم الناسخ والمنسوخ، في هامش تفسير الجلالين، مطبعة الحلبي مجلد 2 ص 146-148) وفي (التوبة 9: 29) يُؤمر أهل الكتاب أن يؤدّوا الجزية "عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ".

ومهما يكن، فإن الأمر في (المائدة 5: 51) لا يعني أن النصارى أعداء، بل أن على المسلم أن لا يتّخذهم أولياء (أي أصدقاء ثقة) فلا يكون أي منهم وصيّاً لمسلم أو كفيلاً له، أو حكّاماً: "يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ". وفي جملة 57 يقرأ المرء كلاماً لا يعني أن المسيحيين ككل أعداء للإسلام والمسلمين: "يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ...". و"المفكرون" الذين مدحوا محمداً ورفعوا شأنه (وهم من المسيحيين) ليسوا من "الأعداء" بما أنهم "لم يتخذوا دين (الإسلام) هزواً ولعباً".

تمهيد

يستهل أحمد ديدات تقديمه لأقوال "هارت" بإعلانه أن "بالنسبة لكل مسلم.. محمداً هو أعظم خَلْق الله، وهو الذي أرسله الله ليكون رحمة للعالمين. إن نحو مليار مسلم لا يحتاجون إلى أبحاث أو بيانات أو فحوص للوصول إلى هذه النتيجة فالإيمان بأن محمداً هو الأعظم لا يحتاج إلى نقاش".

إن هذه الإعلانات لا تطابق القرآن نفسه، كما سيأتي الحديث لاحقاً. أما البحث عن برهان ودليل فإنه لا يضرّ المسلم بل ينفعه ليكون إيمانه مبنياً كإيمان المسيحيين. مثلاً، يقول بطرس الرسول عن نفسه وعن رفاقه الرسل والتلاميذ الأولين: "لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ (أي مشاهدين) عَظَمَتَهُ. لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللّهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْداً، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهذَا مِنَ المَجْدِ الأَسْنَى: هذَا هُوَ ابْنِي الحَبِيبُ الذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ. وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ (الإلهي) مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الجَبَلِ المُقَدَّسِ. وَعِنْدَنَا الكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، التِي تَفْعَلُونَ حَسَناً إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ" (2 بطرس 1: 16-19).

ويقول ديدات: "مِن المدهش حقاً عبر القرون أن كثيراً من كبار المفكرين من غير المسلمين قد وضعوا محمداً في أعظم مكانة، معترفين بأنه الأعظم... "ميشيل هارت" هو أمريكي مسيحي متبحّر في علم الرياضة والفلك والشطرنج، وعالِم ومحام، وبعد دراسةٍ مستفيضة، وضع ترجماتٍ (أي سِير) لأعظم مائة شخصية أثّروا في تاريخ العالم، مع ترتيب مكانتهم الشخصية، مع شرح ووصف ما قام به هؤلاء القادة الدينيون والسياسيون والمخترعون والكتَّاب والفلاسفة والعلماء والفنانون من أعمال. ومن خلال دراسته التي اشتملت على الشخصيات الشهيرة في التاريخ أمثال عيسى المسيح وموسى وقيصر ونابليون وشكسبير... رتب "ميشيل هارت" محمداً أنه الأول..."

أية سلطة أو كفاية "لهارت" حتى يكون مرجعاً؟

أعلم ديدات قُرّاءه أن "هارت... متبحّر في علوم الرياضة والفلك والشطرنج وعالِم ومحام". ولكن "هارت" ليس لاهوتياً ولا عالماً في الكتاب المقدس ولا حتى في الإسلام نفسه، إذ لم يرد في القرآن أن محمداً هو الأعظم. أما القول إن أحد "القسس" (مثلاً د. رسوورث سميث) مدح محمداً ووصفه بأنه "الرجل (أي الوحيد) الذي يحكم بالشريعة الإلهية لأنه كان يحمل بين جنبيه كل القوى بدون دعامتها المادية. إنه لم يُعنَ بارتداء ثياب القوة. إن بساطة حياته الخاصة كانت مطابقةً لبساطة حياته العامة"، فهذا الرأي شخصي لا يمثّل الدين المسيحي. ولو كان "القس" المذكور لاهوتياً قويم الإيمان لما رأى تلك "الشرعية الإلهية" بعد المسيح والرسل، لأن الإيمان المسيحي الصميم لا يقبل بعد المسيح وحياً أو نبياً (راجع عبرانيين 1: 1-2). أما عبارة سميث أن محمداً ما اعتنى بالقوة، فهو مخالف للحقائق التي تُقرّ بها كتب السيرة عن غزوات محمد وفتوحاته العسكرية التي قادها شخصياً أو عن طريق صحابته. وربما كانت حياة محمد العامة بسيطة، إلا أن حياته الخاصة وخصوصاً المشاكل بين أزواجه وسراريه، وانقسامهن إلى حزبين، واستياء بعضهن من مارية القبطية بعد أن حملت منه وولدت له ولداً ذكراً هو إبراهيم لم يعمر طويلاً - كل هذه الأمور الواردة في المصادر الإسلامية الثقة تدل على تعقيدات حياة محمد الزوجية والعائلية التي جعلته يقول في النساء "إن كيدهنّ عظيم". وكان هذا التعقيد سبب نزول "سورة التحريم". لقد حدثت خصومات ونزاعات ومنافسات زوجية بين نساء محمد (وبعض سراريه) إما بمناسبة مضاجعته للقبطية في بيت حفصة وعلى فراشها، أو بسبب أكله عسل مغافير عند سودة بنت زمعة، أو للسببين معاً (راجع كبار المفسرين للسورة المذكورة). وتأتي في سياق السورة كلمات موجّهة إلى محمد مع صفوان بن المعطل، وما جرّه من تعقيدات وشكوك وضعت الجُمل القرآنية لها حداً، فهو مَثَل آخر على تعقيدات حياة محمد الخاصة. وهذا غيض من فيض (راجع تفسيرات القرآن وسيرة ابن هشام وغيرها من أمهات المراجع الإسلامية).

ويتابع "القس د. سميث" استنتاجاته التي لا تمثّل الدين المسيحي بل هي آراء شخصية يجوز للإنسان عدم الموافقة عليها ودحضها، ومنها قوله: "بتوفيق مطلق ووحيد خلال كل التاريخ استطاع محمد أن يؤسس ثلاثة كيانات في ثوب واحد: الوطن والإمبراطورية والدين".

إنّ القس المذكور ينتقد موقف رجال الدين المسيحي الذين يستندون إلى القوة السياسية. فلماذا لا ينتقد هنا بنفس المنطلق إنساناً أسس كياناً سياسياً (وذلك أكثر من مجرد الاستناد إلى كيان سياسي)؟ ويلحظ المرء أن "الدين" هو آخر ما ورد في اللائحة الثلاثية التي وضعها سميث. وفي هذا لا يوافقه المسلمون. أما الفكرة المسيحية الصميمة فهي أن "ملكوت يسوع ليس من هذا العالم" (كما أعلن السيد المسيح للوالي الروماني بيلاطس في يوحنا 18: 36). وسيأتي لاحقاً النقاش في أمر "التوفيق بين الدين والسياسة" (الذي يشير إليه "هارت" أيضاً، لا كبرهان لعظمة محمد، بل كوسيلة لانتشار تأثيره). راجع كتابه المذكور ص 33.

ديدات يقلب أفكار "هارت" ويشوّهها

إن قراءة بسيطة نزيهة لمقدمة كتاب "هارت" حول أعظم الشخصيات تأثيراً في التاريخ تدل بشكل لا يقبل الشك أن محمداً ليس في نظره الأعظم (ص 28) بل أن يسوع هو أعظم منه (ويبدو أن القرآن ذاته يدعو إلى هذه النتيجة أيضاً). فقد أوضح "هارت" في أول صفحة من مقدمة كتابه أنه لا يقدم لائحة من هو أعظم، بل من هو أكثر نفوذاً، فيقول: "يجب أن أؤكد بقوة أن هذه اللائحة هي قائمة الشخصيات الأكثر نفوذاً في التاريخ، وليست لائحة أكثرهم عظمة... مثلاً يجد المرء مكاناً في لائحتي لرجل كبير النفوذ عديم الاستقامة والإحساس نظير "ستالين"، ولكنك لا تجد مكاناً للراهبة القديسة "الأم كابريني". إن هذا الكتاب يدور فقط حول السؤال: من كانت المائة شخصية التي كان لها أكبر أثر على التاريخ وعلى سير العالم؟... إن هذه اللائحة من الشخصيات الفذّة - سواء كانت نبيلة أو طالحة يلحقها اللوم، أكانت شهيرة أم غير معروفة، برّاقة أم متواضعة، تبقى لا محالة مشوّقة".

لذا يبين "هارت" أن "الأول" أو "الثاني" في لائحته ليس الأول من ناحية العظمة ولا من ناحية سمو الأخلاق، بل من ناحية تأثيره على أكبر عدد ممكن من الناس في أزمنة وأمكنة عديدة.

يعود المرء إلى محمد، ويجد أن "هارت" يصفه بنفس الكلمة التي وصف بها ستالين الشرير البغيض. عن محمد يكتب "هارت" في ص 34 (أوردها ديدات، ونقل الصفناوي النص إلى العربية في كتيبه ص 15): "أما في المدينة فقد آمن بمحمد كثيرون، واكتسب نفوذاً جعله حاكماً مطلقاً". الكلمة بالإنكليزية هي Dictator وهي نفس الكلمة التي يستخدمها "هارت" في أول كلامه عن "ستالين" (ص 324): "ستالين (واسمه الحقيقي يوسيف فيساريونوفيتش دزوكشفيلي) كان لسنين عديدة "دكتاتور" الاتحاد السوفياتي".

أما استناد ديدات إلى "هارت" ليؤكد أن هذا الكاتب أعلن أن محمداً هو الأعظم، فهو مخالف للنزاهة الأدبية والأخلاقية والعلمية، لأن "هارت" يقول خلاف ذلك تماماً. يقرأ المرء في مقدمة كتاب "هارت" ص 28: "لقد وضعتُ محمداً أعلى من يسوع (أي: قبله في اللائحة) كان ذلك على الأغلب، لاعتقادي بأن محمداً كان يتمتع بتأثير شخصي في صياغة الإسلام أكثر من يسوع في صياغة الدين المسيحي. وهذا طبعاً لا يعني أني أفكر أن محمداً كان رجلاً أعظم من يسوع".

بل إن الفقرة السابقة من الصفحة نفسها من كتاب "هارت" تؤكد تفوّق المسيحية على الإسلام كحركة وفكرة وعقيدة، فتقول: "أحياناً وضعنا في مكانة أعلى (أي من ناحية النفوذ) شخصية تكاد تكون وحدها مسؤولة عن حركة مميزة أو حادثة ذات شأن، وجعلناها أعلى من شخصيةٍ كان لها دور أقل نفوذاً وسيطرة في حركة أكثر أهمية. إن مَثَلاً قوياً لهذا النوع من الظروف هو ترتيبي لمحمد قبل (أي أعلى من) يسوع..."

ويدل كلام "هارت" على أن المسيحية أكثر أهمية من الإسلام، ولكن رأيه الشخصي أن نفوذ محمد الشخصي كان في الإسلام أكثر من نفوذ يسوع الشخصي في المسيحية. وسيتم الخوض في هذا الموضوع لاحقاً.

ويتابع "هارت" في ص 27 إيضاحاته للتمييز "بين الأكثر نفوذاً" والأعظم أخلاقياً أو علمياً بقوله: "لا الصيت ولا الموهبة (أي العبقرية) ولا سموّ الأخلاق ترادف النفوذ (تعليقنا: الأول في النفوذ ليس بالضرورة الأول في الأخلاق أو في الموهبة). هكذا لم يوضع في هذه اللائحة أي من بنيامين فرانكلين ومارتن لوثر كينغ وبيب روث وحتى ليوناردو دافينشي (مع أني أورد بعض هذه الأسماء في "لائحة الشرف" الملحقة). ومن جهة أخرى، لا يكون النفوذ دائماً إيجابياً أو بنيّة سليمة. إن عبقرياً شريراً مثل "هتلر" وارد في هذه اللائحة" (أي بسبب نفوذه وتأثيره وإن كان سلبياً إجرامياً). لذا يردد "هارت" هنا إيضاحه أن الأول في النفوذ ليس دائماً الأول في الأخلاق ولا في الموهبة ولا في الشهرة...

حكم "هارت" على نفوذ المسيح ليس صائباً

أما حكم "هارت" على نفوذ يسوع في "صياغة" الدين المسيحي فهو مبني على ناحية جانبية سطحية. فالمسيح لم يأت ليعلّم فقط (مع أن "لا أحد تكلم مثلما تكلم هذا الرجل" أي يسوع، حسب شهادة الذين أرسلهم رؤساء الشعب للقبض عليه، يوحنا 7: 46). "أتى ليطلب ويخلِّص ما قد هلك" (لوقا 19: 10). وفي هذا كان أيضاً نفوذه فريداً وعظمته فريدة. وكانت والدته العذراء مريم فريدةً في كونها بتولاً يشهد لها الإنجيل والقرآن معاً. ولم يكن دور يسوع الأساسي "تأسيس دين" بل تكميل الشريعة وإتمامها، وإنقاذ البشر من آثامهم. فلا يجوز لمسيحي حقيقي أن يستهين بدور يسوع ونفوذه: فهو آدم الجديد الذي أصلح خطأ آدم القديم (وهكذا يكون آدم في لائحة النفوذ بسبب سلبية ذلك النفوذ، أما الأول في النفوذ والعظمة فهو السيد المسيح الفادي).

كما لا يجوز لمسيحي صميم أن يُنكر ما ورد في الكتاب المقدس أن يسوع "هُوَ هُوَ أَمْساً واليَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ" (عبرانيين 13: 8) وأن يسوع هو "الأَوَّلُ والآخِرُ، والبداية والنهاية" (رؤيا 22: 13) وأنه "الكلمة" (يوحنا 1: 1). وفي القرآن نقرأ أن "المَسِيحُ عِيسَى ا بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ" (النساء 4: 171). يسوع هو الذي "صالح العالم" وأزال الحاجز بين بني إسرائيل وسائر شعوب الأرض (رومية 6: 6 وأفسس 2: 14-16 وكولوسي 1: 19-20 و2: 10-15). أما دور يسوع في إتمام شريعة موسى فهو فريد من نوعه (متى 5: 17-48).

إن جهل "هارت" بهذه الأمور الأساسية لا يجعله يستأهل أن يكون مرجعاً، لا في اللاهوت المسيحي ولا في الحكم على "تأثير" يسوع. وكفى السيد المسيح أن ميلاده السامي أصبح دون غيره - مركز التاريخ الذي قسمه ذلك المولد إلى قسمين: ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد. وإذا قال قائل إن هجرة محمد ذات شأن، فإنها بلا شك حادثة اتّخذها المسلمون نقطة انطلاق لتاريخهم، مفضّلين إياها على تاريخ مولد محمد بن عبد الله.

ويقرّ "هارت" بوقوعه في العديد من المطبّات، وإن لائحته ليست مطلقة (ص 31) بل إنها قابلة للاعتراض والرفض. وفي نفس الوقت يعترف بضعفها ومحدوديتها: فيبيّن مثلاً أن شخصيات غير معروفة (مثل الشخصية المجهولة التي اخترعت العَجلات للعربات ثم تطوّرت إلى سيارات فطيارات وغيرها) قد يكون لها - أو أكيد أن لها - أعظم الأثر على تاريخ الإنسانية وحياتها اليومية أكثر من أيٍ من الشخصيات التي وضعها في لائحته (ص 27). وما قاله "هارت" عن الشخصيات المجهولة يمكن أن يمتد إلى التأثيرات الباطنية الروحية داخل النفوس. فهل من تأثير إنسانٍ أكثر من نفوذ "كلمة الله وروح منه" أي المسيح ابن مريم؟ وهل من الضروري أن يظهر ذلك التأثير للملأ؟ أيجوز أن يحكم الناس على "كلمة الله وروح منه؟"

إيضاح آخر من "هارت"

يستشهد "هارت" في أول صفحة من مقدمة كتابه (ص 26) ببعض أقوال فولتير الذي كان قد وافق أن إسحق نيوتن "أعظم رجل" في كتابه رسائل عن "الإنكليز" فيقول: "نحن مدينون بالاحترام والولاء للذي يسيطر على عقولنا بقوة الحقيقة، لا للذين يستعبدون عقولنا بالعنف". أتى السيد المسيح فقيراً لطيفاً، لم يحمل سيفاً، وأمر رسوله بطرس في بستان الزيتون بأن يُغمد سيفه، "لأن كلّ الذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ" (متى 26: 52). وأعلن في (متى 11: 29) "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ القَلْبِ". ومعظم تلاميذه ورسله ماتوا شهداء، أي ضحايا العنف، لا في حروب ولا في فتوحات ولا غزوات، بل في اضطهادات شنّتها عليهم الوثنية المستهترة واليهودية الساخطة (أعمال الرسل من الفصل الخامس وما بعده).

صحيح أن العنف يؤثر على الناس أكثر من اللطف: الدين الذي ينتشر بالفتوحات العسكرية (وبالتحركات التجارية والزيجات) يمتدّ بسرعة أكثر من الذي ينتشر بالكلمة الهادئة وبالزهد في الدنيا وبعدم العنف. فالمسيحي الذي يعلن إسلامه يمكنه أن يفعل ذلك على صفحات الصحف وأن يظهر على الشاشة، ولكن المسلم (بحسب شريعة الردَّة في الإسلام) لا يقدر أن يغيّر دينه، ويُعتبر مرتداً يُهدر دمه بناءً على الحديث: "من بدّل دينه (الإسلامي) فاقتلوه". ولعله صدى لما ورد في المائدة 5: 54: "يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ".

طبعاً نفوذ القوة وقوة القوة وردع العنف أكثر تأثيراً على عامة الناس من دين مثل المسيحية لا يقتل الذين يرتدّون عنه. ولكن لا شك أن "الإكراه في الدين" له نفوذ على نفوس الضعفاء الجبناء. وكم من مسيحي أعلن إسلامه أمام الملأ. ولكن هل يقدر مسلم أن يُعلن أنه اعتنق المسيحية وأن يبقى متمتّعاً بكل حقوقه، في البلاد العربية والإسلامية؟! وهل يضمن سلامته من القتل؟ وهل من شِيم دين سماوي أن يقتل الذين يحيدون عنه؟

نعم العنف والخوف يؤثران أكثر من اللين واللطف (ولا يعني اللطف ميوعة). ولكن تأثير العنف سلبي بينما تأثير الحرية إيجابي. وإن الله يفضّل أن يعبده الناس طوعاً لا كرهاً، اقتناعاً لا خنوعاً.

الفصل الأول

مقابلة قرآنية بين المسيح ومحمد

يفرض عنوان كتيب ديدات أن محمداً هو الأعظم بين "خلق الله" وأنه "رحمة للعالمين". ويعكس المترجم للكتيب، رمضان الصفناوي، أفكار ديدات التي تتلخّص في أن محمداً "خير الأنام". ولكن يبدو أن للقرآن رأياً أخر:

ورد في البقرة 2: 253: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ". وهنا يعترف القرآن بأسمى المقام (أي بأكبر عظمة) للمسيح، فهو الوحيد الذي ذكره باسمه في نصّ هذا التفضيل. ويتضح ذلك من مجموعة الامتيازات العظيمة الفريدة التي تميّز بها المسيح من دون الأنبياء في جميع أطوار حياته، منذ الحبل البتولي به حتى رفعه إلى السماء. حياته سلسلة من المعجزات والبيّنات.

نصوص قرآنية عن المسيح وعن محمد

ورد عن محمد في الكهف 18: 110 "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ..." ولكن ورد عن المسيح في النساء 4: 171 "إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ". وفي سورة المؤمنون 23: 50 "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً". وفي الأنبياء 21: 91 "فَنَفَخْنَا فِيهَا (أي: مريم) مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ". (فالمسيح دون سواه من البشر آية في الحبل به وفي ميلاده). راجع أيضاً سورة مريم التي لم يمسسها بشر (19: 20 و21 و33) "قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ... والسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً". ويذكر القرآن أن المسيح تكلم وهو في المهد (جملة 30). وأنه كان يخلق الطير بإذن الله (آل عمران 3: 49).

أما عن محمد فيقول القرآن إن الله قال له: "مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ" (الشورى 42: 52).

ولم يذكر القرآن عن محمد أن الحَبَل به كان بتولياً، ولا أنه تكلم في المهد، ولا أنه خلق بإذن الله شيئاً، ولا أنه أبرأ ولا أنه أحيا، بل ورد في الإسراء 17: 59 وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ" وفي طه 20: 133 "وَقَالُوا لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى" وفي الأنعام 6: 37 "وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ". وفي جملة 58 : "قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ" (أي يُطلب من محمد أن يعتذر عن عدم حصوله على موهبة المعجزات).

ولكن عن المسيح ورد في البقرة 2: 253 "وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ". وأيضاً في المائدة 5: 110 ومريم 19: 31 "وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ". وفي النساء 4: 158 "بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ".

ومع أن القرآن يوجّه إلى محمدٍ مدحاً أنه "لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم 68: 4) غير أن مواضعقرآنية آخرى تدل على خطاياه: فنقرأفي محمد 47: 19 "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ"، وفي الفتح 48: 2 "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ"، وفي الشرح 94: 2 و3 "وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ". وفي الإسراء 17: 74 "وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً". وفي الضحى 93: 6 و7 "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى؟".

وأكد القرآن وجاهة السيد المسيح في حين أنكرها لمحمد في الدنيا والآخِرة. ورد في التوبة 9: 80 عن الاستغفار "في الدنيا اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ".

وفي الآخرة: نقرأ في الزمر 39: 19 "أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ؟". ولم يضمن محمدٌ لنفسه الخلاص، أي حُسن الختام، فجاء في الإسراء 17: 79 "عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً" وفي الأعراف 7: 188 "قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً, إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ".

ولكن اعترف القرآن للسيد المسيح وأقرّ له بالوجاهة في الدنيا والآخِرة "إِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ا سْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ" (آل عمران 3: 45). (ملحوظة: لم تبشر ملائكةٌ بمولد محمد، ولا وصفَتْهُ بأنه كلمةٌ من الله).

ولا مجال لمحاسبة السيد المسيح الذي جاء عنه في حديث ينقله صحيح البخاري (ج 3 ص 107): "لن تقوم الساعة حتى ينزل فيكم (أي بينكم) ابن مريم مُقسطاً". وورد في الزخرف 43: 61 عن المسيح "وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ" (بمعنى أن عودته إشارةٌ إلى حلول يوم الدين، بينما يقول في لقمان 31: 34 "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ"). أما محمد فيؤمرَ أن يجيب أنه يجهل الساعة: "يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ" (الأحزاب 33: 63 والأعراف 7: 187 وطه 20: 52).

الفصل الثاني

مقالة من وجهة نظر مسيحية

ربما يوافق المسلمون إخوتهم المسيحيين على بعض النقاط التالية، رافضين غيرها. ومع أن ضيق المقام لا يسمح بذكر المراجع والمصادر للمواقف المسيحية أو الإسلامية، فإنها معروفة لدى أهل العلم والكفاية، ويكفي أن يرجع القارئ إلى الكتاب المقدس ولا سيما الإنجيل والكتابات المسيحية الأولى من جهة، وإلى القرآن وأعظم العلماء والأئمة وأمهات المراجع الإسلامية في سيرة محمد والأحاديث من جهة أخرى.

ومع أن المسيحية ترفض أية مقابلة بين السيد المسيح ومحمد، إلا أن ضرورة الرد على الأسئلة والاعتراضات ودحض الأضاليل يحتمان هذه المهمة.

شخصية محمد

من ناحية الصحة: بعض أعراض مرضية غير واضحة (ينسبها الإسلام إلى الوحي، في حين يرى آخرون أنها ظواهر من أمراض نفسية) مثل الغطيط والرغي والزَّبد، وما إلى ذلك.

من ناحية الذكاء النظري: لا جديد ولا سموّ في تعاليم محمد (بالمقابلة مع سموّ شخصية المسيح والإنجيل) خصوصاً في قضايا الزواج والانتقام، فالموقف المحمدي، مع أنه أتى بعد المسيحي، هو في الواقع متخلِّف عنه، أي أنه عودةٌ إلى ما قبل المسيحية، ولا سيما في العين بالعين والسن بالسن" والاعتداء على الناس بما اعتدوا به علينا، ثم في قضايا تعدد الزوجات وغيرها...

من ناحية الذكاء العملي: بصفته قائد جماعة ودولة وجيش يتمتع بعبقرية تجعل منه زعيماً ورائداً قبلياً وسياسياً وعسكرياً, (يقرّ "هارت" أيضاً بهذه العبقرية وهذا النجاح والنفوذ من حيث سيطرة محمد في وقت قصير على شبه الجزيرة العربية بأسرها، راجع ص 34). ولكن "الحرب خدعة" و"الوغى كرّ وفرّ"، لذا يرى المرء محمداً يلجأ إلى الحيلة والمكر، وينتصر حيناً ويُهزم حيناً، ويغزو ويسبي. وليست هذه الشِّيم من خصال النبي ولا الرسول الحقيقي.

من ناحية الأخلاق: غزو وسبي، ثم تعدُّد في النساء، وفي كل هذه الأمور لا مجال لمقابلته مع السيد المسيح، الذي يشهد له الإسلام مثل المسيحية بالعفة التامة والوداعة واللطف واللين واللاعنف.

غزوات محمد

بلغت غزوات محمد التي غزا فيها بنفسه تسعاً وعشرين غزوة، وهي غزوات ودان وبواط العشيرة سفوان (وتسمى غزوة بدر الأولى) وغزوة بدر الكبرى وغزوة بني سليم وغزوة بني قينقاع وغزوة السويق وغزوة قرقرة الكدر وغزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر، وغزوة بحران بالحجاز وغزوة أحد وغزوة حمراء الأسد وغزوة بني النضير وغزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني ثعلبة، وغزوة بدر الأخيرة وهي غزوة بدر الموعد وغزوة دومة الجندل وغزوة بني المصطلق (ويقال لها المريسع، وبعد العودة منها تأخرت عائشة وباتت ليلة رجعت بعدها مع صفوان بن المعطل) وغزوة الخندق وغزوة بني قريظة وغزوة بني لحيان وغزوة الحديبية وغزوة ذي قُرُد وغزوة خيبر وغزوة وادي القرى وغزوة عمرة القضاء وغزوة فتح مكة وغزوة حنين والطائف وغزوة تبوك. وأما سراياه (أي الغزوات التي لم يقُدها بنفسه، بل أرسل إليها بعض أصحابه) فعددها تسع وأربعون. وقيل إنها تزيد على سبعين...

وتروي المصادر الإسلامية (في سِير محمد) أن دحية الكلبي أتى محمداً بعد إحدى الغزوات وطلب منه أن يعطيه جارية، فسمح له. فأخذ دحية صفية بنت حُيي، وكانت جميلة جداً. فذهب أحد المسلمين إلى محمد مُعرباً عن استيائه واستغرابه من أن دحية الكلبي أخذ لنفسه صفية سيدة بني قريظة والنضير وقال لمحمد: "إنها لا تصلح إلا لك وفعلاً استدعاهما محمد وطلب من دحية أن يأخذ جارية غيرها، ثم أعتق محمد صفية وتزوجها.

وإذا قال قائل إن المسيحية أيضاً انتشرت في بعض البلاد وفي بعض الأزمنة عن طريق العنف، فالجواب أن ذلك الانتشار مخالف لأوامر المسيح الواضحة وتصرفاته الوديعة في الإنجيل. وإذا كان بعض القوم في بعض البلاد وبعض الأوقات قد فرضوا الدين المسيحي بالسيف، فإن المسيحية قد تخلّت منذ زمن بعيد عن العنف. أما الإسلام فإنه يُحافظ إلى أيامنا على مبدأ العنف ووسائل العنف في حكمه، بهدر دم المرتد (أي المسلم الذي يبدل دينه). وفي حين يرى المرء محمداً يقود العنف ويوافق عليه، يشهد الإنجيل للمسيح مقاومته للعنف وكونه للعنف ضحية بريئة.

غدر محمد بأعدائه وأوامره باغتيالهم

أرسل محمد عمير بن عدي (وكان أعمى) وأمره بقتل عصماء بنت مراون لأنها ذمَّت محمداً، فدخل بيتها ووضع سيفه على ثديها ثم أنفذه من ظهرها. ثم رجع وأتى المسجد وصلى الصبح مع محمد وأخبره بما حصل، فقال محمد: "لا ينتطح فيها عنزان" (أي أنه لن يطالب أحد بدم عصماء، ولن ينشب حول موتها أي خلاف). وأثنى محمد على عمير وقال: "من أحب أن ينظر إلى رجلٍ كان في نصرة الله ورسوله، فلينظر إلى عمير بن عدي" . كما أرسل محمدٌ سالمَ بن عمير إلى أبي عفك اليهودي ليغتاله. وكان أبو عفك ابن مائة وعشرين سنة، وكان يقول الشعر في هجاء محمد. أقبل سالم عليه ووضع سيفه على كبد أبي عفك فقتله. وأرسل محمدٌ خمسة رجال لقتل كعب بن الأشرف الذي كان يهجو محمداً ويحرض قريشاً عليه. وكان أبو نائلة أحد الرجال الخمسة، وأخا كعب بالرضاعة. ومشى محمدٌ معهم إلى بقيع الفرقد ثم وجّههم وقال: "انطلقوا على اسم الله. اللهم أعِنهم". ورجع محمد إلى بيته. ووصل الرجال الخمسة إلى حصن كعب، فنادى أبو نائلة كعباً، فوثب كعب في ملحفته خارجاً آمناً إذ عرف صوت أخيه بالرضاعة، فغدر به الرجال وقتلوه وأخذوا رأسه. ثم رجعوا حتى بلغوا بقيع الفرقد فكبّروا. وسمع محمد تكبيرهم فكبر، وعرف أنهم قتلوا كعباً. وعندما انتهوا إلى محمد وهو قائم يصلي قال لهم: "أفلحت الوجوه" أي "لقد توفقتم وكرمت وجوهكم". قالوا: "وجهك يا رسول الله". ورموا برأس كعب بين يدي محمد.

ولما قُتل حمزة، عم محمد، في غزوة أُحد، غضب محمد وحلف أن يقتل من قريش سبعين نفراً عوضاً عن عمه. وعندما غزا محمد بني قريظة وحاصرهم قبلوا بالتسليم شرط أن يستحييهم بشفاعة قبيلة أوس. وفوّض محمد الحكم إلى سعد بن معاذ، وقرر سعد قتل الرجال وتقسيم الأموال وسبي الذراري والنساء. استحسن محمد ذلك الحكم وأمر ببني قريظة فأدخلهم المسلمون المدينة وحُفر لهم أخدود في السوق، وجلس محمد وأصحابه، وخرج بنو قريظة فضُربت أعناقهم. وكانوا بين 600 إلى 700 نفر.

إذا كان في التوراة شيء مشابه لذلك العنف في قتل الوثنيين وسبي نسائهم وأطفالهم فقد كانت تلك المرحلة بدائية ناقصة، بسبب قساوة قلوب بني إسرائيل. وقد اختفى هذا العنف كله في الإنجيل بعد أن أتى المسيح فادياً وديعاً متواضعاً لطيفاً لا عنيفاً، خادماً لا حاكماً، لا يحمل سيفاً بل غصن زيتون، لا يمتطي الجياد بل يركب حماراً (وهو حيوان أليف متواضع).

وأرسل محمدٌ عبدَ الله بن عتيك ومعه أربعة رجال لقتل أبي رافع لمناصبته محمداً العداء. أتوا بيته وفي مقدمتهم عبد الله بن عتيك الذي قال: "جئتُ أبا رافع بهدية". ففتحت له امرأة أبي رافع. ولما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشار إليها بالسيف فسكتت، ودخلوا عليه وقتلوه بأسيافهم.

وأرسل محمد عبد الله بن جحش ومعه ثمانية من المهاجرين وسلبوا عير قريش وكانت تحمل زبيباً وإدماً في آخر يوم من رجب. وكان القتال فيه حراماً. ولكن القرآن يبرر قتاله في رجب، وذلك في البقرة 2: 217.

ويُعلن الإسلام أن خُمس الغنيمة لمحمد، بحسب ما ورد في كتب تفسير القرآن وفي السيرة الحلبية وغيرها.
 

النساء في دنيا محمد وفي الجنة القرآنية في الآخِرة

لا يخفى على أحد تعدد الزوجات عند محمد، وذلك بعد المسيح بسبعة قرون. منها ما يشير إليه القرآن نفسه، ومنها ما ذكرته كتب السيرة والأحاديث. يورد القرآن في الأحزاب (خصوصاً في جملة 33 وما بعدها) أخذ محمد زوجة زيد بن حارثة الذي كان محمد قد تبنّاه. كما أن عدداً من زيجات محمد يفتقر إلى الاتزان: فأول زيجاته كانت من خديجة التي كانت تكبره بنحو خمس عشرة سنة، وتزوج بعدها الصبية عائشة وهي بنت تسع سنوات!

وقد أخرج ابن سعد عن منير بن عبد الله الدؤلي أن أم شُريك الدوسية عرضت نفسها على محمد وكانت جميلة فقبلها. فقالت عائشة: "ما في امرأةٍ حين تهب نفسها لرجل خير". قالت أم شريك: "فأنا تلك". فدعاها محمد "مؤمنة" وقد نزل فيها قرآن يقول: "وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ" (الأحزاب 33: 50). عندما قال محمد هذا الكلام ونسبه إلى العزة الإلهية علّقت عائشة: "إن الله يسرع لك في هواك".

وحدَّث هشام عن أبيه، قال: "كانت خَوْلة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي"، فقالت عائشة: "أما تستحي المرأة أن تهب نفسها لرجل؟", وحدَّث مرحوم، قال: "سمعت ثابتاً البُنَّاني" قال: "كنت عند أَنَس وعنده ابنة له"، قال أَنَس: "جاءت امرأة إلى رسول الله تعرض عليه نفسها"، قالت: "يا رسول الله، ألك بي حاجة؟" فقالت بنت أَنَس: "ما أقل حياءها! واسوأتاه! واسوأتاه!" قال أَنَس: "هي خير منك، رغبت في النبي فعرضت عليه نفسها" (البخاري نكاح 29).

وورد في الأحزاب 33: 51 "تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ (أي ترجي يا محمد من أزواجك وسراريك) وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ..." قال الحسن: "معنى هذه العبارة هو أن الله فوّض له أن يترك نكاح من شاء من نسائه وينكح من شاء منهن".

آوى محمد إليه من نسائه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، وكان يقسم بينهن سواء. وأرجى من نسائه خمساً: أم حبيبة (بنت معاوية بن أبي سفيان الذي قال عن محمد حال علمه بأن محمداً نكح ابنته: "ذلك الفحل الذي لا يُقدع أنفه!") وميمونة وسودة وجويرية وصفية. فكان يقسم لهن ما يشاء.

وقال علماء الإسلام - ومنهم البخاري ومسلم - إن محمداً كان يدور على نسائه (أي يجامعهن) في الساعة الواحدة من النهار أو الليل وهن تسع أو إحدى عشرة. وقالت المصادر الإسلامية إنه أُوتي قوة أربعين رجلاً أو أربعين أو مائة رجل من رجال الجنة. وذكر ابن العربي أنه كان لمحمدٍ من القوة في الوطء (اي الجِماع) الزيادة الظاهرة على الخَلْق . وكل هذه أدلة على قوة جسدية لا على نبوّة. إلا إذا جعل بعضهم من هذه القوة الجنسيّة الفياضة برهاناً للنبوّة!

أما السيد المسيح فمترفِّع عن الجسديات، ولا غبار عليه ولا علاقة جسدية له بامرأة. وقال: "إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِه"ِ (متى 5: 28).

وإذا قال قائل إن داود أو سليمان الحكيم وغيرهما اقترفوا الزنى وتعدد الزوجات، فإن ذلك كان مخالفاً للإرادة الإلهية لا مطابقاً لها. وهذا خلاف ما يقوله القرآن في حالة محمد. ولقد تاب داود وسليمان عن آثامهما، كما حلَّت بهما المصائب عقاباً لخطئهما. أما السيد المسيح فلا مجال للتشكيك في براءته الكاملة الشاملة. وهو في ذلك أيضاً مع والدته الطهور "آية للعالمين".

وفي حين يصف السيد المسيح السعادة الأبدية في الآخِرة بألفاظ الروحانية والعفة والاستغناء عن رغبات الجسد وحاجاته "ملكوتاً أبدياً" فيه "خمرة جديدة" أي رمزية غير الدنيوية، وفيه يكون البشر كالملائكة لا يتزوَّجون، يعرض القرآن الجنة نعيماً يجمع بين "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" (القيامة 75: 22 و23) وبين ملذات الجسد من ينابيع خمر وماء ولبن وعسل، ومن متع جنسية تتم عن طريق "حور عين". "لَمْ يَطْمِثْهُنَّ (أي لم يجامعهن) إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ" (الرحمن 55: 74) يقال إن الله أنشأهن إنشاء وجعلهن أبكاراً (بمعنى أن غشاء البكارة يعود أوتوماتيكياً إليهن بعد كل جِماع، ويتم بعد ذلك فضُّه باستمرار، ولكن "بدون ألم" وتكون تلك "أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ" (البقرة 2: 25) أي خالية من الحيض (وهو العادة الشهرية) وسوء خُلُق النساء من كيدٍ وغرور ومزاجيةٍ متقلِّبة وما إلى ذلك. ويتابع القرآن وصفه لهن: "كَواعِبَ أَتْرَاباً" (النبأ 78: 33) أي مكتملات الأثداء، وكلهن من عمر واحد (لئلا يحسد بعض "المختارين" البعض الآخر الذي حصل على حور أصغر سناً) (راجع الأوصاف المذكورة في سورتي الواقعة والرحمن).

أما السيد المسيح فهو "كلمة الله وروحٌ منه" ولم يكن بحاجةٍ إلى أن يجلس على فَخذي امرأة (كما فعل محمدٌ مع خديجة) ليتأكد المحيطون به إن كان الوحي الذي يأتيه من عند الله أم من عند الشيطان. ولا احتاج المسيح إلى أن يوصي بإحدى النساء بحجة أن "الوحي ما أتاه إلا في ثوب امرأةٍ بعينها" (كما قال محمدٌ عن نزول الوحي عليه في ثوب عائشة! البخاري - كتاب الهبة ج 3 ص 205). وما كان يسوع ليقع في تدهور مطبّات الشهوة (كما أشفق محمد على الأرملة سودة بنت زمعة فتزوجها، وبعد أن هرمت همَّ بطلاقها فوهبت ليلتها لعائشة). أما افتخار عائشة بأن محمداً كان يملك إربه (اي عضوه التناسلي) بمعنى أنه كان يضبط ميوله الجنسية حتى أنه كان يقدر أن يقبِّل بعض نسائه وأن يباشرهنّ والواحدة منهن حائض (من خلال إزار) (البخاري - غسل 12، وحيض 1، 3، 5, مسلم - صيام 65، 66)، فإن هذا الافتخار لا يوازي عفة السيد المسيح الكاملة، لأن الضبط الكامل يجعل المرء يتخلى نهائياً عن الجِماع أو الملامسة في أوقات الحيض أو الصوم. أما العفة الكاملة التي نادى بها السيد المسيح (متى 19: 16-21) متسامياً فوق الجسد والجنس، وتبعه فيها جمهورٌ غفير من رجال متبتّلين وعذارى بريئات عبر الأجيال (أمثال بولس وغيره - راجع 1 كورنثوس 7) فهي دليل إضافي لسمو المسيح والمسيحية، ولارتفاعها فوق مستوى الجسد والمال والبنين. والعظيم من سيطر على ميوله، والكبير من كان متسامياً على جسده.

الفصل الثالث

التأثير الحقيقي والنجاح الحقيقي

رأى "هارت" بأن لمحمد تأثيراً كبيراً على الإسلام بشكل مباشر، وعلى التاريخ بشكل غير مباشر. ويمكن أن يوافق المرء على حكم "هارت"، غير مستهين بنفوذ محمد الشخصي في الإسلام، مع أن القرآن يقول إن محمداً كان مجرد نذير وبشير، وإن ما أُوحي إليه هو ما أوحي إلى الذين من قبله، وإنه معرَّضٌ للنسيان والشك، وعليه أن "يَسْأَلِ الذِينَ يَقْرَأُونَ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ" (يونس 10: 94). فنستنتج أن الدور الذي تنسبه كتب السيرة والأحاديث وغيرها من أمهات المصادر الإسلامية إلى محمد هو أكبر بكثير مما ورد عن محمد في القرآن. وتكفي قراءة سريعة لكتاب النبهاني "الأنوار المحمَّدية" لنكتشف أن النسبة الأكبر مما يرويه الكاتب نقلاً عن المراجع المعتمد عليها هو صادر عن غير القرآن. ومن جهة أخرى لا تقبل الشيعة كثيراً من المراجع والأحاديث وكتب السيرة المحمدية التي يستند إليها أهل السُنَّة.

يعترف "هارت" أن لمحمد نفوذاً كبيراً - بغض النظر عن المراجع الإسلامية، أي سواء كانت مكانته كبيرة في القرآن أم في مصادر إسلامية أخرى، منها الأحاديث وكتب السيرة. ومن السهل أن يدرك المرء نفوذ رجل نادى بديانة وفعل ذلك في فترة انهارت فيها إمبراطوريات، منها الرومانية والفارسية. وكان ابن قبيلة عريقة فوحَّد كلمة قومه وحمل السلاح (بعد أن كان عُرضة للاضطهاد والاحتقار) وحارب وناضل وجاهد وأخضع بالسيف الأفراد والجماعات، وامتدت ديانته، ِمن بَعْد السيف، عن طريق النسل وقوافل التجّار (وكان محمدٌ نفسه تاجراً عند خديجة ووكيلاً لأعمالها). ويستمر النفوذ إلى أيامنا، إذ أن الإسلام ما تخلى عن معاقبة الذين يهجرونه معاقبةً شديدة تصل إلى الموت.

ولكن أليس هذا النفوذ كله أو معظمه "خارجياً"؟ أهو فعلاً نفوذ الشخصية أم نفوذ القوة والعنف والجنس وتكاثر النسل والمصالح التجارية؟ وعندما أسلم كثيرون من الوثنيين في شبه الجزيرة العربية أو من اليهود والنصارى، ألم يكن أحد الدوافع لذلك أحياناً الخوف والانصياع إلى الوعد والوعيد المعبَّر عنهما في الشعار "أسلم تسلم"؟

ألم تكن هنالك خصوصاً عند الذكور مصالح في اتِّباع رجلٍ كان يعدهم بالسبي والغنائم (وهي عناصر متأصِّلة في نفسية البدوي لحسده أهل المدن) وبتعدُّد الزوجات وسهولة الطلاق كما يريدون، معلناً أن "نساءهم حرثٌ لهم" وأن لهم الحق في "استحلال فروجهن" وفي أن "يأتوا حرثهم (أي نساءهم) أنَّى (أي أينما ومثلما) شاؤوا" (البقرة 2: 223)؟ ألا يفرح أهل البادية وغيرهم من البلاد الحارة الجافة برجلٍ يعدهم "بجنات تجري من تحتها الأنهار"؟

على هذه الأسس يكون نفوذ الأغنياء والأقوياء هو الأعظم بحجة الأقوى: وعليه يكون رئيس دولة عظمى مثل الولايات المتحدة أعظم الناس ويكون أكثر الشعوب عدداً (عن طريق التكاثر) "أعظم أمّة أُخرجت للناس".

وفي مضمار حمل السلاح، والانقياد للرغبات الجنسية، والاستنصار بالنسل وكثرة العدد (كما قال محمد لأمته: "تناكحوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة") يرى المؤرخون والمحللون نموذجاً أمريكياً موازياً نوعاً ما لمحمد بن عبد الله، هو "جوزيف سميث" مؤسس بدعة "المورمون" الذي تعرَّض لظواهر مَرَضية وادَّعى أن الله أوحى له عن طريق أحد الملائكة وأعطاه لوحين من ذهب على تلال كامورا. وكان "جوزيف سميث" مزواجاً (وهكذا كان خليفته بريغهام ينغ وغيرهما) وكان يسخّر الوحي لمصالحه الشخصية، فكان هو الآخر ربه "يسارع له في هواه" وجعل "جوزيف" على لسان العزة الإلهية حديثاً موجَّهاً إلى زوجته الأولى "إيما" طالباً منها أن "تقبل الزوجات الأخريات اللواتي سيهبهنّ لعبده جوزيف" (وهذا يوازي ما ورد في الأحزاب 33: 27-38 ثم 50-59). واضطر "جوزيف" وآله وصحبه أن يهاجروا من ولايتهم، ويسمُّونها "هجرة المورمون".

ويقول المحللون إن اغتيال "جوزيف سميث" وشقيقه "هايرم" في السجن وضع حداً كبيراً للمورمونية. ولولا هذان الاغتيالان لانتشر المورمون في كل أنحاء الولايات المتحدة، ولانطلقوا منها - مع إغراءات المال والجنس - لغزو العالم (ولو أن "جوزيف سميث" وصحبه لم يقوموا بغزوات، بل حاربوا فقط للدفاع عن أنفسهم).

وهكذا يثبت أن ذلك "التأثير" العظيم الذي ينسبه "هارت" إلى محمد كان مرجعه العبقرية وقوة الشخصية، ولكن عناصر الخوف والمصلحة والوعد والوعيد ومركب النقص عند العرب الذين لم يكن لهم نبي ولا كتاب مقدس، وتكاثر النسل والتهديد بالموت لمن يرتد عن ذلك الدين كان ذا تأثيرٍ مساوٍ أو أكثر بكثير من شخصية محمد الرائدة.

وإذا فحصنا الأحاديث وكتب السيرة المحمدية اكتشفنا تضاربها وتناقضاتها وعدم اتفاقها على الكثير من المعطيات حول محمد وصفاته وأقواله، من تأكيد قوته الجنسية الخارقة، إلى سرد أنه شعر بالضعف الجنسي وشكا إلى جبريل أمره فنصحه بأكل الهريسة. وإذا عرفنا أن البخاري ومسلم رفضا آلاف الأحاديث (قال أحد المسلمين: ما كذب الناس بقدر ما كذبوا في الأحاديث ). عندها تحوم شكوك كثيرة على والدي محمد وأصله وخلافاته العائلية وعلاقاته مع غير المسلمين من وثنيين ويهود ونصارى. ولنبقى متقيِّدين بما يعترف به المسلمون أجمعون، نعود إلى القرآن نفسه لنجد فيه مكاناً متواضعاً لمحمد، ولا ذكر لوالده ولا لوالدته، في حين أن القرآن يذكر السيد المسيح ووالدته باسمها الكريم وجدَّيه، ويقول إن والدة مريم العذراء قالت عن طفلتها: "وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ (يا رب) وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" (آل عمران 3: 36)، في حين أن القرآن لا يذكر مثل هذه الإنعامات على محمد ووالدته.

تحدثنا عن "الجنس والمال والنفوذ" عند "جوزيف سميث"، الذي حال الموت دون اكتساحه لأمريكا، ونجد معظم هذه العناصر في سيرة محمد، وردت في القرآن تارةً بصراحة وطوراً بالتلميح، ووردت بوضوح في كتب الأحاديث والسيرة والتفسير.

أما تأثير السيد المسيح الذي "ليست مملكته من هذا العالم" فهو أعظم بكثير من تأثير محمد، لأنه أتى، كما يشهد القرآن لا بقوة السلاح ولا بقوة المال، فقد كان أعزل فقيراً، ولم يقدم لأتباعه المغريات بل حذرهم: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي" (متى 16: 24). ولم يعتمد على التناسل، ولا حمل سيفاً ولا قاد غزوات وعد فيها المنتصرين المجاهدين بالسبايا والغنائم، بل "افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ" (2 كورنثوس 8: 9) ووُلد في مغارة "إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي المَنْزِلِ" (لوقا 2: 7) "فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ" (متى 8: 20), لذا سطعت شخصيته الفذة الفريدة، وجذبت إليه الملايين، وتأيَّد بروح القدس وأُوتي البيِّنات. فيا له من تأثيرٍ شخصي مباشر لا ينكره أي مسلم حقيقي! ويا له من تأثير روحاني أخلاقي لا شائبة فيه ولا شُبهة عليه!

هل نجح محمد في توفيقه بين الدين والدولة؟

كتب "هارت" (ص 33): "كان محمد الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي".

أولا: أوشك "جوزيف سميث" أن يحظى بمثل ذلك النجاح، ولكنه قُتل فتبددت آماله وتشتت أتباعه.

ثانياً: إذا كان قصد "هارت" من عبارته عن "نجاح محمد المطلق" فقط تأثير محمد في الدين والسياسة، أي جعله الإسلام ديناً ودولة، فكلامه صحيح.

ثالثاً: يبدو من ملحوظات "هارت" (في مقدمة كتابه) أن "الأكثر تأثيراً ونفوذاً" ليس بالضرورة الأعظم ولا الأفضل ولا الأسمى خُلقاً. ولو كان "هارت" مسيحياً صميماً، فإنه يُنكر إنكاراً شديداً أن يكون محمد هو "الأعظم" أو "الأفضل" لأن المسيحي الحقيقي يدرك محاربة الدين للدنيا والدنيا للدين، ويذكر كلمات السيد المسيح: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا" (مرقس 8: 35) "طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض" (لا لأهل العنف والقتل والغزوات)... "طوبى للمضطهَدين (لا للمضطهِدِين) من أجل الصلاح... طوبى لأطهار القلوب فإنهم سيعاينون الله... الروح مستعد أما الجسد فضعيف. الجسد لا يُجدي نفعاً... هنالك من جعلوا أنفسهم خصياناً من أجل الملكوت... لستم (يا تلاميذي) من هذا العالم كما أني أنا لست من هذا العالم" ويقول يوحنا الرسول: "يا إخوتي لا تحبوا العالم ولا ما في العالم. ما في العالم هو شهوة الجسد وشهوة العين وفخر الحياة".

ونقرأ في الفصل السادس من إنجيل لوقا واضح العبارات التي تدل على العقلية المسيحية التي ترى النجاح الدنيوي إخفاقاً في الدين، والغِنى الدنيوي فقراً روحانياً، والربح في الدنيا خسارة في الآخرة:

لوقا 6: 20 "رَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى تَلامِيذِهِ وَقَالَ: طُوبَاكُمْ أَيُّهَا المَسَاكِينُ، لأنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ اللّهِ" (في حين أن القرآن يصف المال والبنين أنهما زينة الحياة الدنيا ، وقال علي بن أبي طالب: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته"!)

آية 21: "طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الجِيَاعُ الآنَ، لأَنَّكُمْ تُشْبَعُونَ"، وهذا مخالف لعقلية الغزو والغنيمة والسبي حيث يشبع الغازي على حساب المهزوم الذي يدفع من ماله وشرفه.

وفي الآيات التالية يهنئ المسيح تلاميذه إذا اضطهدهم الناس. والحق أن في صمود محمد وصحبه أمام الاضطهاد والاستهزاء والمضايقات والتهديدات بالقتل - قبل هجرتهم، خصالاً حميدة لا يُنكرها صاحب ضميرٍ قويم.

أما النجاح "الدنيوي" والشعبية لدى الناس (خصوصاً عندما تتطلَّب مصالحهم تأييد فلان أو علاّن) فقد أدانه السيد المسيح في الفقرة نفسها (لوقا 6: 26) "وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَناً (أي مدحوكم). لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ (أي أجدادهم) يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ".

لذا لا يجوز ل "هارت" إذا كان مسيحياً حقاً أن يقول بنجاح مطلق لمحمد في الدين والدنيا، لأن من نجح هنا (حسب المنطق المسيحي) أخفق هناك، ومن نجح هناك أخفق هنا.

في ص 21 من الترجمة العربية لكتاب "هارت" (ص 39) خطأ كبير في النقل: يكتب "هارت" (ص 39): "على أي حال كان محمد مسؤولاً عن لاهوت الإسلام وعن أهم مبادئه الأخلاقية والأدبية". إلا أن الصفناوي يترجم: "أما محمد (ص) فهو المسؤول عن العقائد الإلهية والمبادئ الأخلاقية". إن "هارت" لم يقصد أن العقائد القرآنية من مصدر إلهي.

تأثير بولس وتأثير يسوع في المسيحية؟

يعرض "هارت" رأيه الشخصي (الذي يخالف مبادئ الديانة المسيحية) وهو أن لبولس اليد الطولى في المسيحية أكثر من السيد المسيح. يكتب في مؤلفه المذكور (ص 39): "أدّى محمد دوراً أكثر أهمية في نشر الإسلام من الدور الذي أداه يسوع في نشر المسيحية. فبالرغم من أن يسوع هو المسؤول عن التعاليم الروحانية والأخلاقية الأساسية للمسيحية، بخلاف ما حدث في الديانة اليهودية، فإن القديس بولس هو الذي أنشأ علم اللاهوت المسيحي ومبادئ التبشير، وألف الجزء الأكبر من العهد الجديد. أما محمد فهو المسؤول عن الاثنين: عن اللاهوت الإسلامي وعن مبادئه الأخلاقية، بالإضافة إلى أنه قام بالدور الرئيسي في إظهار الدين الجديد، وهو الذي أنشأ الأحكام العملية الدينية في الإسلام".

هنا أيضاً يحرّف الصفناوي (في ص 21) ما ورد في كتاب "هارت" المشار إليه، ص 39 حيث ورد: "بالإضافة إلى ذلك، إن محمداً هو كاتب الكتاب المقدس الإسلامي، أي القرآن، الذي هو مجموعة من أفكار محمد وتحليلاته التي اعتقد أن الله أوحاها إليه مباشرة". وهذه ترجمة الصفناوي: "وفوق كل هذا فهو (أي محمد) الذي "جاء" بالكتاب المقدس الإلهي للمسلمين (مع أن "هارت" كتب: "إن محمداً هو الكاتب أو المؤلف للكتاب المقدس الإسلامي" لا الكتاب الإلهي) وهو مجموعة ما تيقَّن (مع أن "هارت" كتب: "مجموعة ما اعتقد محمد" - بالإنكليزية believed) أنه موحى إليه من الله".

ويتابع "هارت" في نفس الصفحة 39: "معظم هذه الأقوال سُجِّلت بأمانةٍ أكبر أو أقل في مدة حياة محمد، وتمَّ جمعها عن طريق سلطةٍ تأمر وتنهى (ويشير هنا إلى أوامر الخلفاء ولا سيما أبي بكر وعثمان بن عفان) بعد وفاة محمد بوقت قصير..." ولكن الصفناوي يحرِّف الجُمل السابقة على النحو الآتي: "ومعظم ما تفوَّه به محمد تمَّ تسجيله بأمانةٍ خلال حياته (مع أن "هارت" يضع تفاوتاً في تلك الأمانة ) وجُمع بعضه إلى بعضٍ في وقتٍ قصير بعد وفاته بدقَّة متناهية" (مع أن هارت يستخدم عبارة authorative Way أي بطريقة صاحب سلطةٍ يفرض نفسه على غيره).

إن "هارت" يجهل تاريخ المصاحف (راجع ابن أشته في "المصاحف" والسيوطي في "الاتقان في علوم القرآن" والشيخين مسلم والبخاري وطبقات ابن سعد الكبرى وسُنن أبي داود): فقد "ذهب منه قرآن كثير" واستحرَّ القتل في قُرّاء القرآن يوم اليمامة وضاعت نصوص قرآنية كثيرة، وكانت سورة الأحزاب تُقرأ بعدد جُمل مثل سورة البقرة إلى أن حذف منها عثمان بن عفان (كما شهدت عائشة). ولم يجد زيد بن ثابت آخر سورة التوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، واقتتل الغلمان والعلماء والجنود في شأن نصوصٍ قرآنية... يستنتج القارئ أن الدور الأكبر كان لعثمان بن عفان - في مصحفه الإمام ولزيد بن ثابت وسائر أعضاء اللجنة (وبعدها للحجّاج بن يوسف الثقفي) في ضبط المصاحف وإتلاف معظمها والإقرار بنصّ واحد وبشكله، أي وضع الحركات وعلامات الترقيم. وفي هذا فعل أبو بكر وعثمان وزيد ما لم يفعله رسول الله أي محمد وقالوا عن عملهم: "هو والله خير" ("الإتقان في علوم القرآن" مجلد 1 ص 57 ثم "البرهان" مجلد 1 ص 234 ثم "تهذيب التهذيب" مجلد 3 ص 140).

وإذا قال قائل إن عيسى لم يكتب، فمحمدٌ أيضاً لم يكتب (حسب العقيدة الإسلامية).

بين المسيح وبولس

يخالف زعم "هارت" أن لبولس الرسول دوراً أكبر من دور السيد المسيح في العقيدة المسيحية والنزاهة العلمية. يسوع هو الفادي في العقيدة المسيحية، وعلى هذا الأساس لا تأثير أكبر من تأثيره ولا نفوذ أعظم من نفوذه. يسوع هو "الكلمة" وهو المعلِن للبشارة وهو مصدرها، فهو الأصل. أما بولس فهو - كما يرى "هارت" أعظم ناشرٍ لها. ولولا تأثير يسوع على بولس لما كان لبولس أي تأثيرٍ على المسيحية.

أما الصياغة بعبارات منها شعبي ومنها فلسفي للعقيدة المسيحية، على يد بولس، فهي أمر سطحي، لأن الجوهر والمضمون مأخوذٌ من تعاليم السيد المسيح. وبولس يكرر أنه خادم ليسوع سيده، وأنه لا يبشِّر بنفسه بل بيسوع المسيح سيداً (راجع الرسالتين إلى أهل كورنثوس) وأن المسيح غيّر حياته إلى حد أنه "ما عاد هو الحي بل المسيح هو الحي فيه" (غلاطية 2: 2) وأن "الحياة في نظره هي المسيح، والموت غنيمة" (فيلبي 1: 21). فمن الأعظم: بولس أم المسيح؟ جواب القرآن: المسيح، فلا ذكر في القرآن لبولس. وجواب المسيحية: بولس هو عبد المسيح وخادمه ورسوله. ومن صاحب النفوذ؟ العبد أم السيد؟ الفادي أم المفدي؟ صاحب الدعوة أم أعظم ناشريها؟

الفصل الرابع

محمد "من أقوال غير المسلمين"

لا حاجة لنا إلى ذكر أقوال غير المسيحيين عن يسوع (عيسى) ابتداءً بالقرآن نفسه. ولو أراد أحدٌ أن يجمعها في مجلدٍ لعجز عن ذلك لكثرتها...

ولكن تجدر مناقشة ما أورده ديدات من أقوال غير المسلمين في محمد (الترجمة العربية ص 27 وتابع):

يفرض "جورج برنارد شو" (وهو كاتب ساخر، وقد يكون رصيناً في هذا الإعلان) أن "حكم محمد للعالم الحديث بشكلٍ مطلق يجعله ينجح في حل مشاكله حلاً يحقق له السعادة والسلام". ولكن العالم اليوم يرفض أي حكمٍ مطلق، وينادي بالحرية. ومن جهة أخرى لا يقدر مسيحي حقيقي أن يقول كلام "ج. شو"، لأن المسيحي الحق يرى أن سعادة العالم وخلاصه في المسيح وحده دون غيره، "فليس بأحدٍ غيره الخلاص" (أعمال 4: 12). أما حل مشاكل العالم عن طريق الشريعة الإسلامية فهو أمرٌ يجدر بالمؤرّخين ورجال علم الاجتماع بحثه.

يكتب "البروفسور جولس ماسرمان": "ربما كان أعظم القادة في جميع العصور هو محمد الذي جمع مميزات كل هؤلاء" (أي، حسب ترتيبه لهم، باستير وسالك (أي المكتشفون والمخترعون) غاندي وكنفوشيوس والإسكندر وقيصر وهتلر (أي القادة العسكريون والسياسيون) وعيسى وبوذا (أي مؤسسو الديانات) .

أولا: ليس البروفسور المذكور متأكداً من كلامه. إنه يقول "ربما كان محمد..." وثانياً: كيف يجمع محمد خصال المخترعين أو المكتشفين؟ فهل اكتشف الإسلام، أو هل اخترعه؟ وكيف يجمع خصال عيسى، والقرآن يؤكد أن عيسى انفرد بها دون سواه بصفته "كلمة الله وروح منه"؟

ومن ديوان "شاندشاروما" في كتاب "أنبياء الشرق" يقتبس ديدات ما يلي: "لقد كان محمد روح الرحمة وكان تأثيره قوياً ودائماً بين كل من أحاط به". ولكننا نعلم أنَّ محمداً لم يحمِ الذين أرسل أناساً لقتلهم مثل عصماء بنت مروان وأبي عفك وغيرهما.

ويكتب "لامارتان" في كتاب "تاريخ تركيا" جزء 11 ص 276: "لقد كان محمد فيلسوفاً وخطيباً ورسولاً ومشرِّعاً ومحارباً وفاتحاً لآفاق الفكر". ولكن المسيحية ترفض أن يكون المحارب فيلسوفاً، وأن يكون صاحب العنف محرِّراً للبشرية وفاتحاً لآفاقها!

ويستمر "لامارتان" في "تاريخ تركيا": "إذا التفتنا إلى كل المستويات التي يمكن أن تُقاس بها العظمة الإنسانية فإننا نتساءل بحق: هل يوجد من هو أعظم من (محمد)؟"

إذا قصد "لامارتان" في "العظمة الإنسانية" النفوذ والرجولة والفحولة والقوة العسكرية والسياسة والقَبَلية، فقد لا يوجد أعظم من محمد. وإذا قصد العفة وضبط الغرائز والعفو عند المقدرة والصفح عن المعتدين، فمحمد يقصر في تصرفاته وتعاليمه التي تجعل "أسوة حسنة" و"خير الأنام" رجلاً أرسل أناساً لقتل أعدائه ومقاوميه، وأخذ بالسيف وطاوع رغبات الجسد... وبما أن "أهل البيت أدرى بما فيه" فليسألن المرء تركياً أصيلاً، هو مصطفى كمال أتاتورك، وهو أبو تركيا المعاصرة الذي قال في محمد والإسلام: "هذه الديانة (أو: هذا اللاهوت) اللامعقولة التي أنشأها بدوي غير خلوق، هي جثة منتنة تسمّم علينا حياتنا". وبالطبع يحقّ لكل مسلم أن يرفض تعليق أتاتورك، وأن يصفه بالكفر. كما يحق للمسيحيين أن يرفضوا رفضاً باتاً أقوال الذين يزعمون المسيحية ويُعجبون بفضائل محمد وبسموّ تعاليمه وعقائده.

أما "آني بيسانت" التي يزداد إعجابها بمحمد كلما قرأت سيرته فهي حرة في ذلك، وموقفها مخالفٌ للمسيحية الصميمة التي لا تحسب محمداً نبياً، ولكنها في الوقت نفسه لا تحتقره ولا تستهتر بأتباعه. وفعلاً يدهش المرء عندما يقرأ أقوال امرأة معجبة ب "سلوك نبي العرب العظيم" الذي كثرت نساؤه وكان الحاكم الكامل لحياتهن وكان يفضل إحداهن على الأخرى، وجعل في القرآن أمر الطلاق في يد الرجال الذين هم "قوامون على النساء" وذكر "استمتاع الرجال" بالنساء (النساء 4: 24) وملكت يمينه سراري أي جواري (وهن زوجات من الدرجة الثانية) وكان يحرّم على نفسه مارية ثم يعود فيعاشرها (راجع أسباب نزول سورة التحريم).

أما استنتاج "دائرة المعارف البريطانية" أن "محمداً هو أعظم الأنبياء والشخصيات الدينية نجاحاً" فهو رأي مؤلفين ليسوا من علماء المسيحية ولا الإسلام، إذ يضع القرآن المسيح عيسى ابن مريم في مكانة أعلى من مكانة محمد بكثير. أما إذا قصدت الموسوعة البريطانية النجاح الدنيوي عند محمد فقد تكون صائبة. ولكن النجاح الديني الروحاني لا يُقاس بالنجاح الدنيوي، فقد قال السيد المسيح له المجد إن الباب الضيق أعسر من الطريق الواسع. ولعل الإسلام طريق واسع قبل العنف والجنس وقدسهما في حين ضاقت بهما المسيحية وأعطتهما حجمهما العادي كأمور مؤقَّتة، يجدر بالمؤمن الصميم أن يسمو عليها.

أما زعم "جورج برنارد شو": يجب أن نُطلق على محمد (لقب) مُنقِذ "الإنسانية" فهو مخالفٌ للمسيحية التي لا تعرف مخلصاً ومنقذاً إلا السيد المسيح الفادي ابن مريم... وتجدر دراسة التاريخ وعلم الاجتماع ليرى المرء إذا كان محمدٌ محرراً للإنسانية. وكيف يكون ذلك وهو الذي قال: "من بدل دينه فاقتلوه"؟ نعم، كيف يُنقذ أحدٌ الإنسانية عندما يسلبها حرية الضمير وحرية اختيار الدين الذي تراه مناسباً، خصوصاً وأن "لا إكراه في الدين"؟

المقابلة البغيضة

كيف يخطر على بال "مسلم" مثل ديدات، و"مسيحي" مثل "هارت" أن يقابل كل منهما بين السيد المسيح ومحمد؟ فديدات يخالف القرآن في إعلانه أن محمداً هو الأعظم، وهارت يخالف الإنجيل والتاريخ عندما يحسب النجاح العسكري والسياسي نصراً دينياً، ناسياً لمحمد تعدُّد الزوجات واللجوء إلى العنف للتخلص من الأعداء. وحتى بعد أن "يستنتج" "هارت" تفوقاً لمحمد في النفوذ، فنتيجته الأساسية التي لا يمكن تجاهلها هي أن السيد المسيح هو الأعظم بشهادة المسيحية والقرآن والتاريخ.

وإذا بقي عند بعض القوم شك، مع كل ما سبق من إيضاحات فالرجاء أن تكون هذه الخاتمة حسن ختام.

حماية للسيد المسيح الإنسان

ووالدته من الشيطان الرجيم:

ورد في آل عمران 3: 36 أن والدة سيدتنا مريم العذراء قالت عندما وضعتها: "وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". وقد فسّر البيضاوي هذا النص استناداً إلى حديث نقله أبو هريرة: "ما مِن مولودٍ يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخاً من مسِّه. إلا مريم وابنها". ويقول صحيحا البخاري ومُسلم: "فذهب الشيطان ليطعن، فطعن في الحجاب، فلم تنفذ إليها (أي إلى العذراء مريم)".

تؤكد هذه النصوص القرآنية، مع التفسير والأحاديث الثابتة لدى المسلمين، امتياز مريم وابنها المسيح،فكان لهما ما لم يكن لمحمد ولا لوالدته.

كما سبقت الإشارة إلى الحَبل البتولي بالسيد المسيح، حسب شهادة القرآن في مواضع عديدة، ولم ينل محمد تلك النعمة.

ويُجمِل القرآن مكانة مريم الفريدة بكلامٍ واضح عن امتيازٍ انفردت به دون النساء وفوق النساء قاطبة: "يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ" (بما فيهنَّ والدة محمد بن عبد الله). ونلحظ تكرار "اصطفاك". ولم يستثنِ من نساء العالمين أم محمد أو غيره (آل عمران 42).

إتيان المسيح بالبيِّنات وتأييده بروح القدس وعبقريته وعفته ولطفه:

لا حاجة للعودة إلى النصوص القرآنية التي تؤكد تفوُّق المسيح على الأنبياء وكونه "كلمة من الله وروح منه". أما عبقريته الملهِمة فهي في سموّه ليس فقط على رغبات الجسد (التي لم يكبح لها محمد جماحاً) ولا عن طريق القساوة والعنف فحسب، بل في سموّه فوق أساليب "التأثير" والضغط البشريين من وعد ووعيد ومن ترغيب وترهيب. فتبعته الملايين وشعار ديانته الصليب، وانحنت له الرؤوس وهو الذي عاش فقيراً ومات فقيراً، رذله بنو إسرائيل واحتقره الوثنيون. ولكنه بقوة شخصيته وفدائه ومعجزاته أنشأ الإنسان الجديد.

الفصل الخامس

محمد صورة من الإنسان القديم

إذا تركنا جانباً قضية "التأثير" وهي مسألة معقّدة لا يتمّ عليها اتفاق (كما قال "هارت" في أول كتابه المذكور) نعود في جولة أخيرة إلى موضوع العظمة الحقيقية الخالدة. إن أعظم عظمة هي تلك التي تخترق الأجيال والقرون وتبقى صامدة أمام الزمن وتآكل السنين. والواقع أن العظمة المحمدية - في بعض نواحيها - انقضت ولم يبقَ لها في أيامنا من أثر:

1 - العبقرية العسكرية: انتهى عصر السيف والرمح والقوس والترس والخندق والسلاح الأبيض. أتت الدبابات فالطيارات فالصواريخ، ويعلم الله ما سيأتي بعد. وإذا كان محمد قائداً عسكرياً عبقرياً، فقد انتهت تلك العبقرية. أما يسوع فما في عبقريته من سلاح، لذا لا تنقص عبقريته عبر الأجيال.

2 - العبقرية السياسية: وصلت الحضارة الإنسانية في إيجابياتها إلى فصل السياسة عن الدين، لأن السياسة مصالح والحرب خدعة والمصالح "مكيافيلية"، يبرّر الهدف فيها الوسيلة. وكلما ترفَّع رجل الدين عن مطبات السياسة وغياهبها ومراوغاتها ومناوراتها، حفظ نفسه من أدناس هذا العالم (يعقوب 1: 27). وبعد تحليلٍ بسيط نستنتج أن السياسة والديانة على طرفي نقيض: فالسياسة كذب والدين صدق. السياسة تقلّب يتحوّل فيه العدو إلى صديق والصديق إلى عدو، أما الديانة فثبات. السياسة حقد وضغينة مبيَّتة يقول فيها الدبلوماسي خلاف ما يُضمر، والدين إخلاص وصدق. السياسة ركض وراء المال للسيطرة على الناس واستعبادهم وقد "ولدتهم أمهاتهم أحراراً" والديانة إنفاق في سبيل الله (الذي لا يمكن أن يكون سبيل قساوة وحرب وحيلة) وتصدُّق على الفقراء وزكاة.

أما الحروب في سبيل الدين فهي أقسى الحروب وأقربها إلى الكفر، لأنها تقتل الإنسان "باسم الله".

السياسة تدنِّس الأيدي، وما تدنست يدا يسوع الناصري. وإذا كانت في الماضي عظمةُ سياسةٍ لأفراد، أمثال فرعون والإسكندر ومحمد، فإن الشاعر يقول للأفراد الذين كانوا حكاماً مُطلقين، مثل محمد وستالين وفرعون:

زمانُ الفردِ يا فرعونُ ولَّى ودالَتْ دولةُ المتجبِّرينَ

في أيامنا انتهت ديكتاتوريات وإمبراطوريات، ولا يستطيع أحدٌ أن يسيطر على السياسة إلا إذا تسلح بالمال والسلاح. وهذه القوى العظمى محدودة العدد وهي التي تحكم كوكبنا. وهكذا دالت دولة العباقرة السياسيين الأفراد، وضاع قسم من عبقرية محمد، هو النبوغ السياسي. أما يسوع فلم يفقد شيئاً من عبقريته لتساميه عن غياهب السياسة ومطباتها.

3 - العبقرية العشائرية: نبوغ المصاهرة والمسايرة: يبدو أن محمداً تفوق على غيره في توحيد صف العرب وكلمتهم ولسانهم، وقد يكون له الفضل في ذلك لا يشاركه فيه أحد. ولكن القضايا العشائرية والقبَلية انتهت أيضاً وزالت مع الأجيال. ولا فائدة تُرجى اليوم من مصاهرة أبي بكر أو عمر بن الخطاب. المقصود من الكلام هو أن الفئات الحاكمة نفسها تخلت - بشكل عادي - عن سياسة النسب والمصاهرة، واعتمدت على السلاح والاقتصاد والحنكة والمحافظة على شعبيتها لدى الجماهير. لذا يفقد محمد أيضاً هذا الوجه من العبقرية، في حين يحتفظ المسيح بكامل نبوغه، لأنه يملك على القلوب والعقول لا على المتاع والأراضي والأمصار.

4 - العبقرية الاقتصادية: كان محمد بحاجةٍ إلى المال ليدفع مهور نسائه ويُعتق بعضهن (مثل صفية بنت حُيي التي وقعت في الأسر). كما كان يحتاج إلى المال في حروبه وفتوحاته أو مغازيه. أما المسيح فلم يطلب مالاً، ولا اضطر إلى إنفاقٍ على حرب أو على امرأة.

وضع المرأة: قد يكون ما قدَّمه محمد للمرأة أفضل من وضعها عند العرب قبل الإسلام، ولكنه لا يعلو على وضع المرأة في المسيحية. وبغض النظر عن المقابلة مع المسيحية، يلحظ الناقد الموضوعي أن أوامر قرآنية ولت وانتهت مع تقدم الأيام، مثل التوصية بضرب بعض النساء وهجرهن في المضاجع (النساء 34). والقول "إن الرجال قوّامون على النساء"، بشكل مُطلق غير صحيح. فإذا كان السبب في ذلك أن الرجل يُنفق على المرأة فالكثير من النساء تُنفق على الرجال. وقد أنفقت خديجة على محمد! وقد أصبح عمل المرأة ضرورة مُلحَّة بسبب ضيق الأحوال الاقتصادية. وكون الرجل هو صاحب الأمر والنهي في العلاقات الزوجية (إذ يوصي القرآن الرجال أن يأتوا نساءهم أنّى شاؤوا، لا مثلما شئن هنّ أحياناً - البقرة 2: 223) يجعل الرجل ديكتاتوراً ويترك في يده منفرداً إمكانية تطليق امرأته. ولو أنه في حالة "العصمة" يُمكن للزوجة أن تطلق زوجها.

أما المسيحية فلا تترك لأي من الزوجين صلاحية تطليق الآخر: لأن الذي يطلق الطرف الآخر يلفظ عليه حُكماً مع أن الذي يطلّق، سواء كان الرجل حسب القرآن، أو المرأة - حسب مصادر أخرى - في حالة بقاء "العصمة في يدها" - هو نفسه طرف في القضية. ولا يجوز لإنسان أن يكون قاضياً في قضيته.

5 - إعجاز البيان وسِحر الكلام: يفتخر المسلمون بإعجاز القرآن وفصاحة لغته. ويحسن بالمرء في هذا المقام أن لا يدخل في نقاش حول ذلك الإعجاز. ولكن تكفي نظرة إلى واقع الحياة العصرية كي يُدرك الإنسان أن سِحر البيان وإعجاز الألفاظ هما دليل فصاحة وأدب، لا نبوّة. وإذا قبل المرء على أي حال ذلك الإعجاز فإنه يراه يزول عند ترجمة القرآن إلى غير العربية.

أما الإنجيل فإنه لا يفقد شيئاً من قيمته الجوهرية عند الترجمة. وإذا كانت أخطاء في هذه "الترجمة" أو تلك، فإن إصلاحها ممكن دائماً. وما الأكثر منطقية: أن نُجبِر عدداً من شعوب الأرض أن تتعلم لغة غير لغتها وأن تصلي بلسان غير لسانها (والعربية لغة صعبة حتى على العرب أنفسهم)، أم ننقل إليهم بأكبر أمانة ممكنة كلمة الله؟ أليس من الأفضل أن يبتهل الإنسان إلى ربه في اللغة التي يعلمها، لا في لسان هو له أعجمي؟

سمو أخلاقي في السيد المسيح والمسيحية

بعد ذكر تسامي المسيح على الجسد والعنف والزمان والمكان بحيث تبقى رسالته غير منقوصة وعبقريته غير متأثرة بتقلب الدهر، تجدر أخيراً إشارة سريعة إلى سمو المسيحية الأخلاقي - أي سمو تعاليم يسوع:

- من ناحية القتل: أَمْر السيد المسيح واضح: "لا تقتل". ولم يقتل المسيح أحداً ولا أرسل لقتل أحد، ولكنه أقام الموتى! ولم يستخدم المسيح ولا رسله الإكراه والقتل كوسيلةٍ لنشر المسيحية. أما إذا لجأ أحياناً بعض رجال الكنيسة إلى العنف والقتل والحرب، فذلك مخالفٌ لتعاليم المسيح وهدى الإنجيل الطاهر ونوره.

نقرأ في الأنفال 8: 65 "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مَائَتَيْنِ". وورد في البقرة 2: 194 "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ". ويقول في التحريم 66: 9 "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ والمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَليْهِمْ". وتقول التوبة 9: 5 "فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ..." وفي التوبة 9: 29 "قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ".

(لم يطلب السيد المسيح جزيةً من غير المسيحيين القاطنين في بلدٍ مسيحي ولا طالب بقتال أحدٍ ولا بقتل أحد).

وهناك مقابلات مشوِّقة بين تعاليم المسيح وتعاليم محمد في شؤون الزواج والطلاق والقَسَم وأمور العفة الكاملة وقضايا الزنى ومعاقبة الرذيلة. ولكن ضيق المقام لا يسمح بها.

خاتمة

المقابلة بين المسيح ومحمد أمرٌ غير واردٍ للمسلم، الذي إذا فتح القرآن يجد فيه ثلاث مرات اسم محمد ومرة واحدة "أحمد" في حين يجد اسم عيسى خمساً وعشرين مرة. ولن يجد لوالدة محمد ذكراً، في حين يذكر القرآن مريم العذراء أربعاً وثلاثين مرة. ولا يُعيب المسلم الاعتراف بسمو مريم وابنها "آية للعالمين" - فهذا ما يعترف به القرآن ويؤمن به كل مسلم أصيل.

وبدل المقابلات التي لا طائل منها (والتي يدينها القرآن ويرفضها الإنجيل) ليتعلم المؤمن من حياة السيد المسيح دروساً ثمينة، وليحرص أن لا يتحول المسلمون إلى "محمديين" يُنكرون القرآن في سبيل إعلاء شأن محمد. وليتوجهنّ كل مؤمن - مسيحياً كان أم مسلماً - رافعاً أيدياً طاهرة داعياً من أجل جميع الناس، من أقارب أو أباعد من أصدقاء أو أعداء، لكي "ينالوا الخلاص ويبلغوا معرفة الحق" (1 تيموثاوس 2: 4).

يسوع هو العظيم وهو الأعظم

لأنه "كلمة الله وروح منه"، لأنه "من روح الله".

لأنه يحفظ كرامة الإنسان ويحترم حريته، والحرية من "أعظم" مزايا الإنسان، وهي أساس مسؤوليته عن أعماله، وعماد ثوابه وعقابه. قال يسوع: "إذا أراد أحد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه". ومحمد يقول: "من بدّل (أي غيَّر) دينه، فاقتلوه".

يسوع يقول: "من يأخذ السيف، بالسيف يهلك" - "لا تقتل" و"لا تخاصم ولا تقاتل". ومحمد يقول: "اقتل وقاتل". ويرى علماء الإسلام أن آية السيف (التوبة 5) نسخت نحو 124 أمراً قرآنياً بحُسن معاملة غير المسلمين.

في كلام يسوع لا ينسخ أمرٌ أمراً، ولا يُلغي ولا يناقض شيءٌ شيئاً. وفي القرآن عشرات الحالات من الناسخ والمنسوخ، بين ما نسخت تلاوته وبقي حُكمه، وما نُسخ حكمه مع بقاء تلاوته، وما نُسخ حُكمه وتلاوته معاً.

يسوع عفيف نزيه مترفِّع عن الجسد وأهوائه، أما محمد فقد سار في الجسد وسلك حسب الجسد بشكل غير مألوف عند الرجل العادي. فنسب بعض القوم فحولته إلى النبوّة، وقارنوه بداود وسليمان، ووجدوا أنه كان كثير الورع ومالكاً (أي ضابطاً) لإِرْبه (وهو عضوه التناسلي) أكثر منهما. ولكنهم تجنَّبوا مقابلته مع عفة المسيح المطلقة فأعلنوا تفوُّق محمد على من سبقه من ألف وخمسمائة سنة، وأغفلوا التفوق الأخلاقي عند يسوع الذي سبَقه زمنياً وروحانياً بسبعة قرون من حساب التاريخ.

من العظيم؟ هو "كلمة الله وروح منه". العظيم هو الذي تجذبك شخصيته وتقودك نعمة الله فيه وإليه، مع أن أوامره صعبة، ولكنها تتحول إلى "نيرٍ لطيف وحِملٍ خفيف". العظيم هو الذي تتبعه بغير إكراه ولا وعد ولا وعيد. العظيم هو الذي لا يلجأ إلى العنف، وعندما يكيد له أهل العنف يغلبهم بحلمه ويتوفاه الله ويرفعه إليه. العظيم هو "الوجيه في الدنيا والآخرة" وهو أعظم من الذي يأمل عسى ربه أن يعطيه مقاماً محموداً. والسلام على عيسى قبل ميلاده، ويوم وُلد، ويوم يموت، ويوم يُبعث حيّاً.

عودة الى الصفحة الرئيسية